من المهم القول أن خطوة الرئيس السوداني وقراره الذي اعلنه امام البرلمان والقاضي باطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين لقيت استحساناً من المراقبين للشأن السوداني باعتبار ان الخطوة تمثل تراجعاً عن نهج الاعتقالات التي تستهدف المعارضين وتكرس للدولة المتسلطة الديكتاتورية ، ومن المهم ايضاً الاشارة الي إنعتاق القيادة العليا للدولة من ربقة التفكير الشمولي الذي طالما تباينت وجهات النظر الرسمية والحزبية حوله وهذا يعني ان المرحلة المقبلة شعارها سيكون ( لا صوت يعلو فوق صوت الرئيس ) بدلاً من صوت العقليات الأمنية والحزبية . واطلاق سراح المعتقلين فوق انه يؤكد جنوح الحكومة نحو الحكمة الا انه يفرز تساؤلات مشروعة حول من سيدفع ثمن الأخطاء السابقة ؟ لابد من تحميل مسؤولية انتهاك القانون والدستور للجهة التي تنشط في ذلك ولا بد من ارجاع الحقوق الي اهلها (حتي ولو كانت مساويك كما يقول بذلك العرف والتقليد المحلي ) واعتقال ومصادرة حرية المدنيين جريمة تحاسب عليها كافة القوانين مالم يصدر عفو من المظلوم تجاه الظالم ولذلك تتوقع الاوساط العدلية المؤمنة بضرورة تحكيم سيادة القانون تمكين هؤلاء المعتقلين المطلق سراحهم بواسطة فرمان من السيد رئيس الجمهورية من الإنتصاف لأنفسهم وجبر الضرر الذي وقع عليه حينما اعتقلوا دون ان يقدموا لمحاكمات امام القضاء السوداني او توجه لهم تهم بواسطة النيابات ولولا الفرمان الرئاسي لظلوا داخل معتقلاتهم دون أدني مسؤولية من الدولة تجاههم وتجاه حقوقهم القانونية والعدلية ودون مراعاة لإنسانيتهم وآدميتهم . انها خطوة تؤكد الرغبة الحكومية نحو الإصلاح ولذلك يتساءل الكثيرون عن امكانية توسيع مظلة الإصلاح ورعاية الحريات لتشمل اؤلئك المعتقلين الذين تمت محاكمتهم اعلامياً وليس قضائياً بجرائم علي شاكلة محاولة تقويض نظام الحكم وتمكينهم من الوقوف امام القضاء السوداني للنظر في طبيعة التهم التي اسندت اليهم والمعاملة التي يتلقونها وغير ذلك من الحقوق ، ان الاصلاح يبدأ بقرار كما يقول خبراء السياسة الحكمية وبالنية وفق الموجهات الشرعية . نحن لا نريد ان يرد علينا قائل بالقول (خليها بالنية ) فالنوايا الرئاسية تبدو هذه الايام واضحة وهي نوايا تتجه نحو الإصلاح بكل ما تعنية الكلمة من معاني واذا كان القرار الصادر من السيد رئيس الجمهورية قد ساوي بين جميع المعتقلين السياسيين المعارضين والمخالفين في الرأي السياسي تجاه النظام القائم فإن مظلة القرار تسع الجميع وتبدو اوسع من المحاكمات الاعلامية جمعاء . ان المناخ الاصلاحي السائد هذه الايام يمكن ان يساهم في تقليل حدة التوتر العام فالرئيس أعلن نيته عدم الترشح لمرة ثالثة ليس التزاماً بالمادة 57 من الدستور فحسب ولكن لأنه بحسب عبارته غير راغب في مواصلة الحكم فقد قال بصريح العبارة ( كفاية حكم ) كما ان وفد الحكومة المتفاوض مع وفد حكومة دولة جنوب السودان توصل الي توقيع مصفوفة اتفاقات جيدة ستنهي جانب كبير من الأزمة السودانية فيما يترقب العديد من المهتمين امكانية انجاح جولة التفاوض المقبلة بين الحكومة وقطاع الشمال وما يمكن ان تتمخض عنه دعوة الحوار الوطني الشامل ..وعلي ضوء النتائج المرجوة من كل تلك التحركات الايجابية يمكننا القول ان تيار الإصلاح الحقيقي بدأ يتشكل بشكل جيد ومن المهم تدعيمه واسناده ليقوي ويكتسح تيار الممانعة والفلول المتوقعة . [email protected]