[email protected] قال نائب رئيس الجمهورية د. الحاج آدم في احتفال تدشين السكن الفئوي: ( إذا توحّدنا ما كان ضيعنا وقتنا في المجابدة والمنازعة ) واضاف د.آدم: بأن الحكومة لم تعترض على أي جهة للإبداء برأيها، شريطة أن تكون المقاصد سليمة. ولا يفوتنا هنا إلا أن نقول: إن الحكومة برفضها وثيقة الفجر الجديد التي وقَّعت عليها قوى وحركات الجبهة الثورية السودانية المسلحة وأحزاب قوى الإجماع الوطني، تكون قد ضيعت فرصة ثمينة لحل الأزمة السودانية عبر جولات وموائد المفاوضات والحوار الوطني السلمي، وتكون الحكومة بهذا الرفض قد اعترضت على الجانب المشرق من الوثيقة وهو وحدة الحركات المسلحة والقوى السياسية تحت قيادة واحدة تمثل جميع أهل السودان إلا الشريحة الحاكمة والمستفيدين منها، وبهذا التعنت والمكابرة من حزب واحد حاكم بقوة المليشيات المسلحة وبيوت الأشباح، تكون الأزمة السودانية التي تزداد تفاغماَ وتعقيداَ في طريقها للدخول في حلبة المصارعة الثانية المجهولة النتائج والعواقب، بعد إنتهاء الجولة الأولى من الصراع على السلطة بانفصال الجنوب، وتحرير مساحات واسعة من قبضة الحكومة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. والحقيقة التي لا مراء فيها: إن بنود وثيقة الفجر الجديد ليست قرآناَ سماوياَ منزلاَ غير قابلة للتعديل والاضافة والحذف، ولا هي حتى مثل اتفاقية نيفاشا التي صاغتها قوى وأطراف خارجية غربية وأفريقية ممنوعاَ عنها حتى تغيير الشولة والفاصلة أو تصحيح كلمة خاطئة، كما أوصت الحكومة بذلك جهاراَ نهاراَ وعبر وسائل الاعلام المحلية والعالمية مجلس الشعب في الخرطوم، كأنها قرآن وضعي مرسلاَ، وإنما هي أي وثيقة الفجر الجديد بنود وخطوط عامة اتفق واختلف والتف حولها موقعيها من الحركات المسلحة والاحزاب السياسية المعارضة لسياسات الحكومة من دون الإعتراض على بنودها مع التحفظ على بعض الفقرات التي يمكن حسمها خلال التفاوض لإحساسهم الوطني والديني بجسامة الأخطار المحدقة بما تبقى من السودان، وسعيهم الذي نحسبه صادقاَ لإخراج البلاد من الأزمات المستفحلة التي تعاني منها، والتى من الممكن أن تتحول إلى نفس سيناريو الجنوب التراجيدي الذي انتهى باقتطاع ثلث مساحة السودان الغنية بالنفط والثروات الطبيعية والحيوانية، إذا ما استمرت حكومة المؤتمر الوطني الحاكم في نفس سياسات القتل والتجويع والتشريد والاحتجاز والتعذيب الممنهجة، التي تزرع الكراهية والحقد والضغينة بين أبناء الوطن الواحد. وهنا قضية في غاية الأهمية قد يكون المفيد التوقف عندها وإبرازها للجانب الحكومي، وهي أن إنهاك القوات المسلحة المستمر في حروب داخلية عبثية مجنونة لم تتوقف منذ استقلال السودان، يقتل فيها الإنسان أخيه وأمه وأبيه وفصيلته التي تئويه، يضعفها ويشوه صورتها الناصعة والمشرقة لدى جميع أهل السودان، كما أن التدهور الاقتصادي غير المسبوق بعد فقدان الثروة النفطية رشح منه ضائقة معيشية حتى الأثرياء لم يسلموا منها، يضعف من روح الانتماء للوطن وقد يمتد للعقيدة نفسها ( لأن الجوع كافر )، وقد يقود في نهاية المطاف إلى اشعال نيران حروب الجوع والنهب المسلح وصراع المسارات القبلي في أكثر من مكان واتجاه، وجميعها ستكون اكبر مهدداً لما تبقى من السودان، وهذا يتطلب من الحزب الحاكم العودة لصوت الحق وجادة الطريق لتفادي سيناريوهات أشد خطراً على البلاد والعباد مما كان قبل انفصال الجنوب، بدأت إشاراتها في دارفور التي لم تنطفي نيرانها، وفي المناطق المهمشة في جنوب كردفان والنيل الأزرق وامتدت وفق البيانات العسكرية لتشمل شمال كردفان، دون أن ننسى آبيي التي أصبحت محمية دوليةً لها أراض ممتدة شمالاَ وفق التحكيم الدولي لم يتم ترسيم حدودها، قد تقود لتمزيق ما تبقى من السودان وتقطيعه إلي أشلاء دويلات، وهذه المعطيات هي التي دفعت الحركات المسلحة والقوي السياسية والشبابية المعارضة للتوقيع على وثيقة الفجر الجديد. من هنا تأتي أهمية وثيقة الفجر الجديد التي وحدت فصائل وحركات مسلحة فشلت الحكومة والمجتمع الدولي لعشرات السنين في لم شملها، وجمعت أحزاباَ ليبرالية وإسلامية وقوى شبابية ومنظمات مجتمع مدني إستشعرت حجم الخطر المتصاعد جراء سياسات المؤتمر الوطني الخاطئة. من هذه الزاوية يجب أن ننظر للوثيقة من دون تشريح نوايا موقيعيها للبحث عن مقاصدهم إن كانت سليمة أو لم تكن سليمة، لأن ما في القلوب من نيات لا يعلم بها إلا الله، ولا تظهر بين إحاديث البشر ووثائقهم إلا ساعة التفاوض الحقيقي من أجل إنقاذ الوطن يا دكتور. ويبقى أن نقول: إن أمام حكومة وحزب المؤتمر الوطني فرصة تاريخية لمصالحة وطنية تحافظ على ما تبقى من الأرض، وأمامها فرصة حقيقية لتحفظ إنسان السودان الذي أرهقته الحروب من سفك دمه والموت جوعاَ ومرضاَ أو تحت التعذيب، وتعيد طعم الأمن والاستقرار والإحساس الحقيقي بالسلام للمشردين والنازحين واللاجئيين في بقاع الأرض الملتهبة، حتى يعم الإطمئنان والأمان المفقود لما يقارب ثلاثة عقود من أستيلاء قلة من تيار الإسلام السياسي على السلطة، وأمامها فرصة ذهبية لم يحلم بها أشد الناس عداوةَ للسودان لإنهاء حالة الصراع والمصارعة بين أبناء الوطن الواحد، لكي تحفظ بها أرواحهم الطاهرة وسيرتهم الطيبة وتعيد من خلالها اللحمة والتضامن والمحبة التي عرف بها أهل السودان، وأمامها فرصة أتتها من السماء قد لا تتكرر لأن الفرص تأتي مرة واحدة لتحقيق ما قاله حاج آدم:( إذا توحّدنا ما كان ضيعنا وقتنا في المجابدة والمنازعة)، ووثيقة الفجر الجديد يا حاج آدم وحدت الحركات المسلحة والأحزاب الليبرالية والإسلامية والقوى الشبابية ومنظمات المجتمع المدني وشعب السودان إلا قلة من المتأسلمين والمستفدين، ووثيقة الفجر الجديد هدية من السماء لحفظ أرض ما تبقى من السودان وبها تؤمن دماؤكم ودماء الشعب، وهي حلم لن يتكرر ولن يعود إذا ذهب، فلا تضيعوها يا من تحكمون بالحديد والنار فتضيع الأرض وأنتم معها، وتذكروا أن التهديد والوعيد والحسم والحساب للموقعين والمؤيدين لوثيقة الفجر الجديد، كما ظل السيد الرئيس يهدد به منذ فجر الإنقاذ، لم يوقف فصل الجنوب ولا إعاد الأراضي المحررة ولم يسكت صوت الرصاص. الكاتب الصحفي محمد النعيم أبوزيد