بسم الله الرحمن الرحيم السودان ساحة للصراع..!! عبدالله مكاوي [email protected] إذا صدقت إدعاءات النظام في الخرطوم الذي يعيش في حالة عداء مستحكمة مع الصدق طوال وجوده القسري علي سدة الحكم، عن دوافع ضرب مصنع اليرموك للأسلحة داخل العاصمة! وتحميل المسؤولية لإسرائيل كجزء من مخططها الرامي لزعزعة الأمن الأقليمي، وأطماعها المعلنة والخفية للسيطرة علي كل دول المنطقة او صدقت بعض التحليلات التي اعتمدت علي أن المصنع قد تم إفراغه من الأسلحة مسبقاً وتم إستدراج إسرائيل لضربه ومن ثم لعب دور الضحية التي تستدعي الشفقة الدولية والإصطفاف الداخلي كجزء من الاستراتيجية النفسية الساكنة في قلب وعقل النظام وهي الهروب الي الأمام من مواجهة المطالب الداخلية الحقيقية بإفتعال الأزمات وتضخيمها والإختباء خلف دور الضحية الذي لا يجيد سواه وكل ذلك لإخفاء سوءات النظام المستفحلة مع مرور الايام وتراكم الاخطاء! لذلك إذا لم يجد النظام مشكلة او أزمة فهو يسعي لخلقها، وهذا المسلسل استمر طويلا واصبح من الوسائل الفعَّالة التي يعتاش منها النظام او يتغذي عليها لإعطائه فسحة من الحياة، ومشروعية بوصفه حامي حمي العقيدة والوطن ضد الآخر الطامع في خيرات البلاد التي لم يراها المواطن إلا في اجساد وخدود وعمارات وعربات ابناء النظام، وهو من يوظف كل موارد البلاد للدفاع عن العقيدة والوطن! ويُعلن صباحا ومساء عن منعة البلاد وقوتها ووقوفها كالطود الشامخ ضد دول الإستكبار وكل هذه المزاعم تفضحها أبسط الإختبارات، وهو المسؤول الاول عن أمن البلاد ونذكر النظام بالقول المنسوب لدوايت مورو (أي حزب ينسب لنفسه الفضل في المطر ينبغي الا يدهش اذا لامه خصومه علي الجفاف!). او صدق الإستنتاج الآخر الذي يري ان الغاية من الضربة الاسرائيلية اذا صدقت هو إرسال رسالة واضحة لإيران وهي توظف بعض دول المنطقة الحليفة كمخزن لأسلحتها او معبر او مكان آمن للإحتفاظ ببعض قدراتها اذا حدث لها مكروه وهي تري نذر الحرب تقترب منها رويداً رويدا وبتسارع يتناسب مع إقتراب إمكانياتها من صنع السلاح النووي وهو الإحتمال الذي يشكل مجرد التفكير فيه كابوس لمُتَخِذ القرار الإسرائيلي، وهي الدولة المصنوعة والمفروضة بقوة السلاح، ولا تنام إلا بعد ان تطمئن ان كل جيرانها مدجنين ومنزوعي المخالب والأسنان. اذا صحت اي من هذه التحليلات فهي تعني عملياً ان النظام يُدخل البلاد لساحة الصراع الإقليمي بالرغم من وجوده في الهامش الاقليمي وهو لا يملك اي مضادات او وسائل حماية ، تحميه من خطورة الإنخراط في هذه الصراعات والنزول الي حلبتها، وبذلك تتحول البلاد بسهولة لساحة صراع دولي لا يملك حق السيطرة علي تداعياته، بوصفها دولة صغيرة وضعيفة ومنهكة، ولنا في لبنان المثال والنموذج الحي، الذي يعيش هكذا أوضاع وظل لسنوات طويلة في حالة من إحتباس الأنفاس ونذر الحرب الاهلية تطوف علي رأسه، ويتعرض أمنه باستمرار للتجاذبات الاقليمية التي تدفع في اتجاه مصلحتها في المقام الاول، بل أصبح في بعض الاحيان ميدان لتصفية الحسابات بين دول المنطقة الأقوياء الذين تكلفهم المواجهات المباشرة كثيرا من الخسائر، والدولة اللبنانية وبسبب الحساسية الطائفية اصبحت مهيئة لإستقبال الأزمات الآتية من الخارج ، وبالمحصلة اصبحت دولة لا تملك إرادتها بل مجرد هياكل ومؤسسات تعمل كخيال مآتة يوهم المواطن بأنه يحتمي بجسم يوفر له الحماية والملاذ الآمن والخدمات ولكنه في الحقيقة يزرع فيه الكثير من الخوف وقليل من الأمل وهو يختبر هشاشة الدولة يوميا، مما يدفعه دفعا لايجاد وطن بديل في أقصي بقاع الأرض. ونظام الإنقاذ كغيره من الأنظمة الشمولية فهو مشدود ببصره دائما الي الخارج باحثا عن رضي الخارج القوي/المخيف لاغياً الداخل وإحتياجته بقوة الشوكة والترهيب وأحيانا بالترغيب للعناصر الهشة في الداخل، وفي نفس الوقت متخذا من الخارج فزاعة يوجهها للداخل المُغيب/المدجن ويوظفها لإعطائه مزيداً من المشروعية وهي العقدة المستحكمة في نفسه، وفي سبيل ذلك فهو يبرر كل التناقضات التي تحملها مواقفه، بين لعنه المُعلن للخارج وتصويره كشيطان يجب الإحتراز منه وفي نفس الوقت تمرير كل اجندة الخارج ومصالحه او الإنبطاح له بلغة السيد الطيب مصطفي ابن النظام الوفي ومنظره في مرحلته الأخيرة اي مرحلة الإفلاس والتآكل من الداخل، والسيد الطيب مصطفي هو بالطبع المرادف للعنصرية والعنجهية وفقدان الشهية والمصران العصبي! المهم ان النظام يلعن الخارج في الظاهر ولكنه يستبطن الاحترام للخارج والخوف المرضي منه لأنه قادر علي كتم أنفاسه، ومن الجانب الآخر فهو يحتقر الداخل الرافض له في قرارة نفسه بسبب سياسات النظام التدميرية الإفقارية لكل مقومات البلاد من الوجود البشري والمادي، ولكنه بسبب الخوف يظهر بعض الرضا والقبول المصطنع والمتكلف، اي ان الكُره متبادل بين النظام /الحاكم /المستبد والشعب المحكوم/ المضطهد، وهذا الشعور هو ما دفع النظام منذ وقت مبكر من إستيلائه الغادر علي السلطة علي استقبال كل المنبوذين في بلدانهم وتوفير الدعم والغطاء السياسي لهم لإرغام تلك الدول والضغط عليها لتستجيب لإبتزازات النظام، دون ان يقدر مدي امكانته، ونقصد بذلك اوهام واطماع صانع النظام الاكبر والذي تولي كبره دكتور الترابي علي أيام تكوينه للمؤتمر الشعبي العربي الاسلامي الذي ضم شخصيات متباينة ومختلفة كل ما يجمعها هو العداء المعلن لامريكا والغرب والنظام العالمي علي العموم، وللأسف كانت امريكا دائما المستفيد الاول من حالة العداء الوهمية التي يكنها لها هذا التنظيم الهلامي ومؤيدوه من افراد وتنظيمات وكثيرا ما اتخذتهم كأدوات لتنفيذ مخططاتها برضاهم وغفلتهم او رغما عنهم وبوعيهم! ولكن الترابي وبحسه السياسي البرغماتي الذي وسم حياته السياسية في مجملها وهو بالمناسبة الوجه الآخر لتحقيق التطلعات الشخصية بكل الوسائل والتضحية بكل المبادئ والرفقاء آسف الاخوان وفي نفس الوقت الغرور والتعالي علي النقد الذاتي الشفيف الخالي من النرجسية وحب السلطة والعشم العنيد والمتقد لنيلها، وهو ما اكسبه هذا القدر العالي من الرفض والتناقض في قلوب الكثيرين بما فيهم بعض اتباعه، إضافة لجرحه خاطر الوطن بإنقلابه المشؤوم الذي ما زال يتقطر دماء، المهم الترابي من خلال اكتشافه لخطورة هذا المسلك مبكرا وما يجلبه من ضغوط خارجية وبسبب وصفه السابق وحرصه علي مكاسبه الشخصية، سارع ببيع كل من ظن ان الترابي يحميه ويوفر له الملاذ، فسارع بعرض بن لادن للسعودية وامريكا وغدر بكارلوس وسلمه لفرنسا ووظف كل الاوراق التي بيده من غير شفقة او رحمة او عهد بذله لاولئك الحالمين بجنة الترابي في السودان ، وكل ذلك من اجل إستمراره وحبه المرضي للسلطة، وبذلك ادخل السودان في صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل ولا مصلحة غير طموح التربي الشخصي وقراءته الخاطئة للعلاقات الدولية، وكانت النتيجة ان دُمغ كل السودانين بالإرهاب وفقد السودانيون أهم صفات اشتهروا بها لفترة طويلة خارجيا كشعب مسالم ومتسامح وامين يُثق به، واصبح الجواز السوداني يسبب لحامله حرج وصعوبات لا حدود لها من الشكوك والذل والتميز والمتاعب عند المرور بالمطارات الخارجية، وهو ما يحتاج لزمن طويل لمحو آثاره اذا امكن! بل حتي الدبلوماسة السودانية عانت الامرين من ذلك المسلك الأرعن لتجد نفسها في مواجهة اوضاع يصعب تبريرها او الدفاع عنها مما اقعد الدبلماسيون السودانيون عن القيام بدورهم في خدمة بلادهم بصورة طبيعية وبعيدا عن حالة الحرج والطريقة الدفاعية التي وجدوا انفسهم اسيرين لها ، اضافة للتضيّق الذي وجدته العمالة السودانية خاصة في منطقة الخليج، وهذا غيض من فيض الخسائر التي سببتها القراءة الخاطئة للخارطة الاقليمية والدولية والعجز عن معرفة واقع البلاد الفعلي وحدود امكانتها وفقدان المهارة القادرة علي توظيف التناقضات الدولية والعلاقات الخارجية لتصب في مصلحة الداخل. وبعد هذه التجربة المريرة نجد النظام يعيد نفس الأخطاء ولكن في صورة مهزلة وهو يستقوي بالخارج ويكرس كل جهده وهمه للتعامل معه ناسيا الداخل، ويلعب مع الكبار واضعا أمن البلاد ومستقبلها في مهب الريح، وهو يسلك هذه الدروب الوعرة فقط للهروب من الاستحقاقات الداخلية من حرية وتنمية وديمقراطية ومشاركة وشفافية وهو الطريق الآمن والمضمون ولكن لاحياة لمن تنادي.