[email protected] حفز التناول الأول للعباقرة في المكر صديقاً لي آخر ليحكي لنا وللتأريخ مكر من لا يخافون الله إلا قليلا في عباده . الصديق طبيب مرموق تجمعت دروب الحياة مع بعضها فكان الإخاء نتاج هذا التلاقي . لكن الأخ وجد في الغربة متنفساً عن وضع يصفه بلا معقول في وطنه الأم . فساد شديد ومحسوبية وتعدي سافر علي المال العام وغياب أي ن وع من الرقابة علي كل المستويات والساسة في بلاده يحكمون الشعب باسم الدين وبه يُسقطون الحقوق المشروعة للغير دون تأنيب من الضمير أو خوف من رب العباد والخلق . وقصته عنوان لهذه الوصفات ، وسمح لنا أن نزيد درجة العرض بإضافة (الثوم) و(الشمار) وبعض (الملح) و(الفلفل) دون تغيير في عصب وأحداث القصة للأمانة المهنية والي المضابط : قبل السفر كان الطبيب واحداً من ضمن وفد ولايته القاصد العاصمة الكبرى لانتخاب قيادة جديدة لنقابة المهن الطبية في بلاده من ضمن اتحاد عمالي كبير قومي يضم العديد من نقابات المهن المختلفة . وكان يحدوهم الأمل في التغيير والإتيان بقيادة جديدة تكون قلباً مع العمال في المرافق الصحية وقالباً ، لا أن تكون مع الحكومة في بلده ساندة لها في الصالح والطالح وهو ليس دورها الأساسي ، وكانت القيادات إلا من رحمه الله تضع السياسة أولوية وتضيع مصالح العمال . أتجه الطبيب ووفد ولايته إلي القاعة الفخمة وهم يمنون أنفسهم بانتخاب قيادة جديدة وفق العمل الديمقراطي الشفاف الذي يرتكز علي الحياد والصدق وعدم الإكراه وفرض الرأي وتكريس الدكتاتورية . لكن وهم يدخلون صدمهم إحساس هو شعور بالغربة بوجود وجوه فاحصة هامسة ، وظللت الأجواء غيوم سوداء مصطنعة كأنما القوم إلا قليلا قد جهزوا طبخة للانتخابات يريدون إطعامها الحضور . جلسوا جميعا بعد برهة من الوقت وبدأت فعاليات نهاية الدورة القديمة وبداية الجديدة ، بعدها بقليل اعتلى المنبر رئيس اتحاد العمال المهيب الشديد العزوة في بلد صديقنا الطبيب وهو من القيادات الكبيرة في الحزب الحاكم في ذلك القطر ، وهو حسب وصفه نصير الحكومة والحزب في الاتحاد الجامع للعمال لا العكس ، وظل في قيادة الاتحاد وقتاً أعطى الناس قناعة أنه مثال لمقولة الأنظمة الديكتاتورية التي تتشح بغشاء رقيق من الديمقراطية تحب (الرئاسة حتى القبر) . انتهت خطبة القائد الحصيفة التي طارت بالحضور من واقع البشر إلي مصاف الملائكة في الحض علي العمل والوطن في مقل العيون و و و . بعده دخل مسجل النقابات ليشهد الترشيح والانتخاب ويسجل القيادة الجديدة ، من دون أن تجاز الدورة السابقة في ميزانيتها وعملها ، إذ سبق جلسة الانتخاب الاتفاق علي عدم قيامها ، ليُستعاض منها توزيع كتيبات علي الحضور بها بعض التفاصيل لهذه المسائل . وعلي ما يبدو أُعطي المسجل قبل دخوله القاعة قائمةٌ بأسماء القيادة الجديدة حسب ظن الصديق الطبيب ، وتم توزع بعض المحرضين علي القائمة المجازة من الحزب الكبير الحاكم لقادة النقابة لضمان ولائها له ، وعندما تعالت أصوات أخري مطالبة بترشيح آخرين دون (المرضي عليهم) ، وصار المُسجل يلتفت يمنة ويسرى عله يجد مخرجا من هذه (الورطة) فتعليماته واضحة وبعض الحضور لا يساعد علي إنهاء الأمر . فتعلل المُسجل العام للحضور بعدم اكتمال الإجراءات بحكم عدم إجازة الدورة الماضية رغم الاتفاق المسبق ، وخرج مسرعاً . بعدها غُلقت الأبواب ومُنع الخروج والدخول ، ودخل المدير العام لوزارة الصحة التابعة لولاية العاصمة في بلد الصديق وهو رجل مكتنز الجسم تعلوه صرة واضحة ، جلس في الأمام وتحدث في شيء من القوة لا تُخفي وعيداً . وصار يتحدث عن البلاد وما يواجهها من تآمر وبلبلة واستهداف خارجي في العزة والكرامة والحرية والدين والعرض ، وتحيق بها أخطار في كل البقاع وأحزاب معارضة تكيل للنظام ويمكن أن تحالف الشيطان نفسه إن ضمن لها إسقاط الحكومة واعتلاءها مكانه . بعدها مباشرة قال في غضب : - وبعد كل هذا تريدون أن تساهموا في تشتيت الصف الداخلي وضرب المصالح الوطنية ، بترشيح قيادة لا تضمن الولاء للوطن ؟ صمت الحضور وعلت الوجوه دهشة كأن كل واحد يقول في نفسه : أنا !!!!!!؟ لكّن الدكتور الهمام عالج الدهشة بإضافة تحدي لقوله الغاضب وقال : - هذه البلاد هي ارثنا ونحن سادتها وتشهد لنا الانتخابات السياسية الماضية بهذه السيادة ، فالشعب أعطانا كلمته وزجر المعارضين . وصمت بعدها ليري رد الفعل في الوجوه المستغربة المذهولة التي أصابها الرهبة والخشية . وأضاف الرجل الصارخ في الوجوه بنفس الانفعال ملئه تحدي وتهديد واضح : - لن نقبل أن يفرض علينا احد كيف ندير البلاد والمؤسسات والاتحادات والنقابات ، والذي لديه جرأة ولديه وجهة نظر أخري ، فليخرج أمام المنصة ويقول رأيه . تكهرب الجو في القاعة وتوسعت الأفواه الفاغرة وتحجرت الأبصار ، ولكن لم يخرج أحد لبرهة وتسمر الناس في مقاعدهم وخالجهم شعور الرهبة والدهشة والعجز والغضب والكره لهذا التحدي الواضح ، ولكن لم يتحرك أحدٌ لبرهة . بعدها بقليل خرجت مجموعة خالها الناس حركها رد الفعل الغاضب المتحدي للدكتاتورية ونصرة للديمقراطية ، لكن (الوجيع) صار وجعاً ، فصاروا يكبرون ويهللون ويعضدون ما أقترفه المدير الدكتور في حق النزاهة والرأي والرأي الآخر ، وذهب أمر الله في القرآن الكريم بأن لا إكراه في الدين وقياسه علي كل شيء آخر ، ذهب أدراج الرياح . ترجل الدكتور (الفارس) المكتنز المبارز من المنبر دون أن يبارزه أحد و(الأذناب) تهلل وتكبر وتطلق الشعارات في مشهد ذبح الشفافية والديمقراطية والنزاهة ، ودخل بعدها مسجل النقابات وتنادى (المندسين) بأسماء الزملاء في القائمة المكتوبة ومعها التعضيد علي أصحابها ، لتحمل نشرات الأخبار خبر انتخاب اتحاد عمال المهن الصحية في جو الديمقراطية والحريات المصانة في البلاد . فأحس صديقنا الطبيب بفقدان الأمل في أهل وطنه وأثر الرحيل . همسة : كل صاحب معالي وسلطة يجد تشابهاً بين أحداث هذه القصة وأحداث حدثت له شخصياً فهي مسئوليته وحده أمام الناس والتأريخ وربه ، وليست مسئولية أحد غيره ولا يلوم إلا نفسه . الصحافة