فى ختام مقالاتنا حول المسكوت عنه فى التاريخ السودانى والذى نؤكد انعكاس اثاره على الصعيد الاجتماعى والسياسى والاقتصادى من خلال السلوك اليومى بين السودانيين من خلال استعلاء المجموعات العربية الاسلامية التى ظلت تمثل على الدوام فى دور الكمبرادور (المتعاونين مع المستعمر) على المجموعات السودانية الاخرى ( المضطهدة من قبل السلطة المركزية) كنتاج طبيعى موروث منذ فترات سيادة المستعمرين على السودان والتى تمت وراثتها بعد ماسمى بأستقلال السودان واكثر مايمكن ان يفضح ذلك هو ما ساد من استرقاق فى فترة المهدية والذى قاد فيما بعد الى اكتساب رأس مال اجتماعى ومادى يتمظهر فى وضوح فى الثراء الفاحش الذى يتمتع به ال البيتين الكبيرين ( آل المهدى و آل الميرغنى) وهما المكون الرئيسى لبدايات العمل السياسى فى السودان حيث من المعلوم سيطرة البيتين على طائفتى الانصار والختمية و من خلفهما حزبى الامة والاتحادى ( بكل خشوم البيوت) و الذان ظلا يسيطران على دفة الحكم فى السودان الى قيام انقلاب الجبهة الاسلامية والذى كان بعلم السيد الصادق المهدى حيث اننا نجد أن الامر لا يتعدى أن يكون بمثابة تبديل الادوار داخل التيار السائد والمسيطر فكم يقول المثل البلدى ( مافى فرق بين الورل وشوربة الورل) فالقيادة السياسية للجبهة الاسلامية فى ذلك الحين والتى كان على رأسها حسن عبد الله الترابى لا تعدو أن تكون سوى الوجه الاخر للعملة بل ان اواصر العلاقة تمتد الى اكثر من ذلك حيث تجمع الترابى علاقة مصاهرة بالسيد الصادق المهدى من خلال زيجته لوصال المهدى و كذلك سلسلة التزاوج السياسى الممتدة بين حاكمى السودان من ابناء المركز مما كرس نظام القرابة فى حكم السودان بعد ان تأسس رأس مال اقتصادى اساسه الرق حيث كان الرقيق سلعة استراتيجية بالنسبة للمهدية كما كان بالنسبة للتركية، فهو مورد استراتيجي للجند، ولليد العاملة في الإنتاج والخدمات وقد وصف سلاطين باشا سوق النخاسة بأمدرمان بقوله: "في أم درمان هناك منزل بني بالطوب واللبن يقع شرقي بيت المال، وعلى مسافة قصيرة منه ومطل على ميدان، يعرف باسم سوق الرقيق. وبذريعة رغبتي في شراء أو استبدال بعض العبيد، كنت كثيرا ما استأذن الخليفة لزيارة السوق ووجدت فرصة كافية لمراقبة سلوك وأسلوب العمل والعاملين فيه. وهنا يتجمع تجار الرقيق المحترفين لعرض ما لديهم، حيث يقف حول حوائط المنزل عدد من النساء والفتيات المعروضات أو يجلسن. وتتراوح أعمارهن من العجوز المتهالكة من العاملات شبه العراة، إلى السريات الفاتنات اللاتي يرتدين الملابس البهية. ولما كان ينظر لهذه التجارة كعمل طبيعي مشروع، فإن المعروض للبيع من الرقيق يتم تفحصه جيداً من الرأس وحتى القدم وبدون أي قيود على عملية الفحص وكأنهن من الحيوانات. يفتح الفم للتأكد من سلامة الأسنان، كما يعرى الجزء العلوي من الجسم والظهر لتفحص الأذرع بعناية. ثم يطلب منهم المشي عدة مرات ذهاباً وإيابا حتى تكون فكرة عن حركاتهم وطريقة مشيتهم. ثم توجه لهم عدة أسئلة لمعرفة مدى تمكنهم من اللغة العربية. وخلاصة الأمر، فإن عليهم الخضوع لأي اختبارات يرغب المشتري الواعد في توجيهها. أما السريات والخليلات فيختلفن في أسعارهن. وهن لا يعطين أي أهمية لعملية بيعهن ويعتبرنه أمرا طبيعيا ولا يتوهمن بأن يعاملن بطريقة مختلفة عما سبق ذكره. ويمكن للمرء أن يرى أحيانا، من التعابير التي تبدو على المرأة أو الفتاة تأثرها بهذا الفحص والتمعن الدقيق في جسمها. وربما جاء ذلك لكونها كانت مع سيدها السابق تعامل معاملة الخادمة أكثر من العبدة أو ربما ينظر إليها كواحدة من الأسرة، وإن جلبها لهذه الحالة التعسة إنما كان لسبب قوي خارج عن إرادة سيدها أو بسبب سلوك كريه غير إنساني من قبل سيدها السابق. وعند فراغ المشتري المتوقع من تفحصه لها وإمعان النظر يتحول إلى البائع ويسأله بكم اشتراها وإن كان لديه واحدة أفضل منها معروضة للبيع. وربما يشتكي من أن وجهها ليس بذلك الجمال أو أن جسمها غير متناسق أو أنها تجهل العربية... وهكذا، بغرض تخفيض سعرها لأقل ما يمكن. من الناحية الأخرى نجد أن البائع يبذل كل جهده لإظهار حسن خصالها وجاذبيتها... إلخ. هذا ومن بين الخصال الكثيرة غير المرغوب فيها، والتي ترغم البائع على تخفيض سعره، الشخير، وسوءالطبع والسرقة وغيرها. وعندما يتم الاتفاق على سعر البيع تكتب ورقة المبايعة وتوقع. ثم تدفع القيمة فتصبح الأمة بعدها من أملاك السيد الجديد. يتم الدفع بالعملة الجديدة المحلية وتكون الأسعار عموما كما يلى: العبد كبير السن من العمال 50-80 ريال. إمرأة متوسطة السن 80-120 ريال. البنات من سن الثامنة حتى الحادية عشرة، وحسب جمالها 110-160 ريال. السرية، وحسب جمالها 180-700 ريال. وقد كانت النساء من الرقيق تفصل حسب الاتى: الأمة، الخادم أو الفرخة، هو الإسم الذي يطلق على المرأة المملوكة. وهناك درجات لعلاقة الرجل بالمرأة المملوكة له حسب الأعراف وأحكام الشريعة تتمثل فى : الجارية: هي المرأة المملوكة التي يستمتع بها مالكها على قاعدة "ما ملكت أيمانكم." الخليلة: السرية: هي التي يتزوجها مالكها دون أن يعتقها. أم الولد: هي الأمة التي تنجب ولدا من مالكها. المعتقة: هي الأمة التي يعتقها مالكها ويتزوجها. ولنضع فى الاعتبار أن كل هولاء الذين يمارس عليهم الاسترقاق من القبائل غير العربية وغير المسلمة اى الجنوبيين عموما والنوبة والانقسنا ...الخ وهكذا تأسست الضيعات الضخمة والمزارع الكبيرة التى يعمل فيها هولاء الرقيق دون مقابل لانتاجهم اليدوى حيث تباع تلك المحاصيل وتدخل اموالها جيوب السادة وهذا يفسر لماذا ظل ال المهدى والميرغنى واعوانهم من الاسر العربية تمتلك تلك الارصدة الضخمة من الاموال دون ان ان تجد لهم مهن او اعمال واضحة يمارسونها فقد ظلوا يستفيدو من هذه الامتيازات الى يومنا هذا حيث تتكرس السلطة والثروة فى مكان واحد مهما تبدلت الحكومات و ما المناصب التى يشغلها ابناء البيتين فى حكومة الجبهة الاسلامية كمستشارين للدكتاتور البشير الا اكبر دليل على مانكتب و قد ظلوا يكرسون لهذه الوضعية بوعى و تخطيط بائن حيث رفضوا سياسات الانجليز القاضية بمنع الرق فى السودان عام 1899م حيث بعثوا مذكرة لمدير المخابرات البريطانية نصها : مذكرة من السادة: على الميرغنى، الشريف يوسف الهندي، عبد الرحمن المهدي 6 مارس 1925م إلى مدير المخابرات، الخرطوم. نرى من واجبنا أن نشير إليكم برأينا في موضوع الرق في السودان، بأمل أن توليه الحكومة عنايتها. لقد تابعنا سياسات الحكومة تجاه هذه الطبقة منذ إعادة الفتح. وطبيعي أننا لا نستطيع أن ننتقد أمرا توحد كل العالم المتمدن لإلغائه، وهو واحد من أهم الأمور التي يعنى به القانون الدولي. على أن ما يهمنا في الأمر هو؛ أن الرق في السودان اليوم لا يمت بصلة لما هو متعارف عليه بشكل عام. فالأرقاء الذين يعملون في زراعة الأرض، شركاء في واقع الأمر لملاك الأرض ولهم من الامتيازات والحقوق ما يجعلهم طبقة قائمة بذاتها، ولا يمكن تصنيفهم كأرقاء بالمعنى العام المتعارف. وأهل السودان الذين ما يزال لهم أرقاء في الوقت الحاضر، إنما يعاملونهم كما لو كانوا أفراد من العائلة، بسبب احتياجهم المتعاظم لعملهم. ولو كان لطرف أن يتظلم الآن، فهم الملاك الذين أصبحوا تحت رحمة أرقائهم. وكما تعلمون تمام العلم، فإن العمل في الظرف الراهن هو أهم قضية في السودان، ويتطلب علاجها الاهتمام الأكبر. فالحكومة والشركات والأفراد المهتمون بالزراعة يحتاجون لكل يد عاملة يمكن الحصول عليها لتسهم في نجاح المشاريع. ولابد أن الحكومة وموظفيها، قد لاحظوا خلال السنوات الماضية، أن أغلبية الأرقاء الذين اعتقوا، أصبحوا لا يصلحون لأي عمل، إذ جنح النساء منهم نحو الدعارة، وأدمن الرجال الخمر والكسل. لهذه الأسباب نحث الحكومة أن تنظر باهتمام في الحكمة من إصدار أوراق الحرية دون تمييز، لأشخاص يعتبرون أن هذه الأوراق تمنحهم حرية من أي مسئولية للعمل، والتخلي عن أداء الالتزامات التي تقيدهم. وبما أن هؤلاء الأرقاء ليسوا عبيدا بالمعنى الذي يفهمه القانون الدولي، فلم تعد هناك حوجة لإعطائهم أوراق الحرية؛ إلا إذا كانت هناك حوجة لإعطائها لملاك الأرض الذين يعملون لهم. وإنه لمن مصلحة كل الأطراف المعنية، الحكومة وملاك الأرض والأرقاء، أن يبقى الأرقاء للعمل في الزراعة. أما إذا استمرت سياسة تشجيع الأرقاء على ترك العمل في الزراعة والتسول في المدن، فلن ينتج عن ذلك سوى الشر. نتمنى أن تأخذ الحكومة هذا الأمر بعين الاعتبار، وأن تصدر أوامرها لكل موظفيها في مواقع السلطة، بأن لا يصدروا أي أوراق حرية، إلا إذا برهن الأرقاء سوء المعاملة. فهكذا يرى السادة شيوخ الدين الجلابة ان حرية الانسان ليست حق طبيعى مالم يعامل معاملة الانعام و هولاء هم قادة المجتمع الاسلامى عروبى فى السودان وهم بالتالى يمثلون السلوك الطبيعى للمنتمين اليهم عرقيا وثقافيا وهذا هو اساس المعاملات بين السودانيين وهذا هو مايفسر لماذا كل الوظائف السيادية والقيادية وكبار ملاك رؤس الاموال هم من هذه الانتماءات والتى ظلت على الدوام محمية بالعنف المادى و المعنوى مقابل وجود الاخرين فى المهن ذات الطبيعة اليدوية والتى لاتدر من المال مايكفى رمق الحياة وعلى ذلك المنوال كان التعليم والتوظيف و الاعلام وحتى على مستوى المزاج ظلت الاغنية المغناة باللغة العربية وخصوصا اغانى اولاد امدرمان هى الاغنية السودانية كأنما غناء المحي ساو البجة او الفور اولنوبة او الانقسنا او الزغاوة او المساليت ...الخ ليس بالغناء السودانى وكذا اقيمت العلاقات الخارجية للدولة السودانية فالدول العربية ولو كانت فى قارة اسيا هى دول شقشقة اما ان كانت اوغندا او اريتريا او افريقيا الاوسطى فهى دول افريقية فقط لم تصل لان تصف بالشقيقة و يوضح ذلك فى الاعلام الرسمى و عليه فأن التاريخ الرسمى فى الدولة السودلنية لابد أن تعاد كتابته و تذكر فيه الوقائع الحقيقية وذلك حتى نستطيع ان نحلل ذلك الواقع و نعيش به حاضرنا ونستشرف به مستقبلنا فالحروب والفشل الذريع للسودانيين يأتى السبب الرئيسى فى المقام الاول فى راى شخصى الضعيف من عدم معرفة السودانيين لانفسهم وبالتالى ظلت كل سياسات الحكومات المركزية تنطلق من مفهوم احادى كرس للعنصرية والتخلف و الدمار لن نخرج منه الا بوعىينا بذاتنا واول ذلك هو معرفة التاريخ واعادة صياغته ليعكس الواقع الحقيقى للسوذان وهذا مقصدنا من هذه المقالات و سنكون شاكرين بتعليقاتكم من اجل المعرفة و المسير نحو ثلة الضوء لواقع ومستقبل افضل لوطن يمكن ان يسع الجميع . الشاذلي تيرا [email protected]