وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تم حل مجلس قيادة الثورة والجهاز المركزى للرقابة العامة
نشر في الراكوبة يوم 27 - 01 - 2013


النعمان حسن الحلقة (8)
الجهاز المركزى للرقابة العامة واحد من المؤسسات الهامة التى استحدثها نظام مايو نقلا على تجربة جمهورية مصر الرائدة وقد ساهم فى وضع أساسها خبير مصرى انتدب من الجهاز المركزى للرقابة العامة المصرى الاستاذ مصطفى العزونى والذى كان من كبار مستشارى الرئيس جمال عبدالناصر وكانت تجربة فريدة رائدة إلا انها أدت بسبب رأى ابدته حول قرار حل مجلس قيادة الثورة حيث تقدمت بمقترح لحل الازمة التى تفجرت بين النميرى وبابكر عوض الله من جهة وأعضاء مجلس الثورة من جهة ثانية وكان هذا الرأي هو السبب فى الغاء جهاز الرقابة بعكس ما ادعاه النميرى صاحب القرار بأنها حلت بسبب الفساد والذى سعى النميرى وروج له لتغطية السبب الحقيقى لحل الجهاز وهذا ما سأكشف عنه لأول مرة فى هذه الحلقة.
ليس هذا دفاعا عن التكوين الشخصى للجهاز او تبرئة من طالهم الاتهام فالفساد جريمة يعاقب عليها القانون متى ثبتت فكل من تثبت عليه يطاله العقاب لهذا فان ما اورده حول الجهاز ليس معنيا به الاشخاص وإنما الجهاز حتى لو استدعى الامر تعيين بدلاء له حتى لو كان الرقيب العام نفسه فالتكوين الشخصى ان كان فاسدا كما ادعى عليه يحاسب ويقتص منه وفق القانون ويستبدل بكوادر غير فاسدة ولكن ان تجهض فكرة رائدة كهذه فيها مصلحة عامة وضرورية فهذا سلوك غير مبرر لان الاشخاص ذاهبون وتبقى الفكرة طالما فيها مصلحة عامة ولكن الحقيقة التى حاول النميرى اخفائها ان دافع القرار التخلص من الجهاز كان بسب رفضه انفراد شخص واحد بالحكم لتسود دكتاتورية الفرد ولم يكن الموقف يستهدف نميرى فى شخصه ولكن المبدأ نفسه وهذا ما سيتضح فى هذه الحلقة.
هذا هو الموضوع الذى ارمى اليه فليذهب الكادر الشخصى ويستبدل ولكن هل يلغى الجهاز نفسه لو لم يكن هناك امر اخر وإذا كان النميرى بعد ان اصبح رئيسا للدولة منفردا بلا رقيب عليه اراد ان ينصب نفسه حربا على الفساد فهل كان جهاز الرقابة وحده المتهم بالفساد ام ان الاتهام طال العديد من الجهات خاصة وبعضها بصورة أكثر عنفاً ومع هذا فان النميرى أمضى 14 عاماً فى الحكم بعد حل الجهاز ولم يحل أي جهاز او مؤسسة طالها الاتهام فهل قضى كل الفترة دون أن تلاحق التهمة أي من أجهزته والتى لم يخضعها حتى للتحقيق .
اقول هذا مع ان الجهاز المركزى للرقابة ربما يكون أول مؤسسة تخضع لتقصى الحقائق حول ما وجه لها من اتهامات على مرحلتين حيث ان النميرى بعد أن أصبح رئيساً اوحداً للسودان كون لجنة لتقصى الحقائق فى الجهاز وهو فى قمة الحقد عليه للسبب الذى سأكشفه ولم تجد اللجنة ما يشبع رغبته ويبرر توجيه اى تهمة لأي من العاملين فيه ثم كان تكوين اللجنة الثانية بعد الانتفاضة ولم يختلف الحال حيث لم توجه اللجنة أي اتهام لأي من كوادر الجهاز لتتأكد براءة الجهاز قبل وبعد الانتفاضة
ولهذا فإذا كنت أتناول هذا التجربة فأنني لا أنطلق من دافع أو دفاعاًعن شخص وإنما عن قرار حل بموجبه جهازا كان يشكل اضافة هامة للدولة كمؤسسة لبسط العدل والرقابة على أداء أجهزة الدولة انطلاقاً من مسئولية الدولة تجاه الشعب وصيانة حقوقه فالجهاز كما أكدت التجربة وتمت صياغة أهدافه انما يسد ثغرة كبيرة فى عجز القضاء فى ان يبسط العدل لان القضاء مختص بتطبيق القانون وتطبيق القانون لا يعنى انه يتوافق مع العدل فى كل الحالات فكم من مظاليم يقف القضاء عاجزاً عن رفع الظلم عنهم لأسباب اجرائية تلعب فيها المحاماة دوراً كبيراً فعلى سبيل المثال هناك فترة محددة للتقاضى اذا اغفل المظلوم عن المطالبة بحقه فيها لما نظرت مطالبته برفع الظلم عنه ولسقط حقه امام القضاء ولكن أمام الجهاز لا يسقط الحق بتقادم الزمن بجانب الكثير من الاجراءات التى تحول دون رفع الظلم حتى لو اصبح بائنا لهذا كون الجهاز ليسد هذه الثغرة كمسئولية سياسية وليست قانونية لأنه لا يتقيد بأي اجراءات ولا يقع تحت تأثير (شطارة المحامين) التى ربما يضيع بسببها حق المظلوم لان القضاء تحكمه مسائل اجرائية فى التقاضى لا يملك ان يتخطاها ليبسط العدل لهذا فهو ليس معنيا بتوفير العدل بقدر ما هو ما هو مختص بالتأكد من تطبيق القانون فالمستند الذى يثبت حق المظلوم مثلا لا ينظر فيه ولا يوضع تحت الاعتبار اذا لم يقدم فى الموعد المحدد ووفق الطرق الاجرائية لأنه لا يجوز تقديمه بعد ذلك بسبب الاجراءات وهذا ما لا يحدث فى جهاز الرقابة فالمستند يبقى مستندا لرفع الظلم فى اى وقت يقدم فيه بعكس القضاء الذى تلعب فيه قدرات المحامين والتفاوت فى خبرتهم وعدم قدرة المظاليم فى ان يستعينوا بأصحاب الخبرة العالية منه لارتفاع التكلفة فالقضية يكسبها المحامى الشاطر حتى لو كانت لصالح الظالم والتى ربما تهدر حقوق من تعجزه الاجراءات فى ان يسترد حقه اما الجهاز المركزى للرقابة العامة فهو جهاز يتمتع بحرية كاملة وحصانة لبسط العدل وليس تطبيق القانون بمفهومه القضائى وقد تفهم يومها مولانا رحمة الله عليه عثمان الطيب رئيس القضاء مسئولية الجهاز ودوره فى رفع الظلم ورد الحق متى ثبتت اركان الظلم دون التقيد بالإجراءات كما هو الحال مع القضاء. لهذا فانه لم يكن تدخلا فى القضاء بقدر ما انه يسد النقص فيه بجانب ما يختص به من سلطة رقابية تحول دون ارتكاب الجريمة او المخالفة لهذا فهو مكمل لبسط العدل بجانب مسئوليته الكبيرة فى الرقابة على اداء اجهزة الدولة والحيلولة دون اى انحراف فيها
ولعلنى هنا اشير لبعض الحالات التى فصل فيها الجهاز على سبيل المثال :.
الحالة الاولى كانت لمزارع امى يعمل فى واحد من المشاريع الزراعية لشركة كبيرة مشهورة رفضت دفع حقوقه بالرغم من انها اكدت على هذه الحقوق بمستند رسمى قبل ان يتحول الامر لنزاع ولما مثل امام القضاء ولجهله لم يقدم المستند الذى يثبت حقه وفق الاجراءات القضائية فى مرحلة التقاضى الاولى فصدر الحكم ضده ولما قدم المستند فى مرحلة الاستئناف وهو مستند صحيح يثبت حقوق المزارع رفض المستند لاعتراض المحامى عليه لأنه لم يقدم فى الوقت المناسب حسب اجراءات التقاضى الاولى لجهل المزارع بالإجراءات لعجزه فى ان يستعين بمحام وكما يقول المثل القانون لا يحمى الجهلة ان كانوا غافلين بالمسائل الاجرائية فى التقاضى ومعنى هذا انه لا يحمى المظلومين من الجهلة به ولكن الجهاز يحمى المظاليم دون التقيد بالإجراءات لهذا فان المزارع الامى عندما حمل المستند الذى يؤكد انه تعرض للظلم من الشركة التى انكرت له حقه امام القضاء وكسبت القضية لاعتراضها عدم قانونية ابرازه فى مرحلة الاستئناف فان الجهاز امر له بحقه حسب المستند والزم الشركة بسداد حقوقه كاملة لان الجهاز لا يتقيد او تحول دون عدله المسائل الاجرائية,
الحالة الثانية كانت فى واحدة من مدن النيل الابيض لرجل امى ورب اسرة كبيرة كان مالكاً لمخبز استولى عليه احد اقربائه عندما خدعه وأوهمه انه يستأجر منه المخبز مقابل مبلغ من المال بموجب عقد ايجار تم الاتفاق عليه ولثقة الامى فى قريبه ولعدم معرفته القراءة بصم على ما توهمه عقد الايجار امام المحامى الموثق ولم يكن يعلم انه بصم على بيع مخبزه وظل الرجل يتلقى مبلغ الايجار لأكثر من سنة حسب الاتفاق الى ان توقف قريبه عن دفع الايجار ولما لجأ مالك المخبز الرجل الامى للقضاء مطالبا بالإيجار فوجئ بقريبه يبرز مستند البيع الموثق امام القضاء والذى حمل بصمته التى اعترف امام القاضى انها بصمته ولكنه انكر ان يكون باع له المخبز فان المستند الموثق بقى دليلا ضده فخسر القضية ولما تقصى الجهاز فى شكوى هذا الرجل تأكد له ان من يدعى انه اشترى المخبز كان يدفع لمالكه الامى قيمة ايجارية لسنة كاملة امتدت لم تتوقف بعقد البيع بشهادة الكثيرين من رجال العائلة وان من ادعى انه اشترى المخبز لم ينكر فى اى يوم وفى حضرة المالك انه استأجره و لم يحدث ان اشار امامهم انه اشترى المخبز فما كان من الجهاز إلا ان اعاد المخبز لصاحبه وتم سحب التوثيق من المحامى الذى اعترف نفسه عند استجوابه تحت القسم بأنه لم يطلع الرجل بفحوى العقد الذى بصم عليه لأنه لم يكن يعلم انه لا يعلم محتوياته لمعرفته بعلاقة الطرفين العائلية وقد قوبل يومها قرار الرقابة بامتنان من المدينة
حالة ثالثة غريبة من نوعها فلقد تظلم للجهاز مهندس خريج المعهد الفنى يعمل فى السكة حديد افاد أنه ابتعث مع زميل له من نفس الدفعة فى المعهد الفنى فى كورس للندن وانه حقق دبلوما عاليا بينما فشل زميله فى ان يحقق الدبلوم ويقول فى شكواه انه تعرض لظلم بأنه بقى على الدرجة ج التى لا يحق له تخطيها إلا بإحراز الدبلوم بينما تمت ترقية زميله الذى فشل فى احراز الدبلوم اكثر من مرة حتى بلغ درجة المجموعات خلال ستة سنوات بينما بقى هو الذى حقق الدبلوم فى درجته ج وكانت المفاجأة عندما طلب الجهاز ملف المهندسين اتضح ان دبلوم الشاكى كان مودعا ملف خدمة المهندس الذى فشل فى تحقيق الدبلوم بينما خلى ملف الشاكى من الدبلوم الذى حققه وقد تم ذلك بتواطؤ مع مسئول شئون الموظفين الذى استغل تطابق اسم العائلة بين المهندسين لكون الدبلوم صادر باللغة الانجليزية وبموجب هذا المستند كانت الترقية من نصيب من فشل فى تحقيق الدبلوم فكان ان اصدر الجهاز قراره بتصحيح درجة المهندس المظلوم وتمت محاسبة المسئولين عن ذلك الخطأ.
قصدت من هذه النماذج ان اؤكد على اهمية الجهاز لبسط العدل فيما تعجز عنه الاجراءات القضائية لهذا ما كان للجهاز ان يلغى وإذا كان هناك رأياً حول كفاءة القائمين عليه او ثبت عليهم اى مأخذ بالفساد فالأشخاص يحاسبون ويحاكمون ويستبدلون بمن هم اصلح ولكن لا تعدم الفكرة إلا ان تبرير حل الجهاز بتهمة الفساد كان فرية فالجهاز حل بسبب موقفه من قرار حل مجلس قيادة الثورة وان كان قد سبق ذلك موقف مع مسئول كبير وفى موقع مؤثر على مستوى القرار لهذا ومن باب الحقد على الجهاز كان له دور الشريك فى حل الجهاز بل الدور الاساسى انتقاما من موقف الجهاز منه لارتباطه بقضية كانت تكلف الدولة مبالغ طائلة.
هذه القضية ارتبطت بمشروع الجزيرة عندما قدم للجهاز اجنبى فرنسى مندوب شركة فرنسية يدعى( فيدريك ميرا) من شركة تدعى ( سو بروسيدا ) وهى شركة كانت قطاع خاص الا انها الت ملكيتها للدولة وكانت قبل ان تؤؤل للدولة واحدة من اربعة شركات ظلت لسنوات تتنافس على عطاءات المشروع لتوريد المبيدات وملخص شكوى المندوب انه تكشف لهم فى الشركة ان الشركات الاربعة التى تتنافس على العطاء ابرمت اتفاقا ظلت بموجبه ترتب لتقسيم الكمية المطلوبة فيما بينها بحيث ينال كل منها جزءا من الكمية بالسعر الذى يحقق لكل منهم ربحا متساويا مع الاخرين ولكن مندوب الشركة اوضح ان الحكومة الفرنسية بعد ان اصبحت المالك لا يمكن ان تلتزم بمثل هذا الاتفاق فالحكومة الفرنسية لا تشارك فى خداع دولة لهذا فان الشركة رفضت الالتزام للشركات الثلاثة بما كان متفقا عليه وأصرت على تقديم عرضها كاملا دون التقيد بالاتفاق وقدمت لكل الكمية وجاء سعرها الاقل ولكن الشركة فوجئت بان لجنة العطاءات قررت ان تخفض لهم الكمية وان توزع الكمية على الشركات الاربعة بنفس النهج السابق بحجة مخاوفها من ان تفشل الشركة فى تسليم الكمية فى موعدها مع اعتماد الاسعار المقدمة من كل شركة والتى تفوق الشركة الفرنسية وأفاد مندوب الشركة انها رفعت احتجاجا لوزير المالية إلا انه امن على تقسيم الكمية بين الشركات كما هو الحال بالرغم من تفاوت الاسعار وما يتكلفه هذا التقسيم وكان الوزير المعنى يومها صاحب صلة قوية بالشخصية التى اشرت اليها فى المركز المؤثر على مصادر القرار.وهى ذات الشخصية التى لعبت الدور الرئيسى فى حل مجلس الثورة وجهاز الرقابة وكان ذلك انتقاما من تدخل الجهاز فى العطاء المذكور
كانت القضية غريبة وتكلف الدولة مبالغ طائلة خاصة وان قرار تقسيم الكمية للشركات الاربعة لم يلزم الشركات الثلاثة بتوريد كمياتهم بنفس سعر الشركة الفرنسية الاقل حتى يكون القرار مفهوما ومبررا ولكن كانت اسعار الشركات الاخرى تعلو اسعار الشركة الفرنسية مما اثار الشبهة فى دوافع القرار ويومها اضطرت الرقابة العامة ان تخضع المسئولين المعنيين لرقابة على محادثاتهم الهاتفية بما فى ذلك الشخصية الكبيرة وعلى ضوء هذه التسجيلات اضطر الجهاز يومها برفع الامر لمجلس الثورة بتقرير عن الحالة مصحوبا بتعهد من الشركة الفرنسية صاحبة العطاء الافضل بأنها ملتزمة بتسليم كامل الكمية قبل الموعد المحدد فصدر قرار المجلس بمنح العطاء للشركة الفرنسية الاقل سعرا ولكل الكمية وبالفعل اوفت الشركة الفرنسية بتسليم الكمية كلها قبل الموعد ولكن المسئول الكبير الذى تعرض هاتفه لرقابة الجهاز اشتط يومها غضبا على الجهاز لما علم بالواقعة واستنكر كيف يخضع هاتفه للرقابة وهو على ذلك المركز من موقع القرار ومن يومها تصاعد حقده على الجهاز ولم يخف حقده فى مشاهد عديدة حتى لاحت له الفرصة والتى عرف كيف يستثمرها للأخذ بثأره من الجهاز عندما وجد السانحة لحله حيث وقف مساندا للحل بكل قوة.
اما الحالة الثانية والأكثر أهمية والتى تجيب على السؤال موضوع هذه الحلقة حول القرار الذى كان السبب المباشر فى حل النميرى للجهاز فور ادائه القسم رئيسا منتخبا للسودان وحاكما لوحده فلقد كان الدافع لقراره موقف الجهاز من قرار حل مجلس الثورة والمقترح الذى قدمه الجهاز لحل الازمة التى تفجرت بين النميرى وأعضاء المجلس الذين تم حلهم ولابد هنا من وقفة فى محطة هامة فقرار حل مجلس الثورة الذى اعلنه النميرى تم بمبادرة من تلك الشخصية انتقاما من اعضاء المجلس يوم ساندوا النميرى فى قرار اعفائه من منصب هام وهو موقف لم يغيب عن ذاكرته خاصة حيث صدر القرار بتصميم خاص من الذين احاطوا يومها بالنميرى وعرفوا كيف يوجهوا النميرى تلك الوجهة فصدر قرار الحل وكأنه صادر من مجلس قيادة الثورة و باسم المجلس ليصبح قانونا ملزم كأن المجلس اتخذه بإرادته ولم يفرضه عليه احد والحقيقة ان المجلس لم يتخذ قرار الحل بل عندما اعلن القرار لم يكن اعضاء المجلس بالخرطوم باستثناء مولانا بابكر عوض الله وخالد حسن عباس والأخير كان معتكفا بمنزله على اثر استشهاد شقيقه فى بيت الضيافة اما بقية اعضاء المجلس فلقد كانوا فى حالة طواف بالمديريات فى لقاءات تنويرية جماهيرية حيث اخذوا علما بقرار حل المجلس عبر اجهزة الاعلام الامر الذى اثار فيهم ان مهمة طوافهم الولايات كانت خدعة مدبرة ليخلوا الجو للقرار لهذا فقرار الحل كان قرارا فرديا اتخذه النميرى باسمهم حتى ينصب على راس جمهورية رئاسية بمساعدة من اتقنوا تصميم القرار وهندسته لهذا قلت فى وقت سابق انه كان انقلابا عسكريا داخليا ساعد عليه ان النميرى نفسه كان مضمرا لرفاقه نية التخلص منهم قبل ان يتخلصوا منه بعد اعتراضهم على انفراده باتخاذ قرارات هامة دون مشورتهم مما اثار مخاوفه من ان يعملوا على اقصائه عن رئاسة المجلس والتى كشف عنها سلوكه منذ واقعة الاختطاف التى اوردتها حيث اجرى تعديلات كثيرة فى القوات المسلحة وفى حرسه الخاص وسكرتارية مجلس الثورة بان ابعد العناصر التى يحسب انها موالية لمن اختطفوه وهددوه وهو معذور فى تصرفه هذا كما قلت بعد ان ايقن ان مايو لم تعد تقبلهم اسرة واحدة كما كانت وسط مخاوفه المشروعة بعد تهديده اذا انفرد بالقرار ان يطيحوا به وهم اغلبية لهذا لم يضيع الفرصة التى لاحت له تحت تلك الظروف وبالطريقة القانونية التى نظمها له خبير القانون مولانا بابكر الذى كان يحمل غبناً عليهم لتأييدهم النميرى فى اعفائه من رئاسة الوزارة حيث انتقم منهم و خرج من الصفقة بأن يصبح نائباً لرئيس الجمهورية فهو الذى أفتاه بان يصدر قرار الحل باسم المجلس ليكتسب القرار شرعيته القانونية حيث يبدو ان المجلس هو الذى تنازل عن الحكم وحل نفسه بإرادته الحرة وأسلمها للنميرى وحده.
لهذا وفور عودة اعضاء المجلس الذين قطعوا طوافهم بالولايات وهرولوا نحو الخرطوم وهم فى قمة الانفعال والغضب حيث طالبوا باجتماع للمجلس ولكن وقبل ان يتجهوا نحو الاجتماع التقوا بمكاتب الجهاز المركزى للرقابة العام بمكتب الرقيب العام وكنا حضوراً مجموعة من اعضاء الجهاز بتقدمهم نائب الرقيب العام الأستاذ محمد عبدالحليم محجوب الذى كان المستشار الاول للشريف حسين الهندى عندما كان وزيرا للمالية..
كان التوتر والانفعال يسود اللقاء وبعض اعضاء المجلس منفعلين لدرجة نهم كانوا مصرين على الغاء امر الحل وإصدار بيان يوضح عدم صدوره عنهم ولكن حكمة الاستاذ محمدعبدالحليم وخبرته ساهمت فى تهدئتهم بحجة ان اى خطوة منفعلة كهذه سوف تعنى نهاية النظام نفسه بسبب ما سيصحب البيان من فتنة بين اركان النظام ولكنه اقترح عليهم اخيرا ان يسكتوا عن للقرار على ان يقترحوا بقاء مجلس الثورة بسلطاته رقيبا على رئيس الجمهورية لفترة مؤقتة حددها بستة سنوات تنتهى بانتخاب برلمان شرعى يتم انتخابه بحرية كاملة دون ان يحق للنميرى ان يعين أي عضو فيه ليكون رقيبا على رئيس الجمهورية وراق لهم الاقتراح وقرروا طرحه امام اجتماع المجلس ولكن اتضح ان النميرى قابل الاقتراح برفض مطلق بمساندة مولانا بابكر عوض الله الذى راى فيه عدم ثقة فى النميرى مع انه فى الواقع كان يعبر عن غضبه الخاص على اعضاء المجلس الذين عزلوه عن منصب رئيس الوزراء يوم وافقوا ان يجمع النميرى بالمنصبين وطبيعى ان يؤدى موقف بابكر هذا لتحول فى موقف النميرى من مولانا بابكر ليأتي به نائبا لرئيس الجمهورية. مع انه هو الذى قاد قضية عزله عن منصبه عقب تصريحاته فى المانيا الشرقية بتهمة موالاته للشيوعية والتى اعتبرها النميرى دعوة لهيمنة الشيوعيين على مايو ومع ذلك فان النميرى الذى طالب بإقصاء بابكر لشيوعيته كما قال فإذا به بعد اعدامه قادة الحزب الشيوعى ينصب بابكر الذى سبق ورفضه لتواطئه مع الشيوعيين ويعينه نائبا له فهل كان هذا القرار مكافأة له لتصميمه قرار الحل بحنكة قانونية بل وسمكرته لمخارجته من الورطة بعد ان طالب اعضاء المجلس بالإبقاء عليه لفترة انتقالية لحين انتخاب برلمان إلا ان مولانا بخبرته القانونية حسم الامر بأنه لا يجوز قانونا لأنه يعنى اصدار قرار بإلغاء قرار الحل بعدان اصبح نافذا وهكذا استحق مولانا منصب النائب بالرغم من رأى النميرى المسبق فيه لهذا كان من الطبيعى ألا يبقى فيه لفترة طويلة
وكان النميرى قد أكد رفضه لبابكر لشيوعيته فى كتابه النهج الاسلامى لماذا والذى قال فيه عنه فى صفحة 94 ما يلى:
( ومن اخترناه - يقصد بابكر عوض الله- كان قد اعلن انحيازه ووقع صريع الصوت العالى داخل المجلس والصوت الداوي فى الشارع وابتلعه الوهم فظن الاكذوبة حقيقة وان الشيوعيين هم السلطة او على الاقل من اقوى ركائزها) الى ان يقول(وهكذا تورط فى تصريح اثناء زيارة رسمية لألمانيا وقتها تراجعت كل مبررات الصبر ولم يكن هناك مفر من الحسم الناجع على الفور فأصدرت بيانا باسمى اؤكد ان ما صرح به الرجل لا يمكن ان يكون صحيحاً الى ان يقول وعاد الرجل من رحلته وأعلن تشكيل الوزارة برئاسته) هكذا يؤكد النميرى انه اقصى بابكر من رئاسة الوزارة لتواطئه مع الشيوعيين مما اثار مولانا بابكر على اعضاء مجلس الثورة لموافقتهم على قرار النميرى ولكن المفارقة الكبرى فلقد عاد النميرى نفسه لما صاغ له مولانا بابكر قرار الحل عاد النميرى الذى كان فى قمة العداء يومها للشيوعيين ليعين بابكر (الذى اعفاه لشيوعيته) نائبا له كرئيس للجمهورية وهو نفسه الذى اقصاه عن مجلس الوزراء بسبب الشيوعيين ولكن هل يمكن ان يكون قرار تعيينه نائبا له بكل ما يحمل من تناقض غير انه مكافاءة على قرار الحل الذى لعب فيه مولانا الدور الرئيسى فهو الذى نصب النميرى رئيسا للجمهورية منفردا بجانب الدكتور منصور خالد الذى اصبح اكبر واهم مستشاريه قبل ان يقصيه عنه الدكتور بهاء الدين احمد ادريس لينقلب منصور خصما فاجرا فى الخصومة للنميرى لعدم وفائه لما قدمه له فى سمكرة الكثير من المواقف إلا ان النميرى رغم مكافأة مولانا بالمنصب إلا انه لم ينسى له موقفه فهمش وجوده كنائب بلا أعباء حتى اضطر مولانا بابكر للاستقالة من منصبه ليطوى صفحة مايو ويشرب من ذات الكاس التى سقاها لأعضاء مجلس الثورة كما شرب منها دكتور منصور .
اما اجتماع المجلس فلقد فرض علي الاعضاء الرافضين للحل فى نهاية الامر ان يذعنوا للقرار بسبب التعقيدات القانونية التى وضعها مولانا بابكر فى طريق تنفيذه وسط تطمينات النميرى لهم بان يشركهم فى القرارات وبالطبع فانه لم يفعل بل همش وجودهم بعد ان وقع تحت قبضة المتآمرين والمتربصين بمايو وتوجهاتها السياسية والذين كان على رأسهم من لعبوا الدور الخفى فى احداث 19 يوليو وهكذا قنن الانقلاب الداخلى وانتقلت مايو لسلطة الفرد الواحد التى اسميتها مايو قبل ان يطلق الدكتور قرنق هذه التسمية على انتفاضة أبريل
لهذا وبسبب اقتراح جهاز الرقابة ببقاء المجلس رقيباً على الرئيس المنتخب بعد الاستفتاء لحين انتخاب برلمان حر كان على رأس القرارات التى أصدرها النميرى فوراً بعد أداء القسم لانتقام من الجهاز فحل الجهاز المركزى للرقابة العامة ومحاولة منه تغطية القرار بانه حرب على الفساد لانه لا يمكن ان يفصح عن سبب القرار كأن انقلاب يوليو كان موجها لجهاز الرقابة وليس لثورة مايو وكأن تهمة الفساد يومها كانت حصرياً على الجهاز دون مؤسسات مايو الاخرى حتى جاءت نتائج لجنة التحقيق مخيبة لأمال النميرى الذى استهدف الجهاز بسبب اقتراحه ببقاء المجلس سلطة رقيبة عليه لحين انتخاب برلمان حرا وليس برلمانا معينا او مغلفاً بأي غلاف.
وهنا يجب ألا نغفل دور المجموعة التى وقفت على مؤامرة 19 يوليو التى استهدفت كما اوضحت. تصفية الحزب الشيوعى وتحقق لها ذلك بأحداث بيت الضيافة وتصفية مايو والتى فشلت بنجاح النميرى فى الهروب من القصر إلا انهم عادوا ليحققوا هيمنتهم على مايو بوقوفهم بجانب النميرى حتى حل مجلس الثورة ليمثلوا عندها كميونة احاطت بالنميرى وانحرفت بمايو من اقصى اليسار لأقضى اليمين بالرغم من انهم احتفظوا بالنميرى واجهة لمايو الجديدة بعد ان لم تعد مايو بثوبها اليسارى يوم أعلنت عن نفسها فى عام 69 لينتهى السيناريو بتصفية الحزب الشيوعى بالإعدامات وبمايو سياسيً حيث أصبحت نظاماً يمينياً بل مفرطاً فى اليمينية
والى الحلقة الاخيرة الخاصة بالشهيد الشريف حسين الهندى والحدث الخطير الذى ارتبط به والحرب النارية بينه وبين الثنائى السيد الصادق المهدى والدكتور الترابى وكيف امكن للترابى ان يحسم المعركة لصالحه لأطوى بذلك هذا الملف.
ملحوظة: تصحيحا لما ورد ذكره من ان السيد عبدالقادر عباس بين قائمة الكادر الجماهيرى للحزب الشيوعى فى اتحاد العمال فالاسم الصحيح هو رحمة الله عليه عبدالرحمن عباس والذى عين وزيرا للعمل وليس عبدالقادر عباس وهذا ما لزم تصحيحه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.