الرئيس البشير لم يقدم للوطن شيئاً وكان بقائه علي سدة الحكم خصماً علي الوطن وعزته وكرامته ... فقد ورث وطناً واحداً موحداً بكل قومياته وأديانه وإثنياته وسيتركه وطناً ممزع الأوصال كسيح الأعضاء لاحول ولا قوة له وسيخلف إرثاً كارثياً من الحروب التي اشعل أوارها بين أبناء الوطن يتجرعون مآسيها وذكرياتها المؤلمة وجراحها العميقة .ومرضاً وفقراً لن يغدو ر جلاً لنقتله بأيدينا. رئيس الجمهورية الذي تنازل عن كبريائه ليعلن علي الملأ أنه قد زهد في السلطة أعلن ذلك وهو يترك ورائه جبالاً وأرتالاً من المظالم بعدد سنين حكمه الكئيبة والمظلمة والكالحة السواد ويبدوا أنه لن يكون في إرثه رداً للمظالم والحقوق لأهلها ليتحلل من آلاف الأرواح المؤمنة التي أزهقت في عهده والأعراض المسلمة التي إنتهكت والدماء التي سفكت بغير حقها .والذين شردوا من وظائفهم بدون وجه حق أو الذين غيبهم الموت وهم في سجون النظام . ومن ينظر للحدث بعين ثاقبة لن يجد في الأمر غرابة أو يثير الدهشة عند الرجل العادي فالقرار يأتي متوافقاً ومنسجماً مع الوقائع القانونية والموضوعية فصاحب القرار يمنعه الدستور من الترشح للمنصب مرة أخري (ما بل بحر صوفة) وكذلك تقدمه في العمر وهو يخطو بخطي ثابتة وحثيثة نحو العقد الثامن من العمر وهو بهذا الفهم شيخ يمنع القانون تطبيق عقوبة الإعدام عليه .(في قانون الإجراءات الجنائية يمتنع تطبيق الإعدام علي الشيخ الذي تجاوز السبعين). ولكن للمتوجسين خيفة والمتشائمين دوماً فهذا القرار لن يساوي حروفه فرئيس الجمهورية دأب طيلة سنين حكمه العجاف علي مخالفة الدستور والقفز فوق نصوصه بلا رقابة من المحكمة الدستورية أو أي كائن من كان ذلك أنه قيد الحريات والقي بمعارضيه في المعتقلات وضاق صدره بمعارضيه وكمم الصحافة وأقال ولاة وأعلن الحرب ضد المعارضين من شعبه بالسلاح الذي إشتراه من حر مالهم ثم جلس يفاوضهم بعد أن أباد منهم من أباد آخذاً المحسن منهم بذنب المسييء مخالفاً بذلك الدستور الذي خطه يمينه او وافق هو عليه حتي دون إرادة شعبية وبهذا الفهم فلن يمنعه أحد من تعديل نصوص الدستور كما كان يفعل شافيز وأعوانه حتي فرق بينهم الموت وأسقط في يدهم . والسؤال الذي يبدو من الأهمية بمكان هل يكفي عزوف رئيس الجمهورية عن المنصب للتكفير عن افعاله ؟؟ وهل يغفر الشعب أن الرئيس الذي تولي بعرض أكتافه هو الذي في عهده تم تقسيم البلاد وإشتعلت الحروب وإنتشر الفساد بين ذويه ووزرائه إنتشار النار في الهشيم خصماً من أموال الشعب واقوات عيالهم وسيتركه بعد أن شرد منهم كل مشرد وأفقر آلاف الأسر دون جريرة من عائلهم سوي أنهم شرفاء غير فاسدين ولا مفسدين ؟؟ وهل يغفر الشعب الأرواح التي أزهقت بإسم الدين والنزوة العابرة والرغبة في سفك الدماء والتكبر في الأرض ؟؟ وهل ينسي الشعب أو يتناسي الأعراض المسلمة التي إنتهكت والدماء الزكية التي روت أرض هذا الوطن ليس في حق بل من أجل إستمرار هذا النظام الفاسد ؟؟ ومن ثم إلي أين يمضي صاحب الرغبة والهوي بعد أن ينفض يديه من الأمر كله ؟؟ وكيف يغمض له جفن ومظالم الناس تلاحقه ؟؟ ومن سيخلفه من سلف من تجار الدين ليتخذ من البلاد ضيعة له ولعشيرته ومطية لهوي نفسه والناس ينظرون ؟؟ وإلي أين ستمضي هذه البلاد بعد أن تحولت إلي ملكية خاصة للكيزان يفعلون بها ما يشاءون يظاهرهم في ذلك أجهزة الدولة الرسمية والقانونية والأمنية ؟؟ يبطشون بكل صاحب فطرة سليمة يعارض الفساد في الأرض ولا يخافون الله ولا يرعون إلاّ ولا ذمة . وتساؤل أخر من الأهمية بمكان .. كيف لرئيس الجمهورية بعد أن ينزع يديه من الأمر ( مكرهاً أخاك لا بطل ) أن يتعاطي مع المجتمع الدولي الذي علم عنه أنه وتحقق من سيرته من أسوأ الديكتاتوريين الذين مروا علي تاريخ البشرية جمعاء كغيره من الرؤساء الذين إمتطوا ظهور شعوبهم بالقهر والإستبداد وتمكين أولي الرأي السفيه من الأمر كله وإضطهاد ذوي الأحلام والنهي وحملة شعلة العلم والمعرفة ليسود الفاسدين وتدول دولتهم بغير الحق ويعيثون في الأرض فساداً وهو يرقص بينهم طرباً بعد أن مكن الفساد من الرقاب وتفشت الرذيلة بين أصحاب الفضيلة وأصبحت سياطهم لا تطال إلا غمار الناس لينجو إبن الوزير بفعلته التي فعل ويحاكم الطبيب وتتغني الحسان كاشفات الرأس في كل أجهزة الإعلام لتحاكم الصحفية المحجبة إنتقائية في ميزان الشريعة وأحكامها ومزاج في تطبيق نصوصها ونواهيها وفق الهوي وفقهاء السلاطين حولهم يجررون اثواب النفاق والخزي في الدنيا والآخرة بعد أن غيب الموت خيارهم وآثرمن رحم ربي أن يغير المنكر بأضعف إيمانه وهو في ذلك خيراً ممن أفتي بغير الحق. ولا جدال في الأمر هنا حول صدق الموقف الدولي ضد رئيس البلاد وهو الذي أقر أمام أجهزة الإعلام أن الذين قتلوا في دارفور من الأرواح المسلمة لا يتعدي العشرة آلاف نفس مسلمة وغاب عنه : (من قتل نفساً بغير الحق فكأنما قتل الناس جميعاً ) وليس غريباً أن نتاج ذلك أن يكون رئيس الدولة مطلوباً من العدالة الدولية وهو أمر قضي ولن يستطيع المعني بالأمر أن يجد فكاكاً من براثنه حتي يلج الجمل في سم الخياط أو أن تطلع الشمس من مغربها .. ولكن الذي يدعو للغرابة هو كيف ينوي النظام القادم التعامل مع هذه المعضلة القانونية والتي باع من أجلها النظام الوطن وإرتهن إرادته وذهب أدراج الرياج ثلث الوطن بثرواته وقد أقسم ذات الرئيس الذي زهد في الأمر الآن من قبل أربعة وعشرين عاماً ألا يفرط في شبر من أرض الوطن ودفع بقسمه هذا بأرواح آلاف الشباب إلا محرقة حربه الجهادية وكانت أعراس الشهداء والحور العين لينكص علي عقبيه ويتخلي ليس عن شبر بل عن الوطن موحداً ليدخل البلاد في حرب جديدة ضد حكومة كانت إلي عهد قريب مواطنين يتبعون دولته . الرئيس البشير وهو يترك كرسي النظام لن تمحو رغبته هذه أحزان وطناً كان إسمه السودان عبث فيه ما إستطاع بمقدراته وتاريخه وهو في ذات الوقت يعجز عن رد كل المظالم التي حدثت في عهده ويبقي عليه أن يضمن بقاء السلطة بيد من يأمن غدره حتي يناي بنفسه عن المثول أمام محكمة الجنايات الدولية وهذه الرغبة هي ضمان الترشح للمنصب .. ليس التحلل من الدماء التي سفكت والأعراض التي أنتهكت أو الأموال التي نهبت من خزينة الدولة أو رد المظالم بل أن يتعهد من سيتقلد المنصب أن لا يدير ظهره لرئيس البلاد بعد تخليه عن الحكم (إذا تخلي ) ولا يخفي علي أحد أن الأمر لا يعدو أن يكون إحتمالات مفتوحة منها تعديل نصوص الدستور وهذا أسهل من كتابة البسملة علي الخطاب فالدستور دستورهم وفصلت نصوصه علي دولتهم ويستطيعون تعديل نصوص متي وأني شاءوا ومنها تولي مقاليد الحكم من جناح من الأجنحة المتصارعة علي السلطة واللاهثين ورائها المقربة للرئيس المنتهية ولايته لضمان بقاء الرئيس في ما تبقي من بلاده عزيزاً مكرمأ وتبقي الأحزان والجروح علي حالها لاتندمل...أو أن يقول الشعب والتاريخ كلمته ولله عاقبة الأمور. عمر موسي عمر - المحامي [email protected]