أصبح موضوع التأهيل والتخصص العلمى أمر بديهي لاخلاف على أهميته على مختلف المستويات ويشكل مطلباً أساسياً لممارسة أي عمل لضمان نجاح الفرد في أدائه والارتقاء بمستواه في سبيل تحقيق زيادة الانتاج إلى أعلى المعدلات ، فالتأهيل العلمي والتخصص أساس نهضة أي مجتمع ووسيلة فاعلة لرسم معالم المستقبل في عصر التكنولوجيا وثورة المعلومات بل ويعتبر أيضاً أساساً لأي حراك اجتماعي وتنموي وفكري في المجتمعات، لكن فى ظل الانهيار الاقتصادى الذى تعانيه البلاد وفى ظل تصدع الخدمة المدنية والمحسوبية والولاءات السياسية بات العمل فى مجال التخصص امر ثانوى او على الاصح قضية غير مهمة لأن الطالب فى السودان يجد نفسه بعدالانتهاء من الجامعة والتخصص فى علم معين يخرج الى رحاب الحياة العملية بطموح كبير فيصطدم بواقع مرير يجبره على ترك كل احلامه التى اجتهد فيها سنوات طويلة ويلجأ مرغما الى العمل فى وظيفة لاتمت الى تخصصه بصله بل ربما تكون وظيفة هامشية يجابه به ظروف الحياة الصعبة وضنك العيش فتتبدد كل اماله واحلامه التى كان ينشدها،الشى المحير والمحبط جدا هو ان تختزل دون ارادتك كل سنواتك التعليمية الطويلة فى شهادة معلقه فى جدران المنزل وبجوارها صورة انيقة ترتدى فيها ذلك الروب الجميل وانت ممسك و(مكلبش كمان) فى ورقة تعتقد او تتوهم فى حينها انها ستكون سلاح قوى سيسهم فى اجتيازك لعقبات المستقبل ويالطبع ستكون صورتك جميله و(بتكون واقف بالجنبه كده) وترتسم على وجهك ابتسامة حالمة لانك كنت فى حينها تنظر الى المستقبل نظرة تفائل لكن بعد التخرج ستتحول الابتسامة الى تكشيرة و(صرة وش) واحباط حين تمضى السنوات وتقف امام نفس الصورة وتتطلع اليها فى اسى شديد وتسترجع تلك الاحلام الوردية التى ذهبت ادراج الرياح ، من المؤكد فى حينها سينتابك شعور قوى انك فى حاجة لتحطيم هذه الصورة حتى لاتتعذب بذكريات ايام كنت تجتهد وتثابر فيهالكن حال البلد جعل ذكريات كفاحك الجميلة تتحول الى ذكريات مرعبة ومحزنة لاترغب فى استعادتها لكنك تكون مرغما على ذلك . الملاحظ ان معظم الخريجين باتوا يشغلون أعمالاً لاتمت إلى تخصصاتهم بصلة وفقاً لسوء التوزيع الوظيفي الذي كان سبباً قوياً لضعف الأداء ومحدودية الكفاءات ويتضح أن هذاالأمر يمثل مشكلة عويصة ضمن عدد من المشكلات وبالطبع نتج عن ذلك عن عدم التوافق بين تخصص الموظف ونوع الوظيفة ومتطلباتها بعد أن أقحم عليهاوأجبر على شغلها مسبباً ذلك انعكاسات سلبية على أدائه وقضى في ذات الوقت على ما كان يمكن أن يبرزه في تخصصه من قدرات، الدولة لم تعد مسؤولة عن ضياع احلام الوظيفة حسب التخصص وهمها فقط ان تفتتح جامعات وهمية دون ان توفر سوق العمل لهؤلاء الخريجيين وبتنا فى زمنا حين تتحدث عن امانيك فى ان تعمل فى مجال دراستك تصبح اضحوكه فى نظر الاخرين لانه ماعاد هنالك من يجد عملا اصلا ناهيك عن عمل فى مجال التخصص ، هذا الامر له تأثيرات سلبية كما اسلفنا على معدلات الانتاج فى القطاع الخاص والعام وله انعكاسات سيئة على بيئة العمل التى ستسود فيها الضغائن والاحقاد لان المؤسسة التى تجمع بداخلها عدد كبير من العاملين تتفاوت رواتبهم ومخصصاتهم وهم يحملون نفس المؤهلات سيكون مردودها المهنى والانتاجى ليس كما هو متوقع فهنالك من هم فى وظيفة صغرى يحملون نفس المؤهلات لمن هم فى درجات اعلى وهذاهو سوءالتوزيع الذى تفضلنا بذكره والذى يمثل ضغط نفسى رهيب يقع على العامل الذى يحمل مؤهلات كبيرة ويشغل وظيفة صغيرة جدا ،ولابد ان نأخذ فى الاعتبار ان غياب التوصيف الوظيفى تترتب عليه عدم وضع الفرد المناسب في المكان المناسب فى المؤسسات المختلفة مما يخلق خلل فى سير العمل و ضعف واضح فى الخطط وعدم وجود رؤية موضوعية من قبل المدير الذى ستتهاوى معه كل مفاصل ادارته لعدم مقدرته فى ان يمسك بزمام الامور لانه يجلس فى كرسى لايتناسب مع قدراته المحدودة جدا فى حين انه فى اغلب الاحيان يرئس من هم اكثر كفاءة منه ، وهذا الامر يفتح المجال واسعا امام المحسوبية والواسطات التى اسهمت فى الفوضى وعدم المؤسسية التى اجتاحت القطاع العام والخاص وحطمت اصحاب الكفاءات والتأهيل العالى. لابد ان ننتبه ان الرزق هو باب يأتى من السماء بشتى الطرق وفى اى عمل نجتهد ونخلص فيها لكن ليس من العدل ان تتلاشى كل المعايير الوظيفية ويصبح المؤهل والتخصص امور لاتسهم فى ان يجد اصحابها مكانهم المناسب لأن فى ذلك ظلما كبير، على كل الطلاب الذين يدرسون فى الجامعات الان ان لايحلموا بعالم سعيد بوظيفة مريحة فى مجال تخصصهم بعد التخرج حتى لايصابون بصدمة عنيفة يعقبها اكتئاب ذهانى حاد وتبقى عليهم (ميته وخراب ديار). [email protected]