حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة السورية... وأختها السودانية.. أما آن لهذا الليل أن ينجلي!
نشر في الراكوبة يوم 07 - 01 - 2013


الأزمة السورية... وأختها السودانية..
أما آن لهذا الليل أن ينجلي!
الفاضل عباس محمد علي
[email protected]
اقتربت المأساة السورية من عامها الثاني، وجاوز قتلاها الستين ألفاً، غير المصابين والمهجّرين صوب تركيا ولبنان والأردن...ويتساءل المراقبون عن الدور السلبي الذى تسربلت به الإدارة الأمريكية خاصة، والغرب عامة....وأول ما يتبادر للذهن هو الانتفاضة الليبيية فى عام 2011...وكيف أن أوباما ومجلس الأمن وحلف الناتو خفّوا بقضّهم وقضيضهم لنجدة الثوار الليبيين... ولازموهم بالدعم والتدخل العسكري واللوجستي حتي ذهب نظام القذافي إلي مثواه الأخير فى زمن قياسي...وبتكلفة فى العتاد والأرواح لا يمكن مقارنتها بما يحدث فى سوريا الآن.
كيف نتفهم هذه المفارقة؟ هل يكمن السر فى الذهب الأسود...أي النفط؟ هل هناك عوامل أخرى؟
يقول العارفون ببواطن السياسة الأمريكية، مثل الدكتور فريد زكريا فى عموده بمجلة تايم بالعدد قبل الأخير، إن أوباما متمسك باستراتيجية "كبح الجماح"، و لا يرغب فى زج القوات الأمريكية فى أي quagmire أخرى من نوع فيتنام أو العراق طوال فترتي رئاسته، شأنه شأن الرئيس الجمهوري الأسبق الجنرال دوايت آيزينهاور الذى استنكف عن دعم الفرنسيين عندما حاصرهم الثوار الفيتناميون فى ديان بيان فو إلي أن قضوا عليهم تماماً وطردوهم شر طردة من ذلك الجزء الثوري من العالم سنة 1954،... ووقف متفرجاً علي العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي عل مصر عام 1956 ...بل أدانه وأجبر تلك البلدان (بنفس وتيرة الرفض الذى أبداها الزعيم السوفيتي بولقانين) علي الانسحاب من منطقة قناة السويس...وفق الترتيبات التى أعلنها مجلس الأمن....ورغم أن فترتي إدارة آيزينهاور شهدت صعود الحرب الباردة بين المعسكرين، الشرقي بقيادة حلف وارسو، والغربي بقيادة حلف الناتو، إلا أن الجنرال الذى خبر الحرب وبزّ فيها وانتصر....عندما كان قائداً لقوات الحلفاء إبان الحرب الكونية الثانية... كان أكبر نصير للسلام العالمي، ولتهدئة الأمور مع المعسكر السوفيتي.. وفى كافة البقع الملتهبة التى لم تحسمها الحرب العالمية بعد ست سنوات قاسية من الدمار الشامل....وكان يؤمن بدبلوماسية "كبح الجماح" restraint ، فالولايات المتحدة ليست شرطي العالم، وما كان يريد لها أن تتهالك فى رمال متحركة هنا أو هناك يتعذر عليها بعد ذلك أن تنسلّ منها...مثلما حدث بعده علي يد جون كنيدي وليندون بينز جونسون فى جنوب شرق آسيا.
وبنفس المستوى، يتميز باراك أوباما بالتعقل والبعد عن المغامرات الكاوبووية والحلول العنيفة المباغتة أو التدخل العسكري فى أي ركن من أركان العالم (على طريقة رونالد ريقان)...إلا إذا دعت الضرورة المسبوقة بدراسات الجدوى المصقولة....وهكذا، فلم يستجب أوباما لدعوات نتنياهو المستمرة بضرب المفاعلات النووية الإيرانية...وما فتئ طوال فترته الأولي يصر على مواصلة العقوبات الاقتصادية...مقرونة بجهود لجنة الطاقة الدولية لمعرفة حقيقة ما يدور من تخصيب بتلك المجمعات الإيرانية....وكذلك، أنجز أوباما وعده الانتخابي بالانسحاب من العراق...وركز علي ملاحقة القاعدة وتصفية زعمائها بأقل التكاليف الممكنة...مثل الطائرات بلا طيارين...كما أخذ فى الانسحاب شيئاً فشيئاً من أفغانستان ومن الشرق الأوسط برمته بما يكتنفه من أزمات مزمنة وغير قابلة للحل...وأخذ فى الانفتاح على شرق آسيا ودول المحيط الهادى، بما يحمل ذلك الفضاء من أهمية أمنية واستراتيجية لمستقبل الولايات المتحدة... وبما يزخر به من دول جادة فى نضالها من أجل التقدم الاقتصادي والتحول الاجتماعي...بلا طنين أو ضوضاء آيدلوجية ظل الشرق الأوسط متمنطقاً بها منذ نهاية الحرب العالمية.
رغم ذلك، سارع أوباما بالتدخل فى ليبيا، للأسباب التالية:
1. بدت ليبيا كتفاحة ناضجة حان قطافها...ويمكن ذلك بالتدخل الجوي فقط، دون إراقة أي دم أمريكي...وهي علي كل حال فرصة، كما قال عنترة بن شداد، أن تضرب الضعيف ضربة يطيش لها صواب القوي...خاصة وأن نظام القذافي معزول تماماً وليس له صديق.. لا فى الشرق و لا فى الغرب...وليست ليبيا ساحة لتدخلات أجنية مثل تلك التى تشهدها سوريا.
2. وهنالك، من الناحية التكتيكية، أرض محررة يمكن الإنطلاق منها، وهي بنغازي وإقليمها الشرقي الذى كان سكانه أول من أشعل نيران الثورة، ولما أراد القذافي أن يتحرك نحوهم ليفتك بهم...تدخل حلف الناتو، بحضور الولايات المتحدة وبدعم من مجلس الأمن، وفرض الحظر الجوي ومنع كتائب القذافي من الزحف شرقاً نحو بنغازي، وظل يمطر قوات القذافي بطرابلس الغرب بوابل من القذائف الذكية أكسبت الجولة فى نهاية المطاف للثوار الليبيين...ومن خلفهم حلف الناتو والدول العربية الصديقة المتعاطفة مع الشعب الليبي.
3. رفض أوباما أن تتزعم الولايات المتحدة هذه الحملة، وكان الجيش الأمريكي مجرد ترس فى ماكينة حلف الناتو،... ولو قدر لتلك العملية أن تفشل أو أن تستطيل وتستمر إلي ما شاء الله... لا يستطيع أحد أن يتهم الأمريكان بأنهم ورطوا الغرب فى فيتنام أو عراق أخري. وعموماً، فإن الماكينة الأطلنطية الضخمة وما تستخدمه من زخم overkill وتكنولوجيا لم يعرفها العالم من قبل... كانت كفيلة بأن تقهر كتائب القذافي ال ragtag ... بروحها المعنوية المنهارة واعتمادها المنفّر على المرتزقة الأفارقة...وكفيلة بتحقيق النصر حسبما تقول أبجديات الحكمة العسكرية...وهذا ما حدث بالفعل.
وانطلاقاً من هذا المفهوم، ظلت الإدارة الأمريكية متحفظة تماماً فيما يختص بالمشهد السوري... فهو محفوف بمخاطر لا يعلم مداها إلا الحق عز وجل... ولكن الدمار الذى لحق بهذا البلد المستغيث وحجم الكارثة الإنسانية غير المسبوق... لا بد أن يحرك الضمير الأمريكي...خاصة إذا أرادت الولايات المتحدة أن تتزعم العالم الآحادي الذى تناهي إليها بعد سقوط المعسكر الإشتراكي...وإذا لم ترغب فى ترك هذا الفراغ لروسيا والصين للإنفراد به ومحاولة سده...إذا ما قدر لهما أن تنشئا حلفاً استراتيجياً يتخطي التناقضات الماثلة بينهما...وخاصة أن هناك العديد من الدوائر والساسة الأمريكان (مثل المرشح الرئاسي الجمهوري الأسبق جون ماكين) الذين أبدوا اهتماماً شديداً بالمسألة السورية...أضف إلي ذلك أن الإدارة الأمريكية، ومن خلفها إسرائيل، تنظر لما بعد الأسد من تطورات سياسية...ولا تريد أن تخرج من ذلك المولد بلا حمص... لكل ذلك، وحسب نصيحة الفرنسيين الذين يدّعون معرفة الشأن السوري معرفة جيدة بحكم الفرانكفونية وبحكم الوجود الاستعماري السابق بالمنطقة، فإن الإدارة الأمريكية تخطط لثمة تحرك قد يؤدي لحل جاد للمشكلة:
- يذكر الجميع أن الدبلوماسية الأمريكية ما برحت تلهث وراء روسيا لكسبها لصالح موقف أكثر صرامة نحو إيران...وربما يتطور الأمر مع حلول هذا العام لضربة استباقية تستهدف المفاعل النووية الإيرانية.. إذا استمرت إسرائيل فى إصرارها علي ذلك، خاصة بعد اكتساح نتنياهو الوشيك للانتخابات النيابية الإسرائيلية المزمعة...واسرائيل طبعاً من خلفها اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة...بيد أن إدارة أوباما وجدت نفسها تخطب ود روسيا لمسألة أخري...وهي الأزمة السورية...(فدخلت فيلمين فى بروجرام واحد)...وهنا أخذت روسيا تتمنّع وتأتي بالشروط التى تضمن لها ثمة نفوذ فى طرف من أطراف الشرق الأوسط...على طريقة التوازنات التى كانت سائدة إبان الحرب الباردة...وكان ردها:.....إذا أرادت الولايات المتحدة تأييداً كاملاً وامتناعاً عن استخدام حق النقض فى مجلس الأمن عندما تطرح المسألة الإيرانية...عليها أن تكون مرنة فى الجانب السوري...وعليها أن تنصاع للمقترحات الروسية/الصينية فى هذا الصدد.... (التى ستكون متوافقة مع وجهة النظر الإيرانية إلي حدود كبيرة...وياللمفارقة العجيبة!).
وهكذا، فإن السيناريو المتوقع هو من هذا القبيل:
- نظام الأسد يلفظ أنفاسه الأخيرة... ما فى ذلك شك...، ولكن جميع الأطراف المعنية لا تريد تكرار الحروب الطائفية التى ظل يستنشقها العراق منذ عام 2003، ولا تريد للسيناريو المصري أن يتكرر باستغلال جماعات الإسلام السياسي للظروف اللاحقة لذهاب الأسد وركوب العملية الانتخابية الديمقراطية غير الناضجة للقفز لمقاليد الحكم، لتختل موازين القوى فى الشرق الأوسط برمته بصورة دراماتيكية. لذلك، فإن الروس يشترطون عدم المساس بالجيش السوري، برغم تركيبته العلوية الظاهرة، بل إن الروس يطالبون بالإبقاء على العلويين فى كافة مفاصل الدولة، بعد التخلص من عائلة حافظ الأسد المباشرة وأبنائه فقط، ضماناً للتوازن الإثني والسياسي بسوريا ما بعد الأسد.
- فى سبيل ذلك، يمكن الإتفاق على منطقة حظر جوي كبداية للتدخل العسكري الدولي الذى سيخوضه حلف الناتو ولكن، هذه المرة، مطعماً ببعض الفصائل الروسية، تأكيداً لروح التعاون الأممية الموعودة التى تعني أن الجميع سواسية فى حلب الغنائم، عندما يجئ زمانها،... ولن تكون الغنائم حكراً على الغرب وحده.
- هذه الترتيبات فقط هي التي ستوافق عليها إيران، طالما ستحظي بمباركة روسيا والصين، وبالطبع سيوافق عليها الشيخ حسن نصرالله وحزبه، والعناصر المتعاطفة مع النظام السوري بلبنان،.... وتركيا لن تتذمر..حيث أنها كانت أصلاً تبحث عن حل يزاوج بين مخاوف الأقلية العلوية التركية المعتبرة ...والحشود السنية التى تدافعت نحو الحدود التركية منذ اندلاع الأزمة قبل نيف وعام.
تلك هي الصورة العامة للمشهد السوري، ولن يغير منها خطاب بشار الأسد البارحة الذى رفض فيه الاعتراف بالمعارضة، وعرّف الثورة بمفهومه الخاص، واصفاً ما يحدث فى سوريا بأنه فوضى تؤججها عناصر مدفوعة من الخارج....مبرراً الاستمرار فى البطش بالشعب السوري وتدمير دوره وممتلكاته...وما يعكسه خطاب الأسد أنه غائب عن الواقع تماماً...مثله مثل القذافي الذى استمر فى وصف الثوار بأنهم جرذان وشذاذ آفاق...حتى وجد نفسه كالجرذ داخل انبوبة تحت الأرض...وحتى تمت تصفيته كطريدة تناوشتها كلاب الصيد....وهؤلاء الأباطرة الأبالسة يخدعون أنفسهم بشراذم الأرزقية الملتفين حولهم حتى آخر نفس...ويحسبون أن الشعب معهم...ودائماً يتهاوون كأنهم أعجاز نخل خاوية...وينفض السامر ...و لا يجدون من هتيفة الأمس من يمشى فى جنائزهم.....ونفس المشهد يتكرر فى جميع الدكتاتوريات العسكرية لتى لم يتناه إليها الربيع العربي حتى الآن.
وعلى سبيل المثال...السودان....الذى يرزح تحت حكم دكتاتوري كالح، متسربل برداء الإسلام زوراً وبهتانا، من أجل دغدغة مشاعر العامة المستمسكة بدينها...وفى حقيقة الأمر يحكم هذا النظام بلاد السودان منذ ثلاث وعشرين سنة بنفس عقلية البعث العلوي الحاكم فى سوريا...تلك العقلية الإقصائية والأنانية والظالمة، التى جعلت أمر الدولة حكراً للتنظيم الأوحد...للحزب الحاكم...وحلفائه المقربين...مع التغييب الكامل لباقي الشعب من خلال القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات...ومن خلال إجراءات الطوارئ المستمرة منذ ربع قرن...ومن خلال الفساد المالي والإداري الذى يفتح أبواب الثراء لكوادر الحزب ورهطهم وذويهم...ويفتح أبواب جهنم ويديم الفقر والمسغبة والمرض والعوز لباقي الناس...حتى أصبح السودان بلد المهراجات متعددى الزوجات والبنايات التاج محلية، من جانب، وشعب المنبوذين من الجانب الآخر....وكما هو الحال فى سوريا، فإن الرئيس، رغم المشكلة الصحية العويصة التى اعترت حباله الصوتية، لا يفوت فرصة لا يخطب فيها أمام جموع الهتيفة الذين يحشرون أمامه فى أي قاعة...وبأي مناسبة...فقط من أجل العلاقات العامة...وإيهام القريب والبعيد بأن شعبية النظام غير مهزوزة. وبمقارنة بسيطة نجد أن ملكة بريطانيا التى اعتلت عرشها منذ ستين عاماً.... لم تخاطب شعبها طوال هذا المدة أكثر مما فعل الرئيس السوداني فى عام واحد.
والمجازر التى يرتكبها نظام الأسد فى سوريا ليست مختلفة عما ظل النظام السوداني يفعل منذ عقدين....فقط مع اختلاف ألوان البشرة....فعندما كان الإخوان المسلمون يفتكون بالجنوبيين منذ مجيئهم للسلطة عام 1989 حتى اتفاقية نيفاشا عام 2005، لم يحرك أحد ساكناً، خاصة الجامعة العربية، وفى تلك الأثناء ذبح الإسلاميون الشماليون أكثر من مليون قروي جنوبي...وتسببوا فى هجرة ثلاثة ملايين منهم لدول الجوار...كينيا ويوغندا وإثيوبيا...وبيع المئات من نسائهم وأطفالهم فى سوق النخاسة...كأنهم أسري حروب القرون الوسطي. ..... وقبل أن تضع تلك الحرب أوزارها نشبت أخري بدارفور منذ 2003...وراح ضحيتها فى بضع سنين أكثر من أربعمائة ألف نسمة...وهاجر مئات الآلاف لدول الجوار...تشاد وإفريقيا الوسطي...وظلوا بها إلي يومنا هذا....وما كاد الجنوب ينفصل قبل نيف وعام حتى اندلعت حروب أخرى فى جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان...راح ضحيتها عشرات الآلاف...وما زال القصف مدوياً حتى هذه اللحظة، ومازالت القذائف المصنوعة فى "اليرموك" تنهال علي القرويين بجبال النوبة...وما زال مئات الآلاف بلا مأوى...ومن هاجر منهم باتجاه الجنوب وجد أنه كالمستجير من الرمضاء بالنار...وما زالت حكومة الخرطوم تمنع الإغاثة الإنسانية عن هذه الشعوب المستهدفة بجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
وبقدرما توحد بين النظامين السوري والسوداني مقاصد الشر المعجونة طينتهم به...بقدرما توحدهم المصائر التى تتحكم فيها التوازنات والدول الكبري....فمهما "يبطبط" بشار الأسد ويتحوقل ويتفلسف...فإن مصيره ستحدده ثمة صفقة عما قريب ستتم بين الإدارة الأمريكية والحكومة الروسية...تضع فى حسبانها المسألة الإيرانية...وأمن إسرائيل...ومستقبل المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط.
أما بالنسبة للنظام السوداني، فإنه لا زال علي قيد الحياة...ليس لأنه مبعوث العناية الإلهية الجديد بأرض السودان...ولكن لأنه بفضل صدفة تاريخية نادرة أصبح أداة فى يد الإمبريالية الغربية لتنفيذ شيء واحد...وهو انفصال جنوب السودان...وقيام دولة هناك إفريقية مسيحية ناطقة بالإنجليزية وصديقة لإسرائيل. وهذا ما تلتقى حوله الرؤية الجمهورية والديمقراطية بالولايات المتحدة...وهكذا، فإن الإدارة الأمريكية سعيدة بما تم فى السودان بهذا الخصوص...و لا يهمها كثيراً ما يجري حالياً فى مناطق العدائيات الأخري بالسودان....
ولكن، إذا نشط الشعب السوداني فى فضح النظام وفى الدفاع عن حقوقه وفى إعلاء شأن ما يتم من فظائع بمناطق الحرب الأهلية...فإن دوائر أخرى بأمريكا...مثل تلك التى تهتم حالياً بالمشكلة السورية...ستنشط فى التضامن مع أهل السودان...كما فعلت من قبل مع سكان جنوب إفريقيا السود، عندما انقلبت على حكم الأبارثايد الجائر رغم المصالح الإقتصادية التى كانت تربط الرأسمالية الغربية بذلك النظام....وبالفعل، نشط أهل السودان فى الآونة الأخيرة بهذا الإتجاه الإيجابي، وخير مثال ما تم بالأسبوع الماضى من اتفاق بين جميع فصائل المعارضة، المدنية والحاملة للسلاح، وهو "ميثاق الفجر الجديد" الذى تم توقيعه فى كمبالا بيوغندا، والذى وضع كافة الترتيبات لكيفية إسقاط النظام، وكيفية إدارة البلاد فى الفترة الإنتقالية ذات الأربع سنوات التى ستليه.
عموماً، طال الزمن أم قصر، سيذهب نظام الأسد...ونظام البشير...إلى مزبلة التاريخ...فليس هذا زمان الطغيان ...ولقد ولى عهد الفراعين.
والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.