[email protected] ضيق الحال اصبح يرمى بكثير من الشباب الى طرق ابواب المستحيل، فى سبيل بصيص امل يخرجهم من داخل قمقم العطالة والبطالة ، الى خارج دائرة التهميش فهم هنا اوهناك بين عسى ولعل... الشباب الذى لم يجد له موطأ قدم لعمل شريف يغنيه عن سؤال اللئيم... تسوقه اقداره الى طريق الاحلام بالذهب وقبول المخاطر فى انفاق مظلمة بالمجهول ، و مغاراة محفوفة بالهلاك كثير طمرت تحتها نفوس بريئة.....ومثلما يرمى الفقر والعوزالانسان فى طريق التخبط ، يسوق الاحساس بالتهميش الى مغامرات انتحارية ، من اجل العيش الكريم... وهكذا وتسوق ابراهيم المغلوب على امره ،اقداره كغيره من شباب الوطن المحبط من سوء الحال ، وانحطاط الوضع العام ، الى ارض التنقيب عن الذهب فيترك خطيبته الغالية فاطمة وقريته الحبيبة خلفه ، ميمما شطر ارض الامانى المزعومة تتناوشه المخاوف ، وتتجاذبه طموحات لايستطيع ان يتكهن عن ملامحها الغامضة ، وحب يغالب اندفاعه ويثبط همته من ركوب امواج المجهول والخطر. وصل ابراهيم ارض التنقيب مع جمع من الذين اغلقت دونهم السبل يحدوهم الامل فى العثور على ما تحتوى الارض من المعدن النفيس ،الذى يتوارى عن الانظار خجلا او دلالا بين الصخور وتحت الركام فهو – اى الذهب- كالحسناء التى تعشق ان يزيد عدد خطابها ويغريهم دلالها وتمنعها ليزيد مهرها فتتعب قلوب طلابها...وربما هى ابواب الذهب قد سخرها الله سبحانه وتعالى لاهل السودان ليفرح بعض الاحزان الكامنة فى قلوب الاوطان ويضحك عيونا فد تنكر لها الابتسام... فالقليل من الامل خير من التشائم والانهزام...... دارت المعاول فى رحلة البحث عن الذهب، وداخت هنا وهناك فى اجواء مكفهرة بالحر... ومتوقدة بالسموم، وتتساقط حبات العرق من الجبين ، وتتورم الايادى من اثار الحفر والتنقيب ، وتنزف الارجل بالدماء والجراح ، من اثر رؤوس الحجارة المدببة ... ويملاء الغبار العيون.. فتحمرالاوداج.. وتغيب الرؤيا احيانا فلايكاد يرى احدهم الاخر، وسط هبوب الرمال و سطوة العواصف...وتمر الليالى المتشابهة المحمومة ، وهم بالهموم الاجهاد قد اثقلوا ... وقد هدهم التعب وارهقتهم حركة المعاول والبحث، بعد ان استنفذ النهار طاقاتهم فرقدت الاجساد كانها جثث هامدة ....يفترشون الارض ويلتحفون السماء ....ويابى النوم ان يزور عيون ابراهيم ، وقد شده الحنين الى اهله....ومرت شهور وكلت الاجساد الكليلة العليلة، ولم تتكرم الارض عليهم بنفحة خير من ذهب قليل... ودب الياس بينهم.... ولا تنسى ذاكرة ابراهيم يوم تهدمت حفرة التنقيب العميقة ، وفى جوفها اثنبن من اصدقائه ، ولم تفلح المحاولات فى اخراجهم احياء.... فماتا شهداء تحت الهدم والركام ...وهم فى رعيان الشباب...يومها قرر ابراهيم العودة الى قريته فالحياة مع الفقر خير، من الموت تحت الركام.... حاول الاخرين اقناعه بالعدول عن رايه ...ومواصلة البحث عن الذهب....ولكنه كان قد عزم الامرعلى العودة ... وفى اليوم التالى اتفق ابراهيم و اصدفائه بانه لن يرافقهم الى مناطق التنقيب وسيبقى فى المخيم ويمكنه ان يطبخ لهم وجبة العشاء.... وهو – اى ابراهيم - يجلب له حجارة ليتخذها موقد يضع عليه القدر ( الحلة) ساقته اقدامه الى سفح جبل قريب من المخيم وهو ينتقى الحجارة المناسبة ، وهو يرفع احدى الحجارة ، ليجد تحتها شىء لامع لاصق فى الاطراف دقق فيه ...اعاد الامعان فيه اعاد النظر كرتين اوثلاثة ... فاذا بالحجر قد احتوى على كمية من معدن الذهب ، اختلج بالغبطة والابتهاج والانشراح، مشاعر قد نساها منذ زمن بعيد ..عاد الى نفس موقع الحجروبدأ بحفر المكان وماحوله تتجاذبه اشواق الفوز... ونشوة الانتصار، وتحفزه الامنيات وهو بين مصدق ومكذب كانه فى حلم جميل، مترع بالخير... فى زمن القحط والحرمان الذى طال امده ...يجد المزيد من الحجار الملتصق بها معدن الذهب فجمع ما تمكن منها حامدا الله شاكرا... فضله وكرمه .... عاد اصحابه عشاءا... كعادتهم وهم يجرون اذيال الخيبة والفشل فى العتور ولو على حبيبات من ذهب قليل .. ومعهما اطنان الاجهاد والتعب ... بادروه بالسؤال ، وقد نسى الاكل والعشاء.. فى نشوة مشاعر الفرح الغامر فاجابهم - الذهب!! ..الذهب!!... الذهب!! ( وهو يعرض راقصا) - الزول جن ولا شنو؟؟؟ نقول ليهو العشاء يقول الذهب .. ابراهيم ودر عديل!!! - لا والله لقيت الذهب ( ويقص عليهم كيف رزقه الله هذا الذهب ..وهو يعرض عليهم الحجارة المطهمة بالذهب.. ويدلهم على مكان استخراج الحجار...وياخذ كل واحد نصيبه الوافر من الابتهاج المفرح ) تحولت احزان القنوط الى اهازيج احتفال ، قفزت الاحلام الى حيز الواقع ...واشرأبت النفوس الى التفائل ...وتبدل الاحباط الى استبشار وامل وليد ... فمثل ما امتلاءت القلوب المهمشة بفرحة الانتصاروالظفر... امتلاءت الايادى المنسية بخيرات ارض ...الوطن ....