في رحلة الحياة الطويلة، القصيرة، استوقفني قدر الأيام في زاوية مظلمة من بلدنا وفي حيرة من أمري ، نظرت إلي القنابل الفتاكة التي سقطت على رؤوس الأبرياء والجثث والأشلاء المتناثرة هنا وهناك ودانات الدبابات وديباجات الدول المصنعة وجموع من الهمج وأصحاب القلوب القاسية الذين يتنقلون بغرب حبيبتي دارفور وشمالها وشرقها وجنوبها ووسطها، لحرق ما تمكنوا من القرى الآمنة بشعلة الحقد الدفين وإتلاف المزارع والحدائق الوارفة وقطع اليابس من الأشجار والأخضر منها وجرائم أخرى ومآسي إنسانية، ذكرها أقلام الاحتجاج والضمير الإنساني سابقاً وظللت أنظر إليها طيلة هذه الفترة بحكمة العقل وصبر القلب، برفقة ذهني الضئيل الذي أنهكه آلام الحاضر، وزرت للتأكد والتحقق ، معسكرات النزوح واللجوء واستمعت إلي اليتامى والأرامل والكهول والشيوخ ، وقصص عن يوميات الجريمة وطرق الهجمات وحكايات رحلتهم الطويلة في عتمة الليل البهيم على متن قارب الخوف بين منعطفات الطرق المتعرجة في مجاهيل جغرافية إرهاب الدولة، عندما انحنى النجم وخاصم القمر السماء ، لعبور الخط الفاصل بين الموت والحياة وتفاصيل أخري يقولون ونبرة الأسى تتخلل أصواتهم وسحب الحزن تحوم في وجوههم وهم يجيبون بأعين شاردة عند السؤال، فحاولت بعد العودة أن أكتب شيئا مع الآخرين ونصحني في ذلك صديق لي بأن تكون الكتابة في وصف دارفور لا عن وصف الجريمة والكارثة التي حلت بها وذلك لتوضيح الصورة الحقيقة لدارفور،لان الكثير لا يعرفون عن دارفور الطبيعة والجمال والمناخ والمناظر الخلابة والإنسان والقرآن والعادات والتقاليد والتراث والثروات ، لأنها منسية في مخازن الظلم والتهميش... ولكن جفاف بلدي امتد إلى قلمي عند الكتابة، فجمعت هذه الكلمات في ذاكرة الأيام ،لأرسلها اليوم لدارفور الحبيبة بيد مرسال الأثير عسى و لعل صبراً تصيبها للأمل القادم . دارفور الحبيبة يا روضة الغربِ وبستانكِ الخضراءُ * ربيع أنتِ والعصفور والغصن جنانٌ أرضكِ لكل زائرٍ * باسقة النخلِ و المناخ والُرمان قمرٌ أنتِ يا دارفور وللورى قصص * نسيمٌ عطركِ والجمال والأفنان عيونٌ من صفاء مائك قد تدفقت * ينابيعٌ من العلياء والتين والزيتون أنتِ النجم والآثار والفلك * أنتِ البحر واللؤلؤ والمرجان أنتِ العادات والتقاليد والقيم * أنتِ الهضابُ الشامخات والعنب كسوتِ الكعبة ولسلطانكِ الفضلُ * دينارٌ وآبارٌ وأوقافٌ وعرفان سلاطينٌ وملوكٌ للتاريخ صفحتهم * عدلٌ وعُرفٌ وأحكامٌ وإحسان تراثٌ من الشعوبِ تنوعت نماذجها * دماءٌ من الأعراق تثري الوجدان كرمٌ من فيض الرجال في كل ناحيةٍ * سماءٌ ومطرٌ وذكر وقرآن عفةٌ من ميراث الطاهراتِ والشيم * قلوبٌ لا تخشى السيوف والميدان زغاريدٌ وأغنياتٌ في كل الدروب * غاباتٌ وطيرٌ وعشب وأشجان واحاتٌ للصحراء تاج زينتها * وبواديٍ للمها وفرسان لنا من الثروات ما تكفي العالمين * إذا اختفى الظلم وذهب السجان لكِ من ودي ما يشفي الفؤاد * وأفديك بروحي إذا هجم البلدان ذكراكِ دائماً عنوان فخرنا * وحنين الأوطان لكِ والسودان هارون سليمان [email protected]