سطر جديد فى خلال فعاليات إحتفالات جامعة الأحفاد للبنات بيوم المرأة العالمى والذى درجت الجامعة على تسمية تلك الفعالية بأسبوع المرأة، قدمت طالبات الجنوب بالجامعة فقرة رائعة من الرقص الشعبى فى الجنوب ، هذه الفقرة أثارت الشجون والحنين الى هدير الطبول الإستوائية الصاخبة والتى تراقصت عليها أعواد الأبنوس الرشيقة الجميلة، فكان المشهد قمة فى التأثير لدرجة أن بعض الأعين فاضت بالدموع وهى تتذكر الوطن الجميل الكبير الذى كان . وما من أحد من أبناء هذا الوطن بشماله وجنوبه - الذى رحل - لا يهزه رزيم الإيقاع الأفريقى الساخن فهو بعض من جيناتنا التى تتأبى على الإستئصال رغم غلو و(حلقمة) دعاة النقاء العرقى الذين يحسبون أنفسهم أكثر نقاءً من بنى هاشم ، ولو تأمل هؤلاء فى سحناتهم لأدركوا دون مكابرة أنهم محض تلاقح بيولوجى وثقافى ما بين العروبة والدماء الأفريقية . هذه الحقيقة التى لا تحتاج الى إثبات فطنت لها الطرق الصوفية فى السودان قبل بضعة قرون فجعلت من الطبل و(النحاس) وسيلة منطقية لنشر الإسلام بكل سماحته ورشده فى المظان الأفريقية فأقبل الناس طائعين غير مجبرين الى القيم الرشيدة . إن من يظنون أن بإمكانهم تفصيل هوية جديدة ذات مكون عرقى أو مذهبى أو جهوى لهذا الشعب هم قطعاً واهمون ، فالهوية لا تمتثل لتوجه أو قرار سياسى ، ولا تخضع لسطوة نظام أو دولة ، ولا تصنعها أبواق ومنابر إعلامية مهما حازت من علو الصوت والصخب ، فهى بعض من كيمياء الجسد والروح ، ولنا ولهم فى هتلر وقوبلز وماكينة دعايتهم النازية الإستئصالية عظة وعبرة . وفى هذا الشأن كتب الأستاذ محجوب محمد صالح يقول : ( لقد وقع الإنفصال السياسى ولا ينبغى أن نسمح له بأن يتحول الى إنفصال وجدانى، فعندنا من أسباب التوحد الكثير لو أحسنا إستغلاله ، وعندنا من مصادر (القوة الناعمة) ما يمهد السبيل لعلاقة متميزة ومتطورة تحافظ على إرث السودان الكبير ، وعندنا من المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة ما يمكننا من إنجاز مشروع رائد للتكامل والتعايش بما يتجاوز الإنفصال السياسى ويحافظ على الوحدة الوجدانية ) . إن الإتفاق الأخير الذى أبرم فى أديس هو خطوة إيجابية فى الطريق الصحيح وإن جاءت بعد مخاض عسير من المماحكة والمكابرة ولعبة (عض الأصابع) التى أضاعت زمناً وأهدرت موارد كان الطرفان فى أمس الحاجة لها ، ولكنا نخشى عليه من الحلاقيم الصاخبة وشذاذ الآفاق الذين تباروا فى الرقص والإحتفاء بالإنفصال ، واستهجنوا الحزن فى أعين الناس وهى ترى الخارطة الجديدة للوطن كأنها بقايا ذبيحة معلقة ، كأنهم لا يريدون لعين أن تدمع ولا لقلب أن يحزن وهم يطأون وجهاً هجيناً جميلاً فيه من سحر الجنوب قسماته ... ومن طيب زهر الشمال نسماته . الصحافة