صدق أو لا تصدق عزيزي القارئ ، إن تكلفة تنظيف جرح في أصبعك الصغير في مستشفي وادمدني تكلفك 52 جنيه بخلاف ثمن المشرط والشاش والديتول . وفي عيادة جامعة الخرطوم يدفع الطالب مبلغاً لا يستهان به نظير الأدوية أو خلع السن ، وإن لم يكن معه ما يكفي فليذهب غير مأسوف عليه . وكل المستشفيات الحكومية تفرض رسوماً باهظة علي المترددين عليها من المرضي وغير المرضي تحت مسمي تذكرة دخول . وتدفع الحكومة سنوياً ملايين الجنيهات من الخزينة العامة لشركات التأمين الصحي التي تتبع بشكل أو بآخر للمؤتمر الوطني . وتربح هيئة الإمدادات الطبية من تجارة الدواء دون أن تنال الخزينة العامة نصيباً من تلك الأرباح الطائلة وصارت المراكز الصحية الحكومية ممتلكات خاصة بأفراد لا يعالج فيها المرضي إلا بمبالغ باهظة واقتطعت الرأسمالية الطفيلية أجزاء مهمة من مستشفيات امدرمان وبحري من أجل إنشاء معامل ومستوصفات خاصة وتم تجفيف المستشفيات العامة من الأقسام المهمة ومن الأدوية والدكاترة من أجل أن تغلق وتباع في المستقبل القريب ويجري بيع أرض مستشفي العيون علي النيل ، وعلي مرضي العيون الذهاب للمستشفيات الخاصة . ولا يجد فقراء بلادي غير القرض واللالوب والحرجل وسيلة لتخفيف الألم أو طلب الشفاء وكل ما احتج الناس علي إغلاق مستشفي حكومي ردت عليهم الإنقاذ بتجفيف مستشفي آخر . وكلما ثار الناس ضد وزير الصحة بالخرطوم ، تمترس الأخير بالوالي ورئيس الجمهورية ولا يعلم هؤلاء أن معظم أطفال الفقراء يعالجون في حوادث مستشفي جعفر بن عوف للأطفال بثمن قليل ، ولكن الحوادث جري إغلاقها والمستشفي نفسه يجري هدمه ولا يهم موت الأطفال طالما دارت دورة رأس المال . يقتل النظام أطفال بلادي مع سبق الإصرار ، من أجل أن تربح رأسمالية الصحة من مستوصفاتها الخاصة . وتطحن الملاريا العمال والمزارعين ، ولا تحسب الطفيلية حساباً لذلك طالما كانت العمالة الأجنبية تجلب فائض القيمة وعندما لم يكن هنالك بترول ، كان العلاج مجاني والتعليم مجاني لأن الكيزان كانوا خارج السلطة وعندما سرق هؤلاء مال البترول ، وأهانوا الشعب بالضرائب الباهظة سحبوا مجانية التعليم والعلاج وأكلوا مال الحجاج في مثل هذه الأحوال لا تجدي المذكرات ، ولا النداءات لأن إغراء الدولار أهم من حياة الفقراء والمساكين . ومن دروس التاريخ فهمنا أن الذي ( يمسح ) الناس والمستشفيات لا بد أن يمسح هو الآخر من أجل أن تستعدل الحياة . وعندما ينتهي المساح من عمله ، تزدهر المستشفيات الحكومية ، ولا يموت الناس بسبب ضيق ذات اليد أما من أين يبدأ المساح مهمته المقدسة فمن ميادين أبوجنزير في الخرطوم والحرية في مدني والأبيض ، ومن ورش السكة حديد ولا عزاء للجنجويد الميدان