[email protected] فى أوائل تسعينات القرن الماضى وبالتحديد ايام سطوة رامبو ابتدعت الخرطوم بدعة سمتها ( البصات السياحية ) كمواصلات داخلية بتعريفة اعلى من البصات العادية. امتطى صديقنا وكان يومها يتأبط خطاب الفصل عن الخدمة للصالح العام احد البصات المتجهة من الخرطوم الى بحرى . عند مطالبة الكمسارى له بالاجرة لم يتردد وادخل يده فى جيبه مخرجا المعلوم.طالبه الكمسارى بمضاعفة المبلغ بحجة ان البص سياحى . حلف ستين( ما عارف سر الستين دى شنو) يمين ان لا يدفع الا المبلغ المتعارف عليه . عندما حمى وطيس المشاجرة تدخل كل الراكاب . ليس لصالحه بل لصالح الكمسارى محاولين اقناع صديقى بان هذا البص فعلا سياحى . احس بالحرج وخشى من ان يكون احد طلابه بالبص وعلى مضض اكمل المبلغ . تفاعل الغضب بداخله مع حادثة فصله عن الخدمة منتجا ثورة على الركاب حيث انه وعند وصوله محطته طلب التوقف وقبل ان ينزل اتجه مخاطبا الركاب ( انشاء الله بلدنا عجبتكم يا السياح) مرت بذهنى هذه الحادثة التى تعدى عمرها العشرين وانا اتابع الاخبار على قناة الشروق . كان الخبر الاول ( التقى الرئيس السودانى عمر البشير ) والخبر الثانى (خاطب نائب الرئيس السودانى افتتاح مهرجان التسوق ) والثالث ( اجاز البرلمان السودانى) والرابع ( عقدت وزارة المالية السودانية ) و ( الخرطوم العاصمة السودانية ) وكله على هذه الشاكلة الا ما اشكل عليهم وسأتى عليه لاحقا . تساءلت عن سر السودانى هذه وانا اعلم كما تعلمون ان القناة سودانية وتنطلق من السودان ورسالتها موجهة للجمهور السودانى والخبر سودانى والمذيع سودانى . حينما كانت الشروق تبث من دبى مع استغرابنا لهذا النهج التحريرى أعتقدنا وكان اعتقادنا اثما انه ربما هى بعيدة شوية وقد تكون هذه اما نوستالجيا او broadcasting chauvinism قياسا على male chauvinism الدالة على عنجهية وتباهى الرجل بجنسه وطالما هى تبث من الخارج لها الحق فى التعالى على من يبثون من الداخل . كانت كل هذه عبارة عن مبررات حاولنا بها اقناع انفسنا بهذا الخط التحريرى حتى قطع احد العارفين بالقناة قول كل مجتهد منا وقال ان قناة الشروق قناة خاصة ومستقلة لذلك تأخذ هذا الموقف يعنى تحافظ على المسافة بينها وبين الحكومة. لكن بهذا هى تخلق مسافة بينها وبين السودان . قادنى فضولى الى متابعة هذا المنهج وهذه السياسة وقررت متابعة الشريط الاخبارى فوجدته منسجما مع الفلسفة ذاتها فى معظم وليس كل الاخبار. كل الاخبار المتعلقة بالرئيس والحكومة والبرلمان والوزراء كانت متبوعة بالسودانى. فجأة ظهر خبر ( اعاد المريخ قيد لاعبه ) و ( قدم الهلال الدعوة لمؤتمر صحفى )....الخ وهذه نماذج ( لما اشكل ) التى ذكرتها سابقا . فلماذا البرلمان يحمل صفة السودانى ويفقدها الهلال والمريخ وسودانيتهما لا تخطئها العين والدليل الخيبات والهزائم. اذا هذا الخط التحريرى مرتبط فقط بكل ما هو سياسى وذلك وحسب العبقرية التى انتجت هذا فانه يدلل على الحيادية والاستقلال . لكنه يا قناة الشروق قد جاء فى المثل ( يكاد المريب ان يقول خذونى ) . لماذا العزف المنفرد المكرر على وتر الاستقلال والحيادية ؟ فى زول سألكم ؟؟؟؟ وبالعودة الى كلمة ( العوراء ) اعتقد ان كل المعانى المراد بها الكلمة تنطبق تماما على هذا النهج الاعور. فالاعور هو من فقد احدى عينيه وهو ايضا الردئ من كل شيئ وهوكذلك من ليس له شبيه او اخ من ابيه وهو ايضا الطريق الذى لا علامات به فيضل كل من يسلكه . فالشروق نظرت بعين واحدة للحيادية والاستقلالية وكانت النظرة رديئة فحرمت المريخ من سودانيته وجادت بها على البرلمان كعطاء من لا يملك لمن لايستحق . اخيرا وانطلاقا من فكرة صديقنا عن السياح السودانين الموجدوين بالسودان نقول للشروق ( انشاء الله السودان عجبكم ) فيا قناة الشروق هذا الوتر الذى تعزفون عليه هو ذات الريشة التى قادت سليمان الحكيم لاكتشاف سارق الارملة. والسؤال المشروع هل العمل ضمن منظومة الحكومة الاعلامية مخجل الى الحد الذى يقود للتنكر؟ واذا كان ذلك مخجلا ومعيبا لماذا القيام به ؟