مع الأحداث بابكر عيسى [email protected] 2013 الشرنقة المميتة كنا مجموعة من الأصدقاء، نجلس في أحد المقاهي، نتناول قضايا الشأن العام عربيًا، والتحديات التي تواجه أقطار الأمة العربية كل دولة على حدة، وكنا من جنسيات مختلفة، والقاسم المشترك الوحيد بيننا هي تلك الصورة السوداوية التي ننظر بها للأشياء، وعبّر أكثر من واحد منا عن تشاؤمه من عام 2013، حيث اعتبره أكثر من صديق بأنه عام ثورة الجياع في أكثر من بلد عربي، قياسًا بالمؤشرات الراهنة التي قسّمت المجتمعات إلى طبقتين: أثرياء وفقراء ولا شيء في الوسط، حيث تحدث البعض علانية عن انقراض الطبقة الوسطى، التي تشكل صمام الأمان وتحفظ التوازن في المجتمعات، وتلاشت هذه الطبقة بين التشريد الممنهج من قبل السلطات الحاكمة أو الهجرة عبر البحار بحثًا عن أمل مفقود في الأوطان، أو اللجوء بحثًا عن الأمن والاستقرار في بلاد قريبة أو بعيدة عن سواحل أوطاننا الطاردة. الجلسة التي كان يحتد فيها النقاش أحيانًا أجمعت على أن الفساد هو أسّ البلاء في بلادنا وأن السرقة والرشوة والمحاباة ونهب المال العام وغياب الانضباط والمساءلة وتورط الدولة ورموز النظام في هذه الدائرة الجهنمية هي التي تقود إلى تقويض كل أركان البناء، حيث تغيب المسؤولية والمساءلة، وتتسع دوائر الإفساد والفساد، ويصبح كل موظف في انتظار رشوة أو مقابل لأداء واجبه الذي يتقاضى أجرًا مقابله، واتساع هذه الدائرة يقود إلى خراب الذمم والتهتك الأخلاقي والسقوط القيمي وتلاشي الضمير الجماعي الذي يشكل حاضنًا للقيم الأخلاقية، ويكثر اللقطاء ويتفشى تعاطي المخدرات بين الفئات الشابة تنفيذًا لمخططات كريهة تدمر وتشوه أي أمل أو تطلع. حاول أكبرنا سنًا ومعرفةً أن يخرجنا من تلك الدائرة المظلمة التي ظللنا نلوك فيها مآسينا حتى شعرنا بالإعياء، وقال: إن البكاء على اللبن المسكوب لا يجدي، ولابد من وسائل للخروج من هذه الشرنقة المميتة، وأن نضطلع كشيّاب بدورنا في فضح كل تلك الممارسات المذمومة، وأن نتصدى للفساد وأن نكشفه ونعريه، حتى يعرف الجميع من هم الذين تلوثت أيديهم بقوت الفقراء وبالمال العام الذي هو للتنمية وليس للحسابات السرية أو الصناديق السوداء، وأن ندعو السلطات إلى إجراء إصلاحات جوهرية توسع من دائرة المسؤولية وتشرك الشباب وقطاعات المجتمع في تنقية الواقع الملوث وتطهيره، وتضع ضوابط صارمة في صون المال العام، ووضع إستراتيجيات عاجلة لإخراج الناس من دائرة الفقر والحاجة والسؤال من خلال توفير الأساسيات. أجمعنا أن الأنظمة الحاكمة في دولنا ليست مؤهلة للاضطلاع بهذه المسؤوليات، وأن السلطة قد أفسدت هذه الأنظمة بصورة لا أمل في إصلاحها أو شفائها من داء السلطة، كما أن اقتلاع هذه السلطة دون أن يتوفر البديل الذي تطمئن إليه النفوس يمكن أن يقودنا إلى متاهة جديدة، وقد عبر البعض عن قبولهم بالمتاهة عن استمرار هذه الأنظمة العاجزة عن تقديم أي حلول أو أية رؤى تخرج البلاد من مأزقها، واعتبروا أن المتاهة يمكن أن تكون مرحلة مخاض قد تطول وقد تقصر ولكنها في كل الأحوال أفضل من بقاء الحال على ما هو عليه. نحن ما زلنا في مطلع عام 2013، هل سيكون هذا العام شرنقة مميتة لطموحاتنا؟ أم أن الخلاص سيأتي على أيدي شباب هذه الأمة الذين أعياهم الانتظار.