سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الراحل محمد عمر.. مستقيماً كالشعاع
نشر في الراكوبة يوم 13 - 03 - 2012


[email protected]
لو كان بمقدوري أن أوزع محبته للناس كمرور أنسام الهواء العليل لما ترددت في الأمر. وهذا شيئاً عظيماً لو حظيت برعايته وامتشقت سنانه. وهو بالفعل سبقني في ذلك بكل أريحية مطلقة منذ نعومة أظافره حتى فاجعة صباح رحيله المباغت على حين غرة.
صباحاً لم يكن ككل الصباحات التي مرت علينا من قبل. صباح موغل في الغموض ذلك يوم الأحد الموافق 19 فبراير 2012. وكانت تلك اللحظات الدامعة تزدحم بيفاعة الذهول وبعض من عوام الشيخوخة واستثغاء الذاكرة، في صباحٍ يزكم أنفه برعاف وغثاء دافق من رغبتي المفضوحة في التستر على هذه الحالة العصية. لا بكاء يتراخي أمام عظمة الموت واستسقاء ميعاده ولا نحيب يعفر وقع خطواتي المبعثرة بالدم وصدمة أفول القمر نحو حلم الوصول إليه وهو في الرمق الأخير حتى أحظى بوداعه كمثل صنوه وتلميذه الخليجي القح .. صباح أقل ما يقال فيه ..لماذا منحتنا هذه الغربة حزناً سرمدياً إختزلته في تلافيف العبارات الصديئة المكرورة حتى تسافر به بين فضاءات أسراب النوراس؟
صباح مضى فيه بحضرة صندل مهنته وزميله وتلميذه النجيب الوفي البحريني مكي حسن. وما بين الحبيب محمد ومكي ودٌ متصل وعلاقة عمر مديدة وأيام ذهبية لن يتكرر مثيلها. فالعلاقة بينهما أكبر من تصوري البسيط ولا تضاهي ما رأيته وما لم أراه كثيراً. فكل يوم مر من عمر علاقتي بهما أكتشف بأن الصحفي مكي تلميذ يتسع لأشياء الدنيا الجميلة ومن نوع نادر في الوفاء لمعلمه الأكبر وفيما بعد صديقاً عزيزاً منذ أن ألتقيا في بلاط صحيفة أخبار الخليج البحرينية. وأخيراً في حضرة مكي يسافر الحبيب في رحلته الأخروية ويخصه بالوفاء وكأنه يبذل له العطاء ويجزله في آخر لحظات عمره، وكان محقاً في ذلك ومجيداً، فأمثال مكي قلة تحسب على أصابع اليد كلؤلؤة بضة وطيبة على شواطيء أرخبيل البحرين. وسرعان ما يغيب الحبيب عن الوعى مباشرة بعد لحظات من معرفة رحيل أم جعفر، ويأبى إلا أن يسافر بمعية رفيقة دربه، وبذلك يمنح مكي شرف آخر رجل يلتقيه في دنياه الفانية ويناجيه جهراً بسر رحيله المر.
ولهذا كنت دائما تقول لي مسافر .. وتهاتفني بذلك بين الحين والآخر، وتستبد بمسعى حلم الإنتقال إلى الوطن، وقلبك يشتعل ويحترق هياماً بالأهل .. جعفر هنالك وشقيقاتك المفطور عليهن والمجبول بحبهن واعالتهن من الحنين وما يلزم من أشياء أخرى.. وأنت مسافتك فينا أكبر من الذي قيل وقتها يا صديقي وأخي وأبي وعمي وقت أن تصديت لكل وعورة همومي ووحل مساربها و حزّيت كل أشجار شجوني الطويلة ومنحتني فتحاً جديداً باتساع الأرض وقلباً إتسع لي لوحدي كم أظن وأن كان براحاً للجميع.. جربنا الفقد من قبل ولكن هذه المرة طعمه مختلف حيث أنت بذات حميميتك الباذخة وحنينك الفارع وكرمك الطاغي ولطفك الممدود وإنسانيتك الرحبة تختار مرقدك الدنيوي يا أبا جعفر (محمد عمر أحمد عثمان) مباشرة جوار أم جعفر (امال جعفر حسون) في ذات اللحظة وبين فراقك الأبدي ورحيلها لم تمض أكثر من 24 ساعة فقط تماماً ...
مضيت فينا خالداً ومعطراً أرض منامة البحرين في مساء إفتقدتك فيه بشدة وعلى نحو غائر وموجع في القلب.. وأعرف إنني لن أذهب بعدك لمكتب (اليونيدو) المركز العربي الأقليمي لتدريب وتنمية رواد الاعمال والاستثمار التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية مرة أخرى .. ولا المطعم السوداني .. ولا إلى كل الأماكن التي كنا نمضي إليها في بهاء حضورك الكبير .. ولن أتجاسر بعدك إلا إلى مرقدك يا عم محمد حيث تفوح نقاءاً وألقاً، وهنالك سأجد بعض العزاء والسلوى وظلال روحك الأبية..
شكوكي كانت تتعاظم والدموع تحاصرني منذ أن قررت إلغاء ذاكرتي في نداء الرحيل على بعد خطوات من عصر وداعك المهيب في هروبي الكبير رغم إني غادرت المكان آخر الناس، ووزعت دمعي على كل الشوارع حتى غضيت بصري وجلاً وإجلالاً في مواجهة (منطقة الدبلوماسية حيث مكتب اليونيدو)... غرست بعض ملامح ذلك الزمان والوقت نهاراً ونحن في نضارة كرمك وجميلك الذي يمتد في الخفاء بسر مقدس ومغلظ لا تحب أن تسر به لأحد .. وهكذا عرفتك جميلاً كما عظمة الموت التي قهرتنا وقتها ونحن نعانق صبر خالد ودموع ياسر وشبح جعفر وبعض روح الجميل النادر الوفاء مكي حسن ..
أتذكر في شجني كثيراً من شفافيتك ومحبتك وأنت تلح على في الحضور إلى معراج قوسك المنصوب أعلى سارية خوفك علينا من هذه الدنيا والتي لا تساوي شيئاً كانت عندك .. وأنت تصر أن تقهر قبحها بالجمال والبسمة والإنسانية الفريدة ...
وتقول لى .. خلينا نتلاقى يا الحبيب!
أزيك يا الحبيب وأزيك يا حاج وأزيك يا أبوى ... وقت الموت إختارك ووداك قدامنا وأكيد فايتنا .. عقبالنا وكلها أيام ...
كنت أبي قبل أن تكون أخي وأنا على يقين كامل بأنك كنت كل شيء في حياتي يوم أن وجدت نفسي هنا في بَرك وبحرك ومحط إهتمامك ورعايتك.. ولم لا أقول أنت أجمل الناس وستكون!! ..
ولذا رحلت تلحق بأم الناس وأم جعفر .. وكنت في عنفوان أصرارك الكبير لست مضطراً من جرأ خوف خشخشة مسغبة كما أعرفك ماذا تود أن تقول وأنت في حالة بهاء وصفاء .. وأنت تقول لي قبل رحيلك بثلاث أيام فقط لتخبرني بآخر ما يتصل بصحتها وأنت المبادر بذلك .. وهكذا دوماً حالك معي .. وألح عليك أولاً حتى أعرف (صحتك كيف؟) .. تبادرني بالقول .. (انا هين) ... مثلما قلتها للجميل مكي .. (انا العايش ليها شنو تاني) ..
هين كنت في مواجهة الشدائد وحصار الحياة وما أنفكيت تنده لنا بالعافية يا ملح غربتنا وجرحنا الدامي.. ويا زيت قنديلنا المقدوح من نطفة حب كبير وقلب عامر بالايمان والشجاعة واليقين..
لأن الفقد عظيم وجلل في قامة مثل الأستاذ الأب محمد عمر لذا نكون عاجزين على أن نقول شيئاً سوى الصمت في جلال الموت وكلنا نعرف قدره، وإنسانية عمنا محمد التي طوق بها الجميع ..
في أحيانٍ كثيرة كنت أحس بأنه يخصني لوحدي بنبله ورعايته ولطفه وقصصه الفائقة الروعة التي فاقت حد تصوري وأمتناني .. وأعلم أنه كان يكتم كرمه وجميله على الجميع، وحتى أنت لا تكتشف ذلك إلا بمحض الصدفة وربما عابراً كقوس قزح في تقاسميه، وحينها كم يكبر عندك بحجم جديد كثمرة حب إنساني صادق ونبيل..
وفي الخاطر حرقة ولوعة وألم بعد أن سلك مفازات الرحيل وانطوى على قدر جديد لا نقوى على مواجهة حقيقته المرة .. وعدته بالزيارة وفشلت على قدر كبير .. زيارة بعد إتصاله الأخير قبل أن يودعنا عند مداخل أرخبيل وداعه بنحو ليلتيتن ونهارين ويوم كامل كدت فيه أن أكون قاب قوسين أو أدنى، وأقتربت منه كما أظن على الأثير مهموماً ومحموماً بتداعيات رؤيته غير المكتملة في منزل شقيقه الصحفي الاستاذ على عمر أبو ياسر، ولكنها أقدار الدنيا التي حرمتنا من أعز الناس حين إنتصبت أمشاجنا وتألفت في الوصول إليه لنودعه في مشهد جليل إهتزت له البلد.
سيان عندي القول يا نخل أيامي الحزين والهميم ما زلت أنتظر وصدري مشرعاً للريح وميزاب مطرك الصبي يا صديقي.. كلنا تحت ظل جذعك الوهيط وجريدك الممدود. وفيه يتساقط تمرك النضيد.. وأصطلي بطول قامتك وهامتك ولا أطول إلا أَسَاى وأنت تصنع لي لعبة الطاب وغيرهن كأنس شفيف لوحشتي وضنين صبري وعوز أيامي وضنك فقدك.. وهناك ألتقيك هنيهة تحت حرازة وهجك الأنيق هارب من زلزلة قلمك الباتع الذي لا يعرف أن يتجشأ من طيب موائد الغير إلا في حضرة الوطن النبيل .. وبالمقابل التقيك هنالك أيضاً تحت ظل تبلدينا في إنتظار عودة السمبر وميلاد أوراق التبلدي الخضراء مع بدء الرشاش وموسم طق الشجر ..
وهنا ما بين نوارس بَر (الدبلوماسية) وعصافير حنينك .. أدرت دفة بانوشك بأقتدار، وحنكة نوخذة جدير بالثقة في تحمل صعاب مرحالك في أعالي الخليج .. ومضيت وسيماً مع الحقيقة ورياح الزمن وكل طيور الدنيا وأم جعفر ..
أعرف قدرك ومكابدتك في نقل المشروع برمته إلى بلادنا وكيف سلكت الدروب مع آخرين سمقوا بشعبنا .. وفي ذلك وفي ظل تشظي واستسلام البعض بنتف وبتر ساق الجنوب الهطيط والحبيب .. كنت تناكف وتجالد وتناضل ليصل مشروع النموذج البحريني لأرض الباباى .. وفتحت قلبك وعقلك لهذا الحلم من أجل أن تتفتق أغصان المشاريع الصغيرة والمتوسطة عن أوراقها وتمد الناس بالحياة. وقطعت في أفياء الحلم أميال من الغابات برفقة الابنوس والوحوش تجوس ولا تلتفت مقدار ميل من الفزع، والهلع، والرهبة، والخشية، والوجل، والشفقة، والتعب .. ومضيت قاطعاً شاسع المسافات والوهاد.. وكم عقبة كؤود وقفت في طريقك .. أزحتها بلا كلل وبلا ملل.. وتقول لي بكل بساطة.. لا شيء سيعرقل إندياح ثمار المانجو طالما يرغب أهل الجنوب في التموضع والتوغل في صنع السلال من جباريكهم والانعتاق من ربقة الحرب الضروس وعبادة وثن القبيلة .. كنت محقاً إلى حد كبير وأحمد الله وقتها لم ترتطم وتصطدم أمنياتك برجاف السياسة ومافيا خيل البنادق وتونج البيوتات الجديدة التي لا تزال تنتج أعشاب النيل بشغف وجنون يتعاطي إدمان الكرسي الوهيط، ولكن تتبخر كل أمالك هدراً بفعل مناخات العسكر والعثنون.. والعشب يسد كل أفق النيل المترامي الجريان ويشله ويعجزه .. لذا أطلب منك أن تضع يدك بإستمرار على علبة الأكسجين حتى تتعافئ من الغبار الذي تثيره أفيال الغابة رغم أن في فضلاتها الجافة البلسم الشافيء من أفتك اللعينة كما حدثني جدي في تجربته التي عايشتها يوماً بيوم وقت أن كان يجلب له عمي حشائش الفيل من غابات الإستوائية.. ولو أعدنا إنتاجها في لفافة دخان من جديد في ورق مصنوع من فخار العنج لنجحنا في علاج أوجاعنا وأوصابنا وفتورنا الوطني..
أجل رهنت المشروع إلى آخرين هنالك ما زالوا يقلبوا كفيهم تارة في سماء النصوص وتارة في جيوبهم ويغمسونها بدهن الدجل والجدل.. ومات الحلم رويداً رويداً قبل رحيلك وقبل أن تدري أنت بذلك ..
برهة من الوقت تستجلي فيها ناظريك، ومحاجرك تمنعك من أن تثقب حاجب الخواء الممتد فينا وأن تقيم فيه منزلاً للاتَرَاح..
وبصوت خفيض تنادي على (اونوب) الأنيق وتقول له بأدب عظيم وطلب أب رحيم من إبنه ..
Excuse me .. I would like to want one red tea with a little sugar for Mr Nasir
وتستدير وتميل على وتسألني بعبق ورائحة السكون وجلال الانسان الطاعن في السن وفيزياء القول التي (تشده) بها مسامعنا بالوقار وسعة الروح.. قهوة أفضل!
ولا أرد لك طلباً ولكني أقولك لك: الساهل والجاهز ..
وتمطرني بسحب كثيفة من النقاء .. خالية من كيمياء العناصر والمتزاحمون على بابك وعشاق دارتك وعشيرة وجهاء المدينة وفقراءها ومطاليقها وسمارها.
أكمل كيفي بروحك الخلاقة في الحكي عن ما يخصك في الحنايا والعميق وعن مآلات وطن ينتهي إلى الهاوية ولا يبقى من صموده شيئاً حتى تنفجر في نوبة من السعال .. تحتاج معها لتناول المضاد لكى تستعيد عافيتك وتستمد أكسجينك من الوطن وليس من نفث تلك العلبة المعدنية الصديقة..
أزمتك أزمتنا جميعاً ..وأنت محتكر للعلبة الصغيرة بين يديك كلعبة بين يدي طفل غرير.. وقت أن تدلق على دفاترنا عظيم المشاريع الكبيرة وتصيبنا بالخمول والفشل في مقتل.. وعندها لا تضج ولا تثور بل تبرق سماءك وتفور بالضياء والغيث..
وتحزم حقيبتك كعادتك وتهرول حين حضور (حنان) بسرعة البرق وتمضي وتقول لي خليك على اتصال بنبرة حب حانية من أب رحيم وأمل يا أجمل الغابات التي إستطالت في العدم والغياب ... ثمر ومحبة .. وظل وارف وخميل ..
وتتركني أتلفت بقلبي في خواء سامقات مباني (الدبلوماسية) على أمل وعد جديد باللقاء وكلي لواعج من الشوق والضنى..
كم أضحيت غنياً بهذا الجميل كلما أشرقت علي شمس جديدة في منامة البحرين .. غنياً بإسراف وبلا كلفة في يمه المحقون بطمي المطر .. وفقيراَ من خطوط شعاعه المستقيم يا مستقيماً كالشعاع أوان الشروق والغروب، وهكذا جئت نبيلاً وجميلاً ولطيفاً ومضيت..
( ما الحب؟.. هو النهوض من أمام الروح ونثر الروح أمام الحبيب) .. "فريد الدين العطّار" ..
صعدت خفاقاً ومتسامياً إلى تل الراحة الأبدية حيث الخلود ونقطة المنتهى وفالق الروح الذي إنتبذ ربذة بعيدة وقصية في الزمان يتقي بها شر الخناس وأولئك الذين كانوا يصنعون من مده الحميمي وإنتشاره حائطاً قصيراً لأحلامهم المؤودة على صخرة سيزفهم المرتهن إلى بلاغة الصعود المتأخر في زحيحه للإرتماء في حضن كرسيك الباهر .. يتسورون أوهامهم للصعود وما صعدوا ألا هبوطاً يوم صعدت إلى بارئك في كامل أناقتك وبراءتك وايمانك المدهش بحتمية الحب والخير والحق والجمال ..
وانت لا تلح إلا في الزحف نحو مدائن المودة ويدك الممدودة ممتلئاً كأبريق الرضأ تتطهر به غافلاً عن تلك الهمهمات والنمنمات التي كانت تصنع لتهشم ذاتك وأرضيتك الصلبة التي صنعتها بقوة صمودك في مدائن الحب والحياة .. وها أنت تصعد إغتسالاً طيباً بصمتك المهيب وسمتك الوافر في حضرة كل الأذى والمصائب التي ألمت بك يا صنديد الكلمة وفارسها الأمين وتحيل ذلك الواقع إلى منمنمات بديعة وزاهية من شجيرات الألفة..
ما خنت حتى شرف تلك الكتابة التي كانت ترهقك وتوهن عضدك وضلوعك وأنت تسافر في الثانية أكثر من مرة ما بين المعاني الجميلة وحبك للناس ودكتور هاشم حسين وغدير وايهاب... وكلهم حتى نوارس الامم المتحدة المتدفقة والتي تحط رحالها بين اليوم والآخر بالمنامة... لترسم لنا لوحة همك اليومي الذي يشغلك عن كل شيء إلا مهمة أن تتحدث عن التنمية في العالم الثالث متوهطاً حلمك الأبدي بلادنا الطيبة وبين دفتى أحلامك المشروع البحريني.
تلك الأرض التي منحتها بعمق وبصدق، ما لم تمنحه لنفسك .. منحتها كل شيء جادت به روحك الوثابة وقلمك الكبير على إمتداد أكثر من ربع قرن كامل .. زمن امتد إلى ما يقارب الأربعة عقود.. أفرغت فيها رحيق عمرك وسكبت فيها عصارة جهدك ولم تنتظر قبس من ضوء ينير لك عتمات أزمتك الوحيدة، ومع ذلك لم تلم أحد..
من غيرك يسقي يباب معرفتي ويسند إدمانى للورق؟، وأنت رياح غمامتي التي نثرت لقاح المطر على تربتي وتوافقت على منحى مساحة للبراعم الخضراء لنمو الكثير من أعشاب الأمل والحب..
دمت يا باسق الطلعة وشريف الكلمة عابراً صراطك على مهل وبإذن الله تعالى.. أسال الله لك مرقداً طيباً وجنة من الخلد في مثواك الأخير بثرى المنامة ..
طيب يا الحبيب طيباً في مرقدك .. ولسان حالك حين مضيت لتحقق راحتك الأبدية (متين أطيب من الالم وأرتاح) .. بأذن الله - عز وجل - مع الصديقين والشهداء .. والمسلم من سلم المسلمين من لسانه ويده، ويكفيك ثمانية عقود وأنت في هذا النعيم يا تساب أيامي العضير..
- - - - - - - - - - - - - - - - -
تم إضافة المرفق التالي :
55.JPG


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.