يبدو ان المفارقات والفراغات فى اتفاقية سلام الشرق كثيرة ولن تنتهي ، فبعد جرائم تجارة البشرالتى انتشرت فى شرق السودان واصبحت المهدد الامنى الرئيس بعد توقيع اتفاقية سلام الشرق ، وكذلك بعد ان كشف تقرير المراجع العام حول اداء صندوق إعمار الشرق للعام 2011 عن وجود بند لشراء السلع فى ميزانية الصندوق بدعم وتشجيع من وزارة المالية التى رصدت اكثر من ستمائة ألف جنيه لهذا البند تجاوزته ادارة الصندوق بثلاثة اضعاف بحسب تقرير المراجع ، كما اشرنا اليه فى مقالات سابقة . اليوم نود ان نتحدث عن عينة اخرى من التجارة وعمليات البيع والشراء فى اتفاقية الشرق، وهى ظاهرة بيع المواقف السياسية التى درجت قيادات جبهة الشرق على ممارستها خلال العامين الماضيين فى تعاملها مع تنفيذ الاتفاقية ، وتتم عملية البيع والشراء على النحو التالى.. تبدأ قيادات جبهة الشرق بتسخين ملف الاتفاقية عبر اثارة احد الملفات ، وتتخير ظرفا سياسيا حرجا تمر به الحكومة ، وما أن تبدأ الحكومة فى لملمة الموضوع والتفاوض مع الشريك تنسحب قيادة جبهة الشرق تاركة حبل الاتفاقية «على غارب » الحزب الحاكم ، ربما يسأل سائل ماهو الثمن ؟ الثمن الذي تقبضه قيادات جبهة الشرق نتيجة لذلك البيع هو فى تقديرى الشخصى المزيد من الصواميل لتثبيت كراسى السلطة ، ففى الماضى كان يتم ذلك عبر الصمت او تمجيد سير تنفيذ الاتفاقية باستخدام عبارات فى وصف سير تنفيذ الاتفاقية اصبحت محفوظة لدى الرأي العام مثل القول ان التنفيذ يمضي بسلاسة نموذجية . ولكن خلال العامين الماضيين لجأت القيادات الي السوق السياسي بل وضعت اقدامها في ناصية الدلالة السياسية باصدار تصريحات قوية ومثيرة لدرجة انك تشعر ان تلك القيادات ستعود الى المربع الاول ، فقط الذي لا ترهبه هذه التصريحات هو حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ومن الغريب انه لا يتكرم حتي بالرد اعلاميا على انتقاداتهم ، ربما لادراكه انها اينما امطرت ستعود له بالفائدة . في ابريل من العام الماضي كسرت قيادات الجبهة حواجز صمتها وبدأت تتحدث عن الاخفاقات فى تنفيذ اتفاقية الشرق ، انتهزت يومها هجوم الجيش الشعبى على هجليج حيث قال رئيس جبهة الشرق لاول مرة فى تصريح نشر بصحيفة السودانى بتاريخ 12 ابريل ان المبالغ التى دفعت« بضم الدال » لصندوف إعمار الشرق لم تتجاوز 75 مليون دولار من جملة ستمائة مليون مستحقة، متهما الحكومة بالتلكؤ فى تنفيذ الاتفاقية ،لم يمض شهر حتي عاد رئيس الجبهة ليخرج بتصريح للمركز السودانى للخدمات الصحفية بتاريخ 12 مايو 2012 قال فيه ان الصندوق تسلم 112 مليون دولار من اموال المانحين انفقت جميعها فى تنفيذ مشروعات تنموية . في سبتمبر الماضي عقد المؤتمر الثالث لحزب مؤتمر البجا وجاءت مقررات المؤتمر قوية وحاسمة حيث دعت المقررات الي انهاء المشاركة فى الحكومة فورا فى حال عدم تنفيذ ماتبقى من بنودها وهى ملفات الخدمة المدنية والتعهدات المالية لصندوق إعمار الشرق وملف المسرحين ،واستبشر الناس قليلا عسى ولعل ان يتغير الحال في شرق السودان وحال انسان الشرق العظيم ، لكن تجاهلت قيادات الحزب توصيات المؤتمر قبل ان يتجاهله الحزب الحاكم ، ربما التوصيات في طريقها الي اجراس الدلالة السياسية . اخر عملية بيع للمواقف تمت كانت من نصيب الموقف القوي فى منتصف شهر فبراير الماضى لمنسوبى جبهة الشرق والادارة التنفيذية لصندوق إعمار الشرق احتجاجا على تجاوزات ادارة الصندوق فى اختيار المشروعات وتعيين الهيكل الوظيفى ، وهى مواقف تزامنت مع تداعيات وثيقة الفجر الجديد، وللحقيقة ان هذا الموقف كان يمثل مبادرة ذاتية قادها منسوبو الجبهة بالصندوق بعد ان يئسوا من القيادة السياسية لاصلاح حال الصندوق ، واتخذوا مواقف قوية ودعوا لعقد مؤتمر صحفى بسونا تم الغاؤه ،واصدروا بيانا صحفيا كان اقوى من بيانات احزاب جبهة الشرق ، وامهلوا الحكومة فترة شهر لتوفيق اوضاع الصندوق ، كذلك رفعوا مذكرة الى النائب الاول لرئيس الجمهورية ورئيس اللجنة العليا لتنفيذ الاتفاقية طالبوا فيها باجراء اصلاحات بالصندوق ، وبحسب حديث رئيس جبهة الشرق مساعد رئيس الجمهورية موسى محمد أحمد فى اجتماعه مع العاملين بالصندوق فى فبراير الماضى ، قال رئيس جبهة الشرق « بعضمة» لسانه فى ذلك الاجتماع إن دكتور مصطفى ابلغه استعداد الحكومة لاقالة المدير التنفيذى للصندوق فى حال رغبت جبهة الشرق فى ذلك ، وطلب منه التنسيق مع القيادة الثلاثية دكتورة آمنة ومبروك مبارك سليم وكتابة مذكرة بهذا الشأن ، وقبل ان يفيق العاملون من دهشتهم من سرعة استجابة الحكومة لمطالبهم فاجأهم مساعد الرئيس بقوله بانه رفض هذا العرض باعتبار انه ليست لديه مشكلة شخصية مع المدير التنفيذى وانه سيتفاوض حول قضايا اهم منها مثل فتح الاتفاقية من جديد ، احتدم النقاش وطالب البعض بانتهاز هذه الفرصة لترتيب اوضاع الصندوق اوعلى اقل تقديرالمطالبة بتعيين مدير جديد من منسوبى الجبهة لتحقيق انتصار سياسى يعيد الجبهة الى محلها من الاعراب ، ولكن رئيس الجبهة اصر على موقفه وتم تكوين لجنة سباعية ضمت اعضاء مجلس الادارة الثلاثة وثلاثة من منسوبى الجبهة بالصندوق وواحد من القيادات السياسية للتفاوض مع المؤتمر الوطنى ، وعندما انتهت المهلة التى حددها العاملون بالصندوق يوم 13 من شهر مارس الماضى دون ان تعقد اللجنة اى اجتماع ، تم تفويض رئيس الجبهة ومبروك مبارك سليم لحسم هذه القضية وخرجت قيادة جبهة الشرق مساء نفس اليوم عبر وسائل الاعلام واعلنت ان الحكومة استجابت لمطالب جبهة الشرق ، واعتبرت التحركات التى قام بها دكتور مصطفى ابداء حسن نية لحل القضايا، وللمزيد من التضليل اعلنت قيادة الجبهة انها بصدد عقد مؤتمر صحفى خلال ايام ، وفى النهاية لم يعقد مؤتمر صحفى ولم تفتح الاتفاقية، وانتهت الأزمة الان بتكوين لجنة برئاسة رئيس جبهة الشرق وعضوية دكتور مصطفى عثمان ومدير الصندوق واخرين لتقييم اداء الصندوق فى المرحلة الماضية. الان ربما يعتبر المواطن فى شرق السودان اى واحد من اعضاء هذه اللجنة يمثل له هيثم «الخلاء» وفقا للطرفة المتداولة التى تقول ان احد اصحاب الخيال الواسع وجد جميع سكان القرية يبحثون عن شخص اسمه هيثم ، وبعد ان تم العثور على الشخص المفقود احتشد الناس فى منزل اسرة هيثم ، وتعالت الاهازيج و الزغاريد واقيمت الولائم وذبحت الذبائح احتفالا بعودة هيثم سالما غانما ، فاراد صاحبنا من باب الفضول القاء نظرة على هذا الهيثم الذى تحتفى به القرية لهذه الدرجة ، وعندما رأى هيثم يجلس فى حضن والديه ومن حوله عدد كبير من الناس قال مخاطبا الجميع «هيثم الخلاء بتاعكم دا انا لقيته 18 مرة » وسبب ايرادنا لهذه الطرفة هو ان اللجان التي ظلت تشكل منذ التوقيع علي اتفاقية الشرق هي لجان مكررة بذات الوجوه وذات الفهم والادراك وكل ما تقوم به ما هو الا تحرك فوقي لا يخاطب قضايا اهل الشرق ، بعد هذا نتساءل ولن نجيب هل ستنجح اللجنة الجديدة القديمة فى اعادة ترتيب اوضاع الصندوق بما يساهم فى تخفيف حدة الفقر وتلبية الاحتياجات الملحة لانسان شرق السودان ، ام سنشهد تشكيل لجان اخرى بعضوية هياثم الخلاء ام ان الامر في نهاية المطاف ما هو الا عملية بيع جديدة للمواقف . الصحافة