بدون تخطيط مسبق كانت زيارتى الى كسلا الجمال، المدينة التى لم نقدر قيمة البهاء الذى فيها وحولها ككثير من مدن السودان الرائعة ،التى وهبها الخالق المبدع كنوز من عطاء، مع ذلك الجمال الفطرى المترع الذى ليس للانسان فيه الا الاندهاش والتأمل... واستشعار المعانى ....بين خيال لايحتويه الوصف نعم.... كسلا التى بين الاشواق وعلى همسات الشعر تدوزن نغمات العشق، وتسرق الاحساس اليها كسلا التى تذوب عطرا وسحرا ، وهى تتدثر بغطاءها الاخضر اليانع، تساقرمن غير استئذان بكل روعتها المنسابة ...بين الحب والكلمة... او تسرى فى شرايين الصبابة ....زعفران مودة وكرنفال هيام بينها وبين الروعة صلة قربى، بل تشربتها الروعة هواء ونار... وماء ...كسلا التى جلس الجمال فيها وتغلغل بين حناياها اشرق منها وفيها وبها.... تقمصها الحنان ...هدهد جنباتها ...حرك المعانى كما يحرك خرير مياه القاش هواء الفجر العليل المغسول بالنقاء .... كسلا التى تراقص وريقات الاشجارفيها رياح المساء او كما تداعب القبلات جبين القمر... وبين كسلا ونور القمر حكاية واسطورة فيقال ان كسلا تعشق القمر ولكننى اكتشفت بأن القمر يعشق كسلا فالقمر يرسل اطرافه الفضية يلامس ليلها مداعبا شعرها الفاحم،فينسكب لونه الساحر، وقد ايقظ رغم تسلله خلسة الجمال النائم بين الماء وفوق الشجر فذاب نوره بين الهواء قبل السحر .... فكانت لغة لم يترجمها حتى جهابذة المعانى ... اذكر ذلك اليوم حينما اكتشفت صباحات التاكا وكم كانت هيبة الوصف ،وخوف الكلمة التى ظلت صامتة متكلمة ولم ادرك لماذا سكتت الحروف عن الكلام المباح ،وانا امعن النظر فى جبل التاكا المتمدد بين الكلمة والجمال والشمس تكتب بدون حروف على مساحات كسلا ....تمعن فى وصف اتكاءة الحدائق على ضوء النهارولم اعلم ان الحروف تتكلم الا حينما ايقظت دهشتى استرسال المعانى وهى تمارس سطوتها على الخيال تسابق الوصف... فى دغدغة المشاعر فتظل النفس مفعمة باالانشراح، قد فتحت القلوب نوافذ للتامل فى ابداع الله العظيم فعلمت ان الكلمات لم تتعلم كيف تجد المعايير فى رسم لوحة كسلا، على الاحساس وان الافصاح عن التشبيه اصبح اكبر من المشبه به، فعرفت لحظتها ان روعة المنظر ظل فى خاطرتى اكبر من الدهشة، وامتع من الخيال... لم المح من قبل لون الشفق وهو يتهامس مع الافق ،ويتدثر فى جبين القاش وهو ينظر لعيون الفجر المشرقة ، تكسو الاخضرار اخضرارا .... والتاكا نضارا والازهار..... تزهو كما الحوريات، وهن يبحرن فى موكب النهار القزحى البهيج... فعلمت ان الكلام المباح لايمنح المعانى... ترفها واريحيتها الكافية ... حتى تشرح بالوصف ابجديات التأمل العميق.... فى زوايا تلك المدينة ...المتمكنة فى قلوب الشعراء. منتصرنابلسي [email protected]