تعاني الحركات الإسلامية جميعا من أزمة داخلية عنيفة تتمثل بعض جذورها في فجيعة الوضع المزري التي تصل إليه الدول التي تسلم الإسلاميين مصيرها واصطدام هذه الحركات بالاكتشاف المحير : افتقارالإسلام السياسي لأي منظومة لإدارة الدولة .. أو حتى لإدارة جمعية تعاونية في الحي..ببساطة لأن هذه الحركات وجدت نفسها مضطرة لإدارة الدولة والجمعية بأدوات مدنية بحتة اكتشفت كأنما فجأة خلو أدبياتها منها .. .. والنموذج الأبرز لذلك السودان ومصر .. وجملة تصريحات الإسلاميين الذين هم خارج السلطة الآن تتجه بشجاعة أو مواربة نحو الإيمان بالدولة المدنية التي لا بديل عنها أبدا ..فالكودة على سبيل المثال أعلن قبل مدة بعد أن اكتوينا بنار الأنظمة الإسلامية أعلن قناعته بالدولة المدنية قبل سفره إلى كمبالا .. والقرضاوي قال إن إقامة العدل مقدم على ما يسميه "تطبيق الشريعة " .. والغنوشي أعلن أكثر من مرة إيمانه القاطع بالدولة المدنية .. ...وحتى حزب النور السلفي في مصر ( أي والله حزب النور! )أطلق قبل يومين مبادرة لحل إشكال "كنكشة" الإسلاميين المصريين في السلطة .. وهي مبادرة متقدمة تصب في خانة الدولة المدنية في مصر .. وقال الحزب السلفي كلاما متقدما رحبت به جبهة الإنقاذ المصرية وأعلنت أنه يتوافق مع خطها ... إلى آخر هذه الاستشهادات التي يمكن أن تمضي إلى مالا نهاية للتدليل على محاولات الإسلاميين في الخروج من حزمتهم الأيديولوجية التي اتضح كسادها في سوق الدولة المدنية ، والحريات، وحقوق الإنسان ، والثقافة ، والفنون ... وكل ما اجتهدت الإنسانية في تشييده قرونا عديدة بالدم والعرق والأخطاء التاريخية المهولة لنقطف نحن ثماره البهيجة ... وجملة القول :إن بعض الحركات الإسلامية تحاول الآن أن تخرج من أصوليتها المغلقة المولدة للعنف، والتخلف، واضطهاد الآخر إلى فضاءات الحرية والعقل والدولة المدنية ...وهي تحتاج لمن يأخذ بيدها لهذا الفضاء الذي لم تكن تتنفس هواءه المنعش في انغلاقها الكهفي ذاك ...ولم تكن تملك أجنحة له في تلك الأقفاص التي لا تسمح بسوى الاستنساخ .... وإذا كنا نضع حركات الإسلام السياسي كله سابقا في سلة واحدة باعتبار أصوليتها وإقصائها للآخر ، وانشغالها الدائم بتصنيف العالم ، وإدانته ، وبنيتها المولدة للعنف فإننا نشهد الآن مجاهدة بعض هذه الحركات ، وقياداتها للخروج من كل ذلك ، والتعامل مع الإسلام باعتباره " مخزونا ثقافيا حضاريا يمكن توظيف عناصره ، ومعطياته لتشكيل ثقافة جديدة ، أو إنتاج معرفة حديثة فاعلة " أي باعتباره "فضاء ثقافيا وإرثا ينطوي على ذخائر يمكن العمل عليها لتجديد المعرفة واللغة " كما يقول الفيلسوف علي حرب (الممنوع والممتنع : 178 ) ... والسؤال الآن على ضوء مواقف الكودة الأخيرة ومعارضته الصلبة للنظام ألا ينبغي فتح حوار عقلاني جاد مع هؤلاء لإخراجنا من من مأزق هلال/ مريخ .. أم أن البعض يعجبه أن يتمترس خلف أيديولوجيته .. ويمارس "أصوليته" الأخرى ويستمر في تصنيف الآخر ، وإدانته ، وقمعه ..لتظل الساقية مدورة بلانهاية ؟! التحية للكودة في جملة مواقفه الأخيرة .. والتحية للجبهة الثورية وهي تثمن عاليا" خطوة د/ الكودة وحزبه بما لديه من أفكار وآراء تطويرا للميثاق والمضي قدما من أجل إسقاط النظام واستعادة السلام والحرية والديمقراطية" كما جاء في بيانها .. والتحية للشعب السوداني وهو يبتكر كل مرة أدوات جديدة لاجتثات النظام الفاشي ... وآخر دعوانا: ثورة حتى النصر.. فلا بد لهذا الليل من آخر .. [email protected]