إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكري الثانية لموقعة الحمير والبغال والجمال والسيوف والسنج والحجارة في ميدان التحرير
نشر في الراكوبة يوم 04 - 02 - 2013

في اوائل شهر فبراير قبل الماضي سنة 2011 ، والتي أثارت امتعاض وانتقاد الرأي العام العربي والعالمي والتي أاثبتت ان الصراع ليس فقط حول سلطة وثروة وعدالة اجتماعية أو بين حق ووباطل بل أنها بين ثقافتين متناقضتين في طريقيين متوازيين لا ولن يلتقيان أبدا ، الاولي هي ثقافة الحمير والبغال والجمال ومؤداها الخزي والندامة والفساد في الارض وعذاب يوم القيامة ،والثانية ثقافةالعلم والتطور والشبكة الالكترونية والاتصالات الحديثة ومؤداها الحرية والكرامة والعدل والمساواة.وحقوق الانسان الاساسية .
وبعد استرجاع مشاهدة الكثير من الصور ومقاطع الفيديو المختلفة ارتفع خلالها ضغط دمي مرارا وانهمرت الدموع مدرارا وفي غفوة مابين الصحوة والنوم وفي ظل خطرفة من حمي الغضب والالم تخيلت ان الحمير والبغال(عدم المؤاخذة ) قداستاءت من استهدافها والهجوم عليها والربط بينها وبين الانتهازيين من البلطجية والرجرجة والدهماء الذين قاموا باعمال همجية ارجعتنا للعصور الوسطي ولتبرئة نفسها من ذلك قامت منظمة حقوق الحمير والبغال بارسال البيانات والرسائل التاليةللشعب بالمواقع الالكترونية المختلفة ووسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية .لتبرأة ذمتها من تلك الاحداث بعنوان (-تأييدنا من منطلق مشاركتنا في الحكم )
لقد شاركنا نحن الحميروالبغال بارادتنا الحرة المنفردة في التعبير عن رأينا والدفاع عن مصالحنا ومكتسباتنا ،ولكننا تعرضنا للسرقة والاستغلال من الانتهازية المتمثلة في البلطجية وارباب السوابق الذين استعنا بهم لقيادتنا لموقع ميدان التحرير ،بالاضافة الي المؤامرة الدنيئة من بعض اعضاء الحزب من رجال الاعمال الذين قاموا بتأجير الجمال لهم و أغروهم بالمال ليقوموا بضرب وقتل الشباب العزل بدم بارد وعلي حين غرة وبخسة ودناءة نتبرأ منها ،فنحن شركاء وجزء أصيل في الحكم ممثلين بالسياسي العريق من بني جلدتنا(حمار بيك )الذي كان له الحل والعقد لأكثر من 30 عام وكان يرجع اليه الرئيس في كل كبيرة وصغيرة ولعلكم تتسألون ما الذي جمع بينه وبين الزعيم حتي تبوأ مركزه المرموق الذي سيتعرض للضياع اذا تنحي الزعيم ؟
فاليكم القصة بالتفصيل (القصة مقتبسة من مقالة بعنوان حوار بين حمار وزعيم عربي منشورة في مواقع الكترونية مختلفة مع التنويه بانها خيالية قد حدثت في احدي الدول دونما تحديد وان تشابهت الشخوص والاحداث فهذا من قبيل الصدف والتشابه ويخلق من الشبه اربعين ولا نقصد زعيم بعينه ولكننا نقصد الرمزيةوالاستنتاج أو القياس من مسئولية القارئ)
(ذات يوم قررالحمارٌ أن ينتظر الزعيمَ في بيته، وتسلل بالفعل دون أن يشتبه به أيّ من رجال الأمن، ودخل غرفةَ مكتب القائد، وانتظر عودتَه كانت المفاجأةُ كبيرةً، وقبل أن يرتفع صوتُ الزعيم مطالِباً الحرسَ الخاصَ باخراج هذا الحيوان من مكتبه، نظر إليه الحمارُ نظرةً مُذِلة وقال في مَسْكَنَة اعتاد الزعيمُ أن يراها في عيون المحيطين به:
(سيدي، هل لك أن تستمع إلي قبل أن يطردني حرسك الخاص، فلديّ عرضٌ مثير للاهتمام يستفيد منه كلّ مِنّا حسب موقعه؟
وبدأ الهدوء يعود للزعيم، ثم جلس على مقعد مريح بعدما أغلق بابَ المكتب جيدا.
الزعيم: تكلم فليس لديّ وقتٌ، وقُلّ ما عندك رغم ثقتي بأن حمارا مثلك لا يمكن أن يكون لديه عرضٌ يُغريني بقبوله.
الحمار:أريد أن أعمل لديك مستشارا خاصا يفوق في كفاءاته وقدراته كلَ مستشاريك ومديري مكتبك السابقين والحاليين.
الزعيم: حمار وغبي وأيضا متخلف! كيف استبدل رجالي الذي صنعتهم من قاع العبودية، والذين لا يساوى الواحد منهم ورقة صغيرة تخرج من مكتبي فيجلس بعدها على مقهي أصحاب المعاشات يجتر ذكريات رضائي عنه ،إن لدي رجالا في كل مكان من القصر إلى رئاسة تحرير أهم الصحف الرسمية، ومن الرجل الثاني إلى معظم وزرائي، وأنا أراهم أكثر منك طاعة، وأشدَّ قدرة على تحمل اهاناتي لهم، ويبتهجون بالمذلة، وتتقوص ظهورهم وهم يسيرون خلفي طالبين الرضا ونصفَ ابتسامة وإيماءةً مني ولو كانت احتقارا.
الحمار: لكنهم، سيدي الزعيم، سينضمون لأول حركة ناجحة تطيح بك، وسيبيعونك لمن يدفع أكثر، وسيبصقون على يديك إن طلب منهم الزعيمُ الجديدُ ذلك. أما أنا فلن أفعل أكثر من الطاعة للكرباج، والصمت على الآلام، والسكوت على خواء البطن ولو مت جوعاا
الزعيم: أنا لا أنكر أن فيك صفات تنطبق تماما على المواصفات المطلوبة لمن يخدمني، لكن المستشارين في القصر أصبحوا مركز قوة، بل إنني أكاد لا أعرف أحيانا ما يدور إلا من خلالهم، وأنا سعيد بهذا فهم يتذللون ويقومون بحمايتي، وأنا أستبد بهم وأتولى حمايتهم. إنها معادلة الطاغية والمستبد والديكتاتور والسيد على مدى التاريخ.
وهنا بدت نظرات الحزن والأسى في عيني الحمار، ولأول مرة يرق قلبُ الزعيم لمن يستجديه ولو صامتا.
الزعيم: هل تقبل أن تكون وزيرا للزراعة والري والثروة المائية؟ا
الحمار: معذرة سيدي الكريم فأنا لا أستطيع أن أنافس رجلك في الوزارة، فهو ظلك في الحكومة، وهو لسانك الذي تبطش به، وهو القادر على أن يحدد لرعيتك الأكل والشرب والسموم، وقد أبقيته بجانبك لأنه أكثر مني طاعة وتحملا.
الزعيم: ما رأيك في رئاسة مجلس إدارة شركة الطيران الوطنية، فهناك سرقة ونهب وأيضا عمولات على شراء طائرات، وحسابات مفتوحة، وأماكن مجهولة لا يعرفها ديوان المحاسبة؟
الحمار: صحيح أن منصبا كهذا لم تشترط سيادتك أي كفاءات على صاحبه، بل لو تطابقت صفاته مع صفاتي فإن رجالك وأقاربك ومعاونيك ومستشاريك يستطيعون أن ينالوا من كعكة شركة الطيران الوطنية، فهناك ميزانية بمئات الملايين، وعمولة واحدة تكفي المرء أن يعيش ما بقي له من عمر على حرير وثير، لكنني كحمار أرى أن منصبا أرفع من هذا يليق بي. أريد أن أكون أقرب إلى الرجل الثاني في الدولة، بل لا أخفي عليك، سيدي الزعيم، أنني أطمع في منصب أعلى من الرجل الثاني.
الزعيم: لكنك لن تستطيع أن تكون زعيما عربيا حتى لو قامت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بوضعك عنوة في القصر.
الحمار: لكن هذا الاجحاف والظلم البَيّنَ والتمييزَ ليس أكثر من جهل بطبيعة الفروقات والتجانسات بيني وبين صاحب أعلى منصب في الدولة.فالزعيم العربي بوجه عام ( إلا قلة نادرة ) لا يقرأ، وإذا قرأ لا يفهم. وهو أقل ذكاء من معظم المحيطين به، ومايقوم به في شهر أقوم أنا به في أقل من يوم.والزعيم العربي لا يحتاج للتفكير، فهناك من يفكرون له، ولا يكتب خطبته، وإذا صادف وأجرى حديثا تلفزيونيا فإن المونتاج قادر على تحويل خربشات الهُراء إلى عبقرية، والفراغ الفكري إلى تأمل، والسخافات إلى مزاح من القائد المتواضع.ا
الزعيم: ولكنك لا تستطيع أن تكون فيلسوفا، وروائيا، وقائدا مهيبا، وعسكريا فذا، فأنا أتحدث في كل شيء، ويمكنني الخوض في أمور أجهل فيها أصغر معلوماتها، لكنها تتحول بقدرة قادر إلى ثورة فكرية لا يماثلها فكر آخر على وجه الأرض.
الحمار: هل تعني، سيدي الزعيم، بأنني لو توليت الحكم واجتمعت بكبار المثقفين والاعلاميين ورجال المال والاعمال والأمن فلن يمتدحوا في عبقريتي؟
الزعيم: أنا لم أقل هذا الكلام، فأنت تستطيع أن تخوض الانتخابات كما أنت، بصفتك حمار، وستجد جماهير تندفع رافعة صورتك، وستندهش من الافتتاحية الرائعة في الصحيفة الرسمية وهي بقلم رئيس التحرير نفسه بأننا انتظرنا طويلا حاكما عادلا وقائدا محنكا كحمارنا، ونحن ينبغي أن نتمسك به من أجل مستقبل أولادنا واستقلال وطننا.
الحمار: لماذا لا تجعلني أمينا عاما للحركة الوطنية التي تحكم وستجدني طوع بنانك، أتحمل منك الاهانات والضربات ولو صفعتني على قفاي سبعين مرة في اليوم والليلة؟
الزعيم: هذا المنصب محجوز دائما لأكثر الخدم طاعة لي، وأشدهم قسوة على خصومي، وأمهرهم في التزوير، وأدناهم أخلاقا، وأضعفهم ضميرا.
الحمار: إنني أستطيع أن أقوم بتنظيم الإعلام، وتعيين حمقى في التلفزيون،وغض الطرف عن كل صور الفساد، وتكديس الشاشة الصغيرة بوجوه متخلفة عقليا وثقافيا ولغويا، والتعاون مع المتزلفين والمنافقين في الصحافة، واشتراط الضعف في اللغة العربية لكل من يتم تعيينه.
الزعيم: معذرة، عزيزي الحمار، فنحن هنا أمام آلة تلميع وتأهيل صورة الزعيم كلما بدت باهتة أو نَسيها الناسُ لساعة أو بعض الساعة، فيقوم إعلامنا بتذكير المواطنين بأن لهم سيّدا يطيعونه. هل تعرف أن في تلفزيون دولة عربية أخرى يقوم المشاهد المتصل باهداء الأغنية أولا في برنامج ما يطلبه المشاهدون إلى صديقي الزعيم، ثم تبدأ الإهداءات الحقيقية للأهل والأحباب والأصدقاء ،ثم إنني أشترط في هذا المنصب ذكاء وحماقة في نفس الوقت الإعلام في بلدنا هو خط الدفاع عن الطغيان، وممارسة البغاء السياسي وحماية القصر من البيان رقم واحد الذي يتمنى الكثيرون إذاعته بُعَيّد وصول دبابتين وثلاث مدرعات إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون.
الحمار:لماذا لا تجعلني كاتب خُطَبك التي تُلقيها في المناسبات الرسمية والوطنية؟
الزعيم: أنا لا أنكر أن أيّ حمار يمكن أن يكتب خطبة ويلقيها الزعيم على الملأ وتتحول صباح اليوم التالي في مانشيتات الصحف الرسمية إلى أقوال كأنها من رحم فلسفة سبينوزا وعبقرية تشرشل والبيان البلاغي للرافعي، لكن كاتب خُطبي يعرف ما يدور في خلدي، ويقرأ أفكاري قبل أن ينطق بها لساني، ويتابع أجهزة الاستقبال العاطفية الساذجة في نفوس وقلوب أبناء شعبي، ويتجنب تماما المرور على العقل والمنطق والتاريخ والحقائق، فتأتي خطبتي كأنها أُمُّ البيانات.
ولكن ما رأيك في أن آمر بتعيينك كاتبا للمسلسلات التلفزيونية وهي بوجه عام مهنة، باستثناء بعض الأعمال النادرة، يجيدها كلُ حمار يرغب في الوصول إلى قلوب الحمقى، بل إن بعض المسلسلات يتأفف كاتبها الحمار من مشاهدتها مع أن لها شعبية كبيرة؟
الحمار: سيدي الزعيم، كأنك تهينني في كفاءاتي وقدراتي. إنني أبحث عن منصب أكبر بكثير استطيع من خلاله تعبيد كل الطرق المؤدية إلى استمرارك سيدا فوق رقاب عبيدك. لذا فربما يكون منصب مدير الأمن العام مناسبا لي!
الزعيم: هذا المنصب بالذات غير مناسب لك بالمرة، فأنت قد تصمت، وتنفذ أوامري حرفيا، لكن قلبك الرقيق الطيب لن يتحمل تقارير يومية تتكدس على مكتب مدير الأمن العام قبل أن يحيلها إلي وهي عن التعذيب في السجون والمعتقلات واغتصاب المواطنين وامتهان كرامتهم وتجريعهم الذل الُمْرّ.إنني منذ توليت السلطة قرأت ما تهتز له السماوات السبع ومن فيهن من تقارير عن سلوكيات رجال أمني وحمايتي مع أبناء شعبي، ولم تتحرك ذرة شفقة أو رحمة بين جوانحي، حتى من قضى منهم تحت التعذيب المستمر لكونهم من المعارضة أو من المشاغبين أو أكباش فداء لتعليم رعيتي أصول العبودية والسُخرة والتذلل والخوف مني.فكيف استبدل بمسؤول الأمن في بلدي حمارا مثلك قد يشفق يوما ما على مواطن، أو يطلب من زبانية التعذيب التخفيف أو الاستجابة لأبسط الحاجات والمتطلبات الإنسانية.
إنني أبحث عن السادية في أعمق صورها وأشدها وحشية وبطشا.وأنت، عزيزي الحمار، لا يمكن أن تستمر في هذا المنصب شهرا أو اثنين.
الحمار: هذا ظلم شديد، سيدي الزعيم، فأنا واثق في قدرتي على خدمة مصالحك أكثر من المحيطين بك، بل يمكنك أن تمنحني رتبة عسكرية ونياشين تثقل كتفيّ، وتجعلني أتحدث عن الحروب والانتصارات، وأتوعد إسرائيل وأمريكا والعالم كله بجهنم فوق ترابنا الوطني لو أقتربت أي من القوى المعادية من أرضنا الطاهرة.
الزعيم: ومن قال لك بأننا لا نملك من هؤلاء الرُتب أكثر من الهَمّ على القلب، وهم يستطيعون أن يضعوا خططا عسكرية لاحتلال روسيا وأمريكا والصين في أسبوعين لو طلبت منهم ذلك؟
الحمار: لماذا لا تجعلني كاتب الافتتاحية في واحدة من الصحف الرسمية التي تنفق عليها الدولة، ولا يقترب منها ديوان المحاسبة، وتحقق خسائر بالملايين، ولا يقرأها إلا أنصاف الأميين.
الزعيم: قد أفكر جديا في تعيينك رئيسا لتحرير أقرب الصحف الرسمية إلى فكري، وهي صحيفة تبدو كأنها خارجة لتوها من مكتب الإعلام التابع للقصر، وتحتقرها الرعية، والافتتاحية التي تعيد تلميعي وتأهيلي وتذكير العبيد بسيدهم تشترط في كاتبها أن يكون أقل ذكاء من كل القراء، وأن يرص كلمات غير مفهومة، وأن يضع بين كل ثلاث أو أربع فقرات اشارات عن توجيهاتي الحكيمة.وستكون لك إمتيازات كبرى، ويتقرب منك الوزراء، ويدعوك كبار القوم لحفلات أعراس أبنائهم وبناتهم التي يأتيها الطعام ساخنا بطائرة خاصة من محلات مكسيم في باريس، ويزورك السفير الأمريكي ويبحث معك العلاقات الثنائية بين البلدين.بل إنك تستطيع أن تؤسس ورشة عمل من صغار الكُتّاب والصحفيين، وتشتري الملكيات الفكرية لأي إعلامي مسكين، ثم تضع عليها اسمك وتمهرها بتوقيعك بخط اليد كأنك كاتب حقيقي، ولا مانع من صورة أعلى مقالات الافتتاحية تبدو فيها كأنك تفكر!
الحمار: لماذا لا تجعلني وريث العرش والحُكم والحِكمة، وأنا أضمن لك أن رعيتك لن تحاكمك في المستقبل، وسأخفي تاريخ جرائمكم وتجاوزات أسرتك ومعاونيك وكل رجالك؟
الزعيم: هل تظن أن هذا المنصب الذي حلمت به طويلا يخرج عن أسرتي الشريفة؟إننا نتقاسم الدولة كما يتقاسم اللصوص مغارة علي بابا، ويستطيع أيّ منا أن ينهب مصرفا بكامله، وأن يشارك أيَّ رجل أعمال دون أن ينبس الآخر ببنت شفة.هل تصدق، عزيزي الحمار، أن شقيق أحد أصدقائي من الزعماء العرب كان يحصل على 51% من معظم المشروعات الكبرى في البلد وإلا فإن المشروع يتوقف.ولذلك عندما علمت ان مواطنا عاد بعد ان قضي في بلد المهجرربع قرن، وعاد إلى بلده ليعيش ما بقي له من عمر، ويستثمر مبالغ طائلة في مشروع رائع ولكنه تعب ثلاث سنوات من المعوقات والبيروقراطية ، فكلفت ابرز المقربين لي لمحادثته هاتفيا وابلاغه بامكانية التصديق له بالمشروع واعتماد الموافقة النهائية ،بشرط أن يكون لي ولاسرتي خمسين في المئة في مقابل الحصول على الموافقة النهائية؟
الحمارفتساءل الحمار مندهشا اليس ذلك ظلما وتعسفا ياسيادة الرئيس ؟
فرد عليه الزعيم فعلا اثبت انك حمار أصيل فيجب أن أؤمن المال لاسرتي فهي ايسر الطرق للوصول للسلطة فحتى لو ضمنت لي في الخمسين عاما القادمة عدم الاقتراب من تاريخي وتجاوزاتي وجرائمي ضد أبناء شعبي ، فإنني لا أتصور يوما واحد يتم فيه حُكمُ هذا البلد من زعيم لا يحمل اسم عائلتنا الكريمة.
الحمار: معنى ذلك أن ليس أمامي إلا تأسيس حركة معارضة ظاهريا، ومتعاونة مع نظامك في السر، تبدو في العلن كأنها تعترض فتمنح الحُكمَ شرعيةَ تعدد الآراء والمذاهب، ومنها يكتسب النظامُ، عربيا ودوليا،الشرعيةَ الشعبية.
الزعيم: لا أظن أن شعبنا ستنطلي عليه هذه اللعبة، ثم إن صفات الحمار لا تنطبق على حامل هذا اللقب أو صاحب المنصب ، فهو يحتاج للمكر والدهاء وطول النَفَس. إنها كالجاسوس المزدوج يلعب مع الخصمين بنفس القدر.
[الحمار: لكنني لن أخرج من القصر قبل أن تأمر بتعييني في منصب هام، وأنا لا أستطيع العودة إلى اسرتي وأهلي وأحبابي واصدقائي في عالم الحمير وأبلغهم أنني فشلت في اقناعك إنني على استعداد لقبول منصب ثقافي كبير يتحكم في الرقابة على الفيلم والكتاب والتلفزيون والصحافة، ومن خلاله أتجول في معرض الكتاب بعد منع عشرات من الكتب بحجة مخالفتها لنظام الدولة، وأن أضع خطوطا حمراء على أي شيء يمس الثقافة والطباعة ومعارض الكتب دون إبداء الأسباب المعقولة، وأن أتلذذ بتعذيب اصحاب دور النشر الذين ينتظرون أياما طويلة قرار الافراج عن الكتب التي تحملوا طباعتها وشحنها على نفقتهم الخاصة.إن الثقافة في بلدنا لا علاقة لها بالمعرفة والكتاب والعقل والمنطق.
وهنا بدا أن الزعيم قرر تعيين الحمار في واحد من أهم مناصب الدولة التي يظن معظمُ الناس أن العبقرية هي الشرط الوحيد لتوليّه، لكن القائدَ الرمزَ كان يعرف تماما أن لا أحد في الدولة سيشير على صاحب هذا المنصب الرفيع ويقول بأنه حمار.وتحركت تروس المطابع للصحف الرسمية استعدادا لنشر الخبر القنبلة الذي سيمنح أبناءَ الشعب آمالا كبيرة بتعيين الحمار في هذا المنصب الرفيع والحساس والسيادي من أجل رفعة الوطن
ومستقبل أبنائه)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.