[email protected] وقع رئيسا دولتي السودان الرئيس عمر البشير و سلفاكير ميارديت, يوم الخميس الماضي, اتفاقا في أديس أباب, حول القضايا الأمنية و النفط, و قد رحب العالم بهذا الاتفاق بين الدولتين, باعتبار أنه ينهي النزاع و الحرب بين البلدين, و بالفعل يعد الاتفاق خطوة مهمة لوقف العدائيات بين البلدين, و يمكن أن يبني جسورا للثقة بين الدولتين, إذا استثمر استثمارا جيدا, إذا كانت الإرادة قوية لبناء علاقات جيدة بين الدولتين لمصلحة الشعبين الشقيقين, و هي أحدي إيجابيات الاتفاق.و لكن هناك العديد من المطبات و العوائق ربما تحول دون تطوير الاتفاق لاعتبارات عديدة, و هي مجموعة من السلبيات, و التي لا تستطيع أن تتجاوزها القيادات في البلدين, بسبب العقليات الحاكمة في الدولتين, هذا من جانب, و الجانب الأخر, إن القضايا المعلقة بين الدولتين, في خلافات الحدود, و منطقة أبيي, سوف تكون بمثابة قنابل موقوتة, و أيضا القضايا السياسية المتعلقة بالديمقراطية و الحريات في البلدين, و هي تعد عوامل لعدم الاستقرار في الدولتين, و تهدد عملية السلام و الاستقرار. إذا نظرنا إلي الاتفاقية بموضوعية, فهت تمثل قفزة إيجابية من أجل تحقيق السلام بين الدولتين, و تبقي قضية تطوير العلاقة و تنميتها و التعاون محكومة بالإرادة عند القيادات الحاكمة في البلدين, لذلك نجد إن الاتفاقية تحمل العديد من الإيجابيات و تتمثل في الأتي:- أولا – إن الاتفاقية سوف توقف العدائيات بين الدولتين, و خاصة الحروب التي تندلع بين هنيئة و أخري و هي تمثل استنزاف لاقتصاد الدولتين. ثانيا – يمكن أن تصبح الاتفاقية طريقا لبناء جسور للثقة بين الدولتين, و تفتح قنوات الاتصال بين الشعبين, باعتبار أن تنمية و تطوير البلدين يعتمد علي التكامل بين الدولتين, ثالثا – إن الاتفاقية إذا تم تنفيذها سوف تعالج الإشكاليات الاقتصادية التي تعاني منها الدولتين, و أية مشاركة اقتصادية تفتح قنوات عديدة للحوار بين الدولتين, و تصدير البترول و انعكاساته لا تستفيد منه النظم الحاكمة فقط, أنما أيضا ينعكس علي المواطن. رابعا – إن الاتفاقية تفتح الحدود بين الدولتين للتجارة البينية, و التجارة الشعبية تعمق الروابط بين الشعبين, و سوف توفر العديد من الوظائف, و تنتعش بعض المدن في الدولتين من بورتسودان إلي جوبا, و أية بناء علاقات شعبية بين الدولتين, و تفاعل تجاري يوسع من دائرة الاستفادة في الإطار الشعبي سوف يقلل فرص النزاعات المسلحة, وتصبح قضية السلام و الاستقرار مطلبا شعبيا حماية لمصالح شعبية. خامسا – أن تدفق أموال النفط, سوف يدعم النظامين القائمين في الدولتين, و هي من جانب ايجابية للنظامين, ليساعدهما علي حل المشاكل التي تواجههما, و من جانب أخر, بما إن النظامين غير ديمقراطيين و لا يضعان أهمية للمعارضة, فإن تدفق الأموال يعني مزيدا من التسلط و الحجر علي الحريات. سادسا – أن الاتفاقية سوف توقف الدعم المتدفق من قبل الدولتين علي حاملي السلاح, و لكن ذلك لا يعني أن الإشكاليات الداخلية السياسية قد تنتهي, في ظل الممارسات و التسلط القائم في الدولتين. فالاتفاقية بقدر ما هي تضمن ايجابيات, أيضا تحمل العديد من السلبيات, و التي تهدد الاتفاقية نفسها, و تمنع من تطورها لكي تحقق عملية السلام و الاستقرار الاجتماعي في الدولتين و تتمثل السلبيات في الأتي:- 1 – أن النظامين الحاكمين ليست كانت لديهم إرادة قوية للوصول إلي اتفاق تفاوضي لحل المشاكل بينهما, و أنما دفعوا دفعا لذلك من المجتمع الدولي, متمثل في قرار مجلس الأمن رقم 2046 و المدعوم بالبند السابع من ميثاق الأممالمتحدة, إلي جانب سيف العقوبات الذي هدد مجلس الأمن الدولتين باستخدامه علي الدولة التي تتسبب في الرفض و عدم الوصول إلي الاتفاق, إذن لم تكن الإرادة نابعة من القيادتين و لكن دفعوا إليها دفعا. 2 – إن الاتفاق لم يناقش القضايا الخلافية المهمة " قضية أبيي- خلافات الحدود " و هي قضايا حتما سوف تتسبب في نزاع بين الدولتين, تعطل ما اتفق عليه إذا لم تجد الحل النهائي, و هي بمثابة قنابل موقوتة ربما تنفجر في أية وقت. 3 – إن النظامين في الدولتين, ينظران إلي الاتفاق أنه سوف يوقف دعم كل دولة للحركات المسلحة في الدولة الأخرى, دون أن تقدم أية منهم تنازلات, من أجل عملية التحول الديمقراطي و الحريات, و هذه النظرة الضيقة في الدولتين, أيضا سوف تؤثر سلبا في الصراع السياسي الداخلي, و الذي سوف يؤدي إلي النزوح و عدم الاستقرار, و يعيد اتهامات كل دولة إلي الأخرى. 4 – إن إعادة ريع النفط في ظل نظم سياسية غير ديمقراطية, سوف يجعلها تحارب هوامش الحرية المتاحة للصحافة و الإعلام, و سوف تزيد من قضايا الفساد في الدولتين, و إن الشعب لن ينعم بريع النفط, أنما يعود علي فئة ضيقة في المجتمع, كما حدث في السابق. 5 – إذا مهد الاتفاق طريقا لتفاهمات بين النظامين, لن يكون في مصلحة الشعبين, بل سوف يؤدي إلي تحالف ديكتاتوريتين ضد المعارضين, و مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان و الاعتقالات و التعذيب و التشريد و النزوح, و تقليص مساحات الحرية رغم ضيقها الشديد و تعدي الأجهزة الأمنية عليها كما تفعل الآن. قال الرئيس سلفاكير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان عن الاتفاق (أنه يعد خطوة مهمة لنهاية نزاع طويل بين البلدين) و بالفعل يعد خطوة مهمة إذا أتبع النظامان في الدولتين الاتفاق بإجراءات داخلية, تساعد علي تمتين عرى السلام و الاستقرار الاجتماعي و هذه لا يمكن أن تتم من خلال القبضة الأمنية القوية, و إعطاء مزيد من الصلاحيات إلي الأجهزة القمعية, لكي تصادر الحريات و تشرد الصحافيين, و تقوم باعتقال الوطنيين و غيرها, و النزاع الطويل لا يمكن أن ينتهي باتفاقات خارجية, دون النظر بجدية إلي التحديات الداخلية, و التي يصنعها النظامان بنفسيهما, برفضهما قبول التعددية الديمقراطية, و الإصرار علي أن تسيطر أقلية في البلدين علي الدولة و مؤسساتها. هذا النهج لا يصنع سلاما و استقرارا في البلدين, و الاتفاق الذي وقع لا يوقف النزاعات الداخلية. و عن الاتفاق أيضا, رحب الرئيس الأمريكي باراك أوباما, باعتبار إن الاتفاق يبني قاعدة جديدة لدولتين قابلتين للحياة, إذا استطاع الاتفاق أن يحقق السلام و الأمن بين الدولتين. و الرئيس الأمريكي و الدول الغربية حريصة علي الاتفاق بين الدولتين, باعتبار أية نزاع مسلح بين الدولتين تتحمل كل تبعاته تلك الدول, و يتحمله دافع الضرائب في تلك الدول, لذلك هم فرحين في أن يوقف الاتفاق أية مشروع مستقبلي لحروب, خاصة أن العقليات الحاكمة في الدولتين, تعتقد أن الحروب و النزاعات المسلحة هي السبيل الوحيد الذي تشغل به جماهيرها حتى لا تفكر في المطالبة بحقوقها, و لكي يكون الاتفاق مؤثرا و جالبا للسلام و الاستقرار يجب أن يدعم بحوار بين الحكومة و الحركة الشعبية قطاع الشمال, و أية تجاهل باعتبار إن الاتفاق سوف يوقف الدعم اللوجستي من قبل دولة الجنوب سيكون نظرة ضيقة جدا لعملية السلام الداخلي, كما إن الاتفاق لا يعني إن المعارضة سوف توقف نضالها من أجل الحرية و الديمقراطية. و في السودان كان إصرار قيادات الإنقاذ أن تعطي الأمن الأولوية في ذلك, و السبب أن تحاصر الحركات المسلحة في دارفور, و أيضا الحركة الشعبية قطاع الشمال, و تعتقد أن توقيع الاتفاق الأمني سوف يفقد تلك القوي المسلحة الدعم اللوجستي القادم من دولة الجنوب, كما أن قيادات الإنقاذ تعتقد أن الاتفاق الأمني, هو الذي يضمن بقاء النظام, و يجنبهم تقديم أية تنازلات لقضية التحول الديمقراطي, و لكن لا اعتقد أن العالم الخارجي الذي أيد الاتفاق غافل عن القضايا الأخر, و جاء ذلك عندما قالت وزير الخارجية الأمريكية, إن بلادها ترحب بالاتفاق بين دولتي السودان, حول القضايا الأمنية و الاقتصادية, متمثلة في النفط, و قالت يجب أن يمهد الاتفاق الطريق لإنهاء الصراع و الاحتياجات الإنسانية, في ولايتي جنوب كردفان و النيل الأزرق. و هي إشارة لا اعتقد إن قيادات الإنقاذ لا تفهمها, و كما ذكرت كثيرا, إن قيادات الإنقاذ تعتقد أن كل القيادات في العالم تفكر كما هي تفكر, باعتبار أن النظم في الدول الديمقراطية لا تستطيع أن تتجاوز أو تتجاهل و تهمل منظمات المجتمع المدني. الإشارة الأخيرة التي تبين إن الاتفاق سوف يخلق صراعا داخل السلطة الإنقاذية, قد تبين بحشد بعض من الجماهير لمقابلة السيد رئيس الجمهورية في مطار الخرطوم بعد عودته من أديس أبابا, حتى تقول إن الشعب مبارك هذا الاتفاق, و الرسالة ليست للمعارضة أو للعالم الخارجي, فالكل يعلم عن السودان و مجريات الأمور فيه, و لكنها رسالة للرافضين الاتفاق من المتطرفين داخل الإنقاذ, و الذين كانوا سببا في انفصال الجنوب, و أيضا كانوا سببا في إلغاء الرئيس لاتفاق أديس أبابا, الذي كان قد وقع بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية قطاع الشمال, فالجماهير التي تدفع دفعا للخروج لا تعبر عن موقف مبدئي, أنما و هي حالة لا تجدها إلا في النظم الشمولية, و هي رسالة تبين صراعا داخليا في النظام نفسه, و لا اعتقد إن هناك مواطنا وطنيا يرفض الاتفاق الذي يوقف العدائيات و يمهد لعملية السلام و تطوير العلاقات بين الدولتين الشقيقتين, و لكن الرافضين للاتفاق هم عناصر الإنقاذ المتطرفة التي ترفض أية تحول من أجل الديمقراطية و التبادل السلمي للسلطة. و بعد ما بينا سلبيات الاتفاق و إيجابياته, لا استطيع أن أقول أنه يعتبر خطوة إيجابية في أن توقف العداء بين الدولتين و تمهد الطريق للتفاعل بين الشعبين, و تحسين أوضاعهم الاقتصادية, و لكن إذا لم تتبع الاتفاق إجراءات داخلية في البلدين, توسع من دائرة الحريات و تحول الدولتين من دولة الحزب إلي دولة التعددية, أن الاتفاق لا اعتقد أنه سوف يبني قوائم السلام و الاستقرار في البلدين و في الختام نسأل الله التوفيق.