في ما أرى مصر إلى أين؟ عادل الباز: للأسف المصريون لايقرأون تجربتنا السياسية و الطبقة الحاكمة والمعارضة لاتعرف شيئا عن المخاضات الصعبة التى خاضتها الحركة السياسية فى السودان بكامل أطيافها حتى وصلنا إلى ما وصلنا اليه. المصريون يكررون فى أعقاب ثورة يناير ذات خطايانا السياسية منذ الاستقلال حذو النعل بالنعل وسيدفعون ثمن جهلهم بأقرب التجارب السياسية اليهم. لقد ظلت النخب السياسية فى بلادنا منذ الاستقلال تتصارع على السلطة وحالما اشتدت حمى صراعاتها أطاح بها انقلاب عسكرى وقذف بقادتها الى أقبية السجون سنين عددا.ثم اذا انتفض الشعب بثورة وفك أسره من الديكتاتوريات العسكرية تسلطت عليه ذات النخب وأطاحت بآماله بصراعاتها لتشرب مرة أخرى من ذات الكأس ولكنها لاتتعظ. فى الستينيات اشتد الصراع السياسى حول الدستور الإسلامى بين القوى العلمانية والليبرالية من جانب والقوى الإسلامية من الجانب الآخر واقصى الحزب الشيوعى عن الحياة السياسية وكانت النتيجة ان تمت الاطاحة بكلا القوتين وقتل قادتهما وعذبوا لخمسة عشر عاما مارس فيهم النميرى شتى انواع القتل والتعذيب ولكنهم لم يتعظوا ايضا، عادوا بعد الانتفاضة الثانية فى ابريل 1985 اسوأ مما كانوا وتعرضت البلاد لتهديد مباشر لوجودها فى ظل غيبوبة الاحزاب وصراعاتها حتى أطيح بثورتها وسلطتها للمرة الثالثة.الغباء وحده هو ما يدفعهم لتكرار خطاياهم ليست مرة ولا مرتين بل ثلاث ولاشك عندى انهم بفعل غبائهم المشهود يمكن ان يكرروها الى مالانهاية. اطاحت ثورة مصر بالنظام العسكرى الذي رزحت تحته القوى السياسية ستين عاما ولكن ما ان استبان فجر الديمقراطية حتى بدأت صراعات مقيتة بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية والليبرالية تماما كما جرى فى الستينيات عندنا.موضع الصراع للسخرية هو الدستور والقانون. لهزال القوى الليبرالية وتشتتها لم تستطع مواجهة التيار الإسلامى فى صندوق الانتخابات فاتخذت من القضاء اداة للصراع السياسى مع الإسلاميين فتم حل المجلس التشريعى، واستهدفت قرارات الرئيس مرسي اكثر من مرة، واخيرا توجه القضاء للاطاحة بالجمعية التأسيسة وقرارات الرئيس السيادية ليصبح رئيسا همبولا بلا سلطة ولا قرار. يحتدم الصراع هذه الايام حول الدستور وهو فى جوهره صراع سياسي كما كانت صراعاتنا كلها سياسية بامتياز البست ثوب الدين تارة والقانون تارة اخرى.لن تنتهى تلك الصراعات ولا احد يتوقع فى نظام ديمقراطى حر ان تتوقف، ولكن فرق كبير بين التنافس السياسي الحميد والصراع السياسي الخبيث الذى لايحده سقف لامصلحة بلد ولا ناس ولا أى شئ هدفه الوصول الى السلطة او البقاء على سدتها ولو على محيط من الدماء تماما كما يفعل أسد سوريا الان!!.ما مصلحة اي من التيارات السياسية فى تهديد استقرار مصر؟ او فى انهيار اقتصادها، او فى القذف بها فى اتون حرب اهليه و بلقنتها؟.لا مصلحة لأحد ولكنه عمى البصيرة لاشفاء منه. سيؤدى الاستقطاب وعدم الاستقرار السياسى لان يكفر الشعب بالديمقراطية وحالما تنضج الظروف الموضوعية الاخرى ستتدخل المؤسسة العسكرية لتطيح بهرج المدنيين وعبثهم باقدار البلاد تحت لافتة الحرية والديمقراطية، فالناس تأكل خبزا وليس هتافا. ما معنى ان تخسر البورصة المصرية فى 48 ساعة خمسة عشر مليار جنيه مصرى وتتوقف مصالح الشعب لان النخب المتصارعة تتظاهر فى التحرير وبقرب جامعة القاهرة تتمتع بحرية تعبير كاملة؟.ستلتقي تلك القوى السياسية المتصارعة والمتظاهرة فى سجن طره مرة اخرى كما التقت عندنا النخب السياسية فى سجن كوبر مرات وهى تندب حظها وتعض بنان الندم ولكن هيهات ان يجدي الندم. خير من يحكى تجربتنا او قل خيبتنا السياسية هو السيد الامام الصادق المهدى لانه مشارك فى اغلبها من موقع المسئولية ولحسن الحظ هو شخصيا من انتدب لاقطاب الصراع فى مصر ليحدثهم، لو اصغوا اليه لربما جنبهم مشاق تلك الطرق الوعرة التي افضت بنا الى بلد مقسم يقاتل بعضه بعضا واقتصاد متدهور وحروب تكاد تعصف بما تبقى منه....ياليت الامام يحدثهم بصدق عن مآلات الصراعات العبثية لعلهم يجنبون مصر مخاطر الطرق المجربة التى لاتفضى الا الى صحراء التيه السياسي ومن يشك منهم عليه مد البصر جنوباً!!. الصحافة