فى ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة تقع أحلامنا الزُجاجية بالعيش الرغد ضحية الإرتطام بأرض الواقع الصخرية التى تُهشمُها دون أن يُرثى لنا، ولا جابر للكثير منا إلا السعي بلهفة يتيمة للتوكؤ على عصا الوظيفة الأخرى ويهُز بجذعها علها تًساقط عليه دخلاُ جنياَ وسنابل تُبشر بالخصب والأمل المُرتقب. إن المهنة... التي يُمارسها الإنسان تؤثر في شخصيته وأساليب تعامله وتفكيره بمثل ما تؤثر في قابليته للأمراض والإضطرابات الجسدية والنفسية، فمن المعروف أن هناك أمراضاً (مهنية) يتعرض لها الأشخاص الذين يمارسون مهناً بعينها وبنسب تفوق معدلات حدوثها عند غيرهم من الناس. جميلُ أن يوظف الإنسان طاقاته وقدراته العقلية والجسدية لما يُدر عليه الدخل الوفير فليس هناك من سبيل الا التمسك بالحبلين معاُ حتى نعبر من ضيق الحياة الى فُسحة منها ولكن و مع كل هذه المُعطيات السابقُ ذُكرها يُصبح من الصعب جداً التعايُش مع مهنتين مُختلفتين مما يجعلنا عُرضة للتأثير المزدوج من المهنتين معاً خاصةً إن لم تكونا على خط إستواء، فلكل مهنة تأثيرها الملموس على السلوك النفسي والاجتماعي وايضاً الجسدي، فقد تمنحنا الكثير من الصفات وتؤثر على أُخرى موجودة فتدخل عليها يدُ التغيير (وربما التشويه)، وقد تسلبنا صفات اخرى. لكل مهنة متطباتها ومواصفاتها فيُضطر الكثير منا إلى لبس رداء مهنةِ ما صباحاً ليعود فيخلعها ليرتدى حُلةَ المهنة الاخرى مساء بحثاً عن فرح مُندسُ بين خباياها علهُُ يُشعل ومضة الأمل، ولا يخفى علينا أن المهن التى تُدر ربحاً يومياً هى الأكثر مطلباً وإقبالاً لأن جنى الثمار اللحظى يرُد للروح عافية (عابرة) ويُشبع الفرد ويقيه مُرَّ الإنتظار والترقب للحظة الحصاد، وفى أحايين كثيرة تكون المهنة الجانبية كالزوجة الأُخرى التى تكون طى الكتمان، يقف الفرد على أعتابها مُتأملاً منها الربح ومُتجنباً أن يُسلط عليه الضوء خشية أن يرتبط ذكره بها، ويظلُ يتملصُ منها رغم أنه ينعم بخيراتها وينزل بساحتها الخصيبة ويقطف من أزهارها، ويلتصق بتلك الأُخرى الجميلة الأنيقة التى لا يُقيه فُتاتها ما يسُد الرمق، وهو بذلك يُصر على التعايش فى حالة من الفصام الإرادي حتى يهرب من سيوف المُجتمع المُسلطة على رِقاب الأوضاع المهنية ، بل ويُفضل أن يضع نفسه فى مواطن الشك أمام الظنون التى تشنقه بخيوط الإتهام حين تظهر عليه بودار الثمر الذى جناه من المهنة الأخرى ، فليس من السهل أن نتجمل في زمان القبح، وليس سهلاً أن نُنكر طعماً تذوقنا حلاوته في سبيل المُحافظة على كبرياء مفقود حتماً مع إفتقاد السلام النفسي والقناعة بأن ما نمتهنه هو فخرُ لنا ما دام شِربُ فُرات وأُكلُ حلال. [email protected]