الذكريات سفر نستشف منه معني الحياة ، كائن من كان علي هذه البسيطة يحمله بين دفتيه يرنو الي صحائف سفره مطلعاً وقارئ حصيف لما مضي من ايام خلت فيزداد حباً وحنينا له بين عوالم الذكري و النسيان ترتسم احداثيات التقارب لكل انسان يعرف معني الحياة ، و يعترف بأن تلك الاحداثيات منها ما خطه الشجن في مكان الوجدان فكان حزناً نبيلا ، و منها ما بصمت عليه الافراح فكان سعداً هائم في عالم جميلا. في ماضي الذكريات ، علي مدارج ظعينا .. كنا صغارا يافعين في قومنا ، كبارا بقيمنا من هامات ترنو للعلا تسير بثقة و تطلع نحو مستقبل زاهر ، لا نسأم اللهو الجميل .. نحلق بأجنحة ترفرف في الفضاء ، اجنحة تتوسل بالوئام و المحبة ، نطير بها نحلق نسير عليها كأنها أقدام مجنحة . في مقهي السلام (الأندلس) - كان سكسونيا – كان الملتقي اجتماعيا ملاذ لكل طبقات المجتمع منهم التجار ، الزراع ، الأفندية و عامة الشعب في ملتقي تذوب وتتلاشي الحواجز بين الجميع ، فنجد عمنا كبوشية ناظر محطة السكة حديد في حلقة تحيط به ثلة كالسوار بالمعصم مستفسرين عن حركة القطارات ، التجار قطار النقل ، وآخرين عن ساعة و صول قطار الركاب (المشرك) نعم اقول (ساعة) لدقة الوقت آنذاك ، كان العم / عبد الكافي له - الرحمة - صاحب اكبر مكتبة ثقافية نجد ايضاً القطار من اهتمامه لأن الصحف و الكتب و المطلوبات تأتي عبره ، ذاك الرجل شكل مجتمعاً ثقافياً حيث يفيض منهله بالأسفار القيمة كالمعلقات و رويات احسان عبدالقدوس ، مصطفي محمود ، العقاد في العبقريات، و الطيب صالح في مواسم هجرته ، حتي الصبايا يحلمون بالحصول علي اصدارة من كابتن ماجد حيث يجدون متعة البحث عن فضولي و تعليم القيم من موزة الحبوبة و عمك خلفان و فهمان ، ومن الطرائف تجمهر في يوم جمهور غفير امام المكتبة طلباً لرؤية صورة المشير/ سوار الذهب ، صدق أو لا تصدق رأينا الصورة لأول مرة بعد (اسبوع تمام) من سماع مارشات التغير في السلطة ومن لم يجد حظ له في رؤية شخصية الرئيس عليه الذهاب الي لوحة المجلس الشعبي حيث و ضعت الصورة في البورت لعامة الشعب ، و ذكرني بقارورة نفض ابي جابرة حينما نري خام النفط لأول مرة حينما وضعت امام مكتب مساعد المحافظ _ المدير التنفيذي- عمنا جبريل تيه . في السوق ذكرياتي كقول الشافعي : علمي معي حيثما يممت ينفعني قلبي وعاء له لا بطن صندوق إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق في السوق كان حركة التجار علماً و عملاً ، علماً في الغرفة التجارية مع عمنا مكي محمد محمود حيث مواطن العرف التجاري وتداول شئون السوق من مشاكل للأفراد و فجوات في السلع و آخر أخبار العوالم الآخري من مدن تأتي بتلغراف يحمل احزان ام اتراح من دار صباح ، أو اتصال اثيري عبر سلوك هواتف كبانية عمنا بابكر المحفوظي أو رسالة بريدية من زولاً بعيد يحملها ساعي البريد حمدان هكذا ذكريات ، كانت التجارة عملاً بالأخلاق و التراحم و السماحة في المعاملة ، نجد الأيادي بيضاء تفيض بالعون الذاتي لبناء المدارس و المساجد و كل ما فيه خير لأنسان المنطقة ، اعمالهم تتحدث عنهم عمنا شعيبو، آدم منصور ، عبد الحميد مادبو وغيرهم مما لا يسع المجال لذكرهم معظمهم مضي من عالم الأجساد الزائل وتركو سفراً طيباً صدقات جارية تفيض بالثواب من عند الله . من انبل الخصال التي تسعفني بها الذكري .. الكرم .. كان الضراء ملاذا آمن لضيوف هجعة الليل البهيم .. داخلية لطلاب العلم .. فندق دون نجوم للزائرين من تجار المواشي و اصحاب اللواري السفرية ، البيوت – معظمها – لا تواجد بها ابواب فهي تتطل علي الشارع دون حواجز تمنع الدخول فهي دلالة علي عظمة الكرم و الإحساس بالأمن والطمأنينة ، مازال بعض البيوت تتمتع بتلك الخاصة منها منزل الناظر/ محمود مادبو، ومنزل الشيخ / موسي كاشا .. لهما الرحمة . ولكن لم ادر هل الوالي/ د. عبدالحميد كاشا بعد آثر البقاء في ذلك المنزل مقراً لإقامته تطبيقاً لمبدأ التقشف أن يؤصد الأبواب وفق اتباع البرتكول ؟ أم يحافظ علي تلك القيمة المندثرة ؟ في ظل بلد تغيرت فيه الأزمنة والأمكنة . في مجال الرياضة كان عمنا الحاج / مبروك (التركي) ، من افضل الحكام في عالم المستديرة ، كان الميدان (روينا) غرب حديقة هيئة المياه التي امتدت اليها يد الإهمال من الذين يجيدون مغازلة المستديرة تقيدي ، وكرتم ، يحي برشم و خضر سفاسف و لا انسي للأخير هدفه الأسطوري في شباك فريق هلال نيالا بإستاد / المدينة حينما شيد سياجه من (الخيش) الجوالات ، كانت الأندية في الليالي تسمر باللهو المباح حيث يجتمع صفوة المجمتع الرياضي ، الأفندية ، المعلمين و التجار، كانت الأندية عنوان للتلاقي في عالم الفن الشجي ، كانت مسرحاً للكلمة الرقيقة و الفن الأصيل ، نتذكر مواسم البعثات الفنية التي ننتظرها في لهفة الأشواق حينما تحط رحالها في حيانا ، كان الموسيقار/ محمد وردي، الطيب عبد الله ، عبد القادر سالم ، واكثرهم تزوراً زيدان ابراهيم . اجترار الذكريات من اصدق ما تجيش به النفس و هذا فيض من تلك الأيام في المدينة الحالمة( الضعين) التي شكلت وجداني في عالم الطفولة الغضة و سحر الصبا و لاشك أن الكثيرون يعيشون على الذكرى ، والذكر للإنسان عمر ثان واسمك يوحي بالحفظ والاستحضار والجري على اللسان بعد نسيان وهناك ذكريات لا تنسى ذكر باللسان أو بالقلب وتذكر حفظ الشيء القديم وعدم نسيانه. [email protected]