لابد من الوقوف لتهنئة الامة السودانية بالعيد الخمسين للتلفزيون القومي وخاصة لجميع المبدعين الذين اشادوا هذا الصرح الشامخ واستطاعوا ابراز ملامح الامة السودانية للعالم وتمكنوا من ربط وتعريف السودانين بكثير من المعارف والفنون المحلية والاقليمية والعالمية واستطاعت تلك النخبة العبقرية من صناع الثقافة ان توجه وتشكل ذوق ووجدان كل الفئات العمرية اطفال شباب رجال نساء فكان التلفزيون ولا يزال حادي الركب الي غايات هو الذي يصنعها ويحددها والامة تنجرف مع سيله بلا ارادة او مقاومة . ما نراه من سلوك يظهر في الشارع او المنزل او المؤسسة ماهو الا نتاج مخرجات مباشرة لمدخلات التلفزيون المختلفة في ذهن وقلب الامة السودانية . فلنعد الي عنوان المقال عقدة اللون في التلفزيون القومي السوداني أرجو بقليل من الصبر ان نتامل ونتدبر الكلمات تلفزيون – قومي – سوداني – فالتلفزيون ليس تلك الألة الصديقة التي تحكي عندما نسمح لها بذلك او تصمت عند الطلب بل انه ساحر ماكر يمكنه ان يفرق بين المرء وزوجه والولد وابيه ويمكنه ايضا ان يجمع بينهما . لذلك انه اخطر اسلحة الدولة واكثرها فعالية في البناء او الهدم , الدولة الوطنية القومية الراشدة تحرص على ابراز وطنيتها وقوميتها عبر تدقيقها عند بناء النظام التلفزيوني تراعي فيه التنوع القومي في مدخلات النظام وخاصة المدخلات البشرية وبرامج الثقافة التي تلامس الثقافة القومية وبمعني . ان يكون العنصر البشري وخاصة الوجوه التي تطل عبر الشاشة الي المشاهدين لابد ان تعبر عن القومية جغرافيا وثقافيا وغير ذلك . الملاحظ من خلال برامج احتفالات التلفزيون القومي السوداني بالعيد الذهبي ان اغلب الوجوه من منطقة جغرافية واحدة دون سائر الاقاليم والمناطق السودانية .فالسؤال المشروع كيف يعكس هؤلاء بعدالة تنوع الشعوب التي تنبسط علي مساحة مليون ميل مربع قبل انفصال الجنوب وتتحدث لهجات مختلفة ولها عاداتها وتقاليدها وسحناتها المختلفة . والسؤال الثاني اين دور الدولة القومية الوطنية التي تحترم شعوبها وتحرص على ابراز هويتهم كجزء من الهوية القومية .ولكن ان يترك الحبل على القارب مع التجاهل الذي يعمق غبن الجماهير المقصية انه آمرا يثير الدهشة والاستغراب , اما كلمة القومي السوداني ببساطة تعني أنه ملك لجميع اهل السودان ويجب ان يبرز اتجاهاتهم وفنونهم واقتصاديتهم وسحناتهم من لون وجمال الا ان المحزن والمؤسف ان التلفزيون القومي السوداني لم يعطي القومية حقها . ليس هذا تحاملا او لشئ في نفس يعقوب بل هو من واقع ما نشاهده اذن ماذا نشاهد ؟ نشاهد في يوم الواحد وعلي مدار الساعة مناطق وجهات ووجوه معينة تنال حظا مبالغ فيه من التخطية الاعلامية ثقافيا وفنيا وسياسيا ، اما بقية مناطق وجهات ووجوه سائر اهل السودان حظها في الاعلام يكاد يكون صفرا في الخارطة اليومية على البث التلفزيوني . والآمر الهام والخطير لماذا فقط تظهر شاشة التلفزيون القومي السوداني الوجوه البيضاء من الانسات والسيدات والرجال كمقدمي للبرامج المختلفة ، أين الوجوه السوداء والخضراء والسمراء التي تعكس قومية السودان الاصيل – هل هي سياسة التلفزيون التي تري ان الوجوه الاخري اذا اطلت عبر الشاشة الي العالم انها تلحق العار بدولة السودان ؟ واذا كان ذلك كذلك فأن ادارة التلفزيون ترسل الى الوجوه غير البيضاء رسالة مفادها انها الوانا غير مرغوبا فيها وعارا تستحي ان تقدمه لشعوب العالم . والسؤال لماذا التغييب المتعمد لاصحاب المواهب ذات الوجوه غيرالبيضاء ؟ سبحان الله حتي فني الكاميرة في اللقاءات والاحتفالات يركزها فقط علي الوجوة البيضاء وان دعت الضرورة ان تتجه الكاميرة الي وجه اخر فأنه يخطف اللقطة خطفا سريعا !!! فنقول مقالة استاذنا المبدع الطيب صالح – من اين أتي هؤلاء!! ------------------------- محمد احمد البشر - كاتب صحفي مقيم بالخارج [email protected]