عبدالله رزق [email protected] تكاد دار المسيرية ،ان تكون امتدادا لمسرح عمليات العديد من النزاعات السودانية المجاورة،. قبل ان يتعين عليها ان تصبح فاعلا اساسيا فى خارطة النزاعات، بدلالة دوافعها الخاصة، وفى تفاعل غير منقطع مع الخبرات والتجارب الاخرى. تتموقع دار المسيرية،بدلالة خارطة النزاعات السودانية ، بين تخوم جبال النوبة، فى الشمال ، حيث تنشط الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، فى محاربة الحكومة،من جهة ،وبين دارفور،فى الجنوب الغربى،حيث تعمل الحركات المسلحة على خلخلة سيطرة الدولة وهيمنتها،لخلق " مناطق محررة"، خاضعة لسيطرتها، بينما تحدها من الجنوب ، ابيى ، عصب النزاع الراهن بين دولتى السودان، والذى يشكل المسيرية طرفا رئيسيا فى التنازع بشأن تبعيتها، واحد خطوط المواجهة المحتملة بين الدولتين. هذا التلاقى عند خطوط المنازعات المسلحة، يجعل من دار المسيرية ،اكثر المناطق اضطرابا فى السودان. .وقد نتج عن ذلك الوضع الاشكالى المتفرد للمنطقة، انسحاب اوغياب ملحوظ للدولة وسلطتها، جزئيا اوكليا، وبالنتيجة تنامى نفوذ حاملى السلاح، غض النظر عن هوياتهم، لملء الفراغ الناجم عن . لقد قدر لابناء المسيرية ان يدفعوا جزء من تكلفة حرب الجنوب، مثلما تعين عليهم ان يسددوا ما يليهم من فاتورة السلام ، قبل ان يتلمسوا طريقهم نحو ماينوبهم من استحقاقات، الحرب والسلام معا. لقد تأثرت المنطقة طويلا بالنزاعات والحروب المتطاولة، بين الشمال والجنوب، مما اسهم فى تضاؤل حصتها من التنمية.غير ان انتشار السلاح الحديث، يأتى فى مقدمة تلك التأثيرات.واذ توزع ابناء المسيرية بين طرفى الحرب،فى الدفاع الشعبى او الجيش الشعبى لتحرير السودان، فانهم قد اكتسبوا خبرات ومهارات قتالية.ستجد طريقها الى ساحة النزاعات الداخلية ،القبلية او السياسية. كما تأثرت المنطقة لاحقا بالوضع المضطرب فى دارفور، حيث تحولت الى امتدادا لمسرح عمليات بعض الفصائل الدارفورية ، خاصة حركة العدل والمساواة، التى سعت الى اضفاء طابع فوق دارفورى لقضيتها، بتوسيع ميدان نشاطها العسكرى، ونقله الى مستوى قومى.ولذلك فقد شهدت المنطقة عددا من الاحداث ،ذات الصلة، ابرزها هجوم على معسكر لعاملين صينيين، ادى لمقتل عدد منهم، بجانب خطف بعض العاملين الاجانب. وفى مرحلة من الاستقطاب السياسى والصراع الداخلى شهدت المنطقة ، بروز منظمة تحت اسم شهامة ،التى تزعمها بعض الاسلاميين المختلفين مع النظام، فى محاولة لتكرار تجربة العدل والمساواة الدارفورية، التى افرزها الصراع بين الاسلاميين،عام 1999 ،الذى انتهى بخروج الدكتور حسن الترابى ومشايعيه من معادلة السلطة. وفى الفترة اللاحقة لنيفاشا تنامت حركة مطلبية، تتمحور حول حق المنطقة فى قسمة الثروة البترولية.فمنذ دخول السودان الحقبة البترولية،ظلت تتعايش فى المنطقة نمطين من النشاط الاقتصادى، صناعة النفط ، المرتبطة باحدث معطيات التقدم التكنولوجى، وحرفة الرعى التقليدية. وقد عبرت هذه الحركة المطلبية عن نفسها فى احتجاجات مدنية متواصلة ، كان اخرها الاعتصام الذى نفذه اهل بابنوسة، لمايزيد عن الثلاثة اسابيع، مطالبين بتوفير فرص العمل للشباب، بجانب خدمات الكهرباء والصحة والطرق وغيرها.وقد كانت المطالبة بعودة ولاية غرب كردفان،التى تمت تصفيتها عقب اقرار ا تفاقية نيفاشا جزء من ذلك الحراك.لكن ابيى كانت فى قلب تلك المطالب وفى مقدمتها. فمع ان ابيى شمالية ،بموجب خط ترسيم الحدود لعام 1956 الذى اعتمده بروتوكول مشاكوس، الا ان اطراف نيفاشا، جعلت من ابيى موضوعا لتفاوض لاحق، لاجل اعادة تحديد تبعيتها لاى من شطرى البلاد. يقدم الاقتتال الذى وقع الاسبوع الماضى، بين عشيريتن من عشائر المسيرية ، هو الثانى من نوعه خلال ثلاثة اشهر ، مؤشرا على تزايد ضعف سلطة الدولة، وعلى دخول المنطقة مرحلة الصوملة. فالهجوم على مدينة الفولة ،وسط دار المسيرية، باستخدام اسلحة ثقيلة، وعربات الدفع الرباعى والدراجات النارية، يعكس مستوى متقدما ،مما ظل يصطلح عليه بالتفلت الامنى. وقد تزامنت اشتباكات الفولة ، مع اشتباكات مماثلة فى شمال دارفور، بين قبيلتين عربيتين، استخدمت فيها نفس الاسلحة المتقدمة،والتى تؤدى الى احداث خسائر ووقوع ضحايا بمعدلات اكبر ، مما كانت تشهده منازاعات مماثلة فى الماضى ،كانت تستخدم فيها اسلحة بيضاء او اسلحة نارية اقل فتكا.وحسب ماورد فى التقارير الصحفية عن الاحداث فى المنطقيتن ،فان اسلحة من نوع ( جيم 3) او حتى الكاشنكوف، قد اخلت مكانها للدوشكا وآربى جى،وحلت عربات الدفع الرباعى والدراجات النارية،محل الخيل. . ويفصح هذا التطور عن تنامى ظاهرة الفوضى الصومالية واتساع نطاقها فى البلاد، على حساب سلطة الدولة وهيمنتها،ودورها فى حفظ الامن وتسوية النزاعات الاهلية. وفيما يعزى النزاع القبلى فى شمال دارفور حول الذهب وملكية الارض التى تنتجه، فان النزاع فى دار المسيرية ، يتمحور ايضا حول ملكية الارض ، التى اصبحت حقلا منتجا للبترول، واحقية اى من طرفى التنازع فى الحصول على التعويض