تعتبر جبهة الشرق حالة فريدة فى السياسة السودانية ونموذجاً من نماذج المشروعات السياسية التى نكصت عن شعاراتها وفشلت فى تحقيق اهدافها و عملت ضد المبادئ التى قامت من اجلها ،حيث اتيحت لجبهة الشرق فرصة لتوحيد اهل الشرق تحت راية سياسية واحدة وتقديم نموذج لحزب اقليمى يساهم فى الاصلاح السياسى فى السودان، بدلا من ذلك كادت ان تتسبب جبهة الشرق فى تفتيت النسيج الاجتماعى فى شرق السودان باعتمادها معيار المحاصصات القبلية فى توزيع ملف السلطة فى اتفاقية سلام الشرق. كما اتيحت لجبهة الشرق فرصة لا تتاح لاى تنظيم سياسى آخر حديث التكوين حيث تم تأسيسها كتحالف بين فصيلين كانا يحملان السلاح ضد الحكومة هما مؤتمر البجا وفصيل الأسود الحرة فى مارس من العام 2005 ثم توسعت وضمت معظم المكونات الاجتماعية والسياسية فى شرق السودان ودخلت فى مفاوضات بعد عام من تكوينها مع الحكومة افضت الى توقيع اتفاقية سلام الشرق فى الرابع عشر من اكتوبر 2006. وبالرغم من ان مؤتمر البجا الذى قاد العمل المسلح فى شرق السودان منذ 1994 كان بامكانه مفاوضة الحكومة لوحده وحصد المكاسب السياسية خاصة بعد موافقة الحكومة على التفاوض عقب احداث بورتسودان فى 29 يناير 2005 التى قتل فيها اكثر من عشرين شخصا من انصار مؤتمر البجا خرجوا فى تظاهرة سلمية طالبوا فيها الحكومة التفاوض مع الكفاح المسلح ولكن يبدو ان ضعف التجربة السياسية لدى قادة مؤتمر البجا وحسن النية والرغبة فى تأسيس جبهة عريضة تضم كافة المكونات السياسية والاجتماعية فى شرق السودان من اجل اشراك جميع اهل الشرق فى المفاوضات دون عزل واقصاء لاحد عندما جاءت مرحلة التفاوض قرر قادة مؤتمرالبجا على عجل بالتحالف مع فصيل الاسود الحرة الدعوة الى تاسيس جبهة الشرق ووجدت الدعوة استجابة كبيرة وتقاطرت الوفود افرادا وجماعات قيادات اهلية وسياسية صوب دولة اريتريا حيث نبتت الجبهة غريبة الوجهة والموطن بعضهم كان صادقا والبعض الآخر من اجل المغانم السياسية ايضا دفعت الاحزاب السياسية بما فيها الحزب الحاكم بعضا من عضويتها للانضمام للجبهة من اجل تحقيق بعض المغانم السياسية من المولد وفى نفس الوقت اضعافها وتفتيتها حتى لا تأتى خصما على نفوذهم السياسى فى الشرق. وبالفعل ضرب فيروس الخلافات قادة الجبهة فى مؤتمرها التأسيسى الاول ودخلت الجبهة المفاوضات بتلك الخلافات مما اضعف موقفها التفاوضى فى المفاوضات التى رعتها دولة اريتريا مما دفع كبير مفاوضى الوفد الحكومى الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل فى تلك الايام للانصراف الى ملفات اخرى مثل قيادته لوساطة السودان فى الخلاف بين سوريا ولبنان على خلفية مقتل رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى انطبق عليه المثل الشعبى ( تارك زرعوا ومطارد النفاير) ونتيجة لذلك وقعت جبهة الشرق اتفاقاً هزيلاً اسوأ ما جاء به اعتماد مبدأ المحاصصات القبلية فى توزيع ملف السلطة عشية انطلاق المفاوضات بين الحكومة وجبهة الشرق صادرت السلطات احدى الصحف لايرادها خبرا فى عنوانها الرئيس حمل توجيه من رئيس الجمهورية للوفد الحكومى المفاوض بمنح مفاوضى الشرق كل مايطلبونه وذلك ربما لرغبة الرئيس فى جعل اتفاقية الشرق نموذجاً للاتفاقيات الموقعة ، الجهات التى صادرت ذلك العدد من الصحيفة ربما خشيت من تأثير تسريب الخبر على مسار المفاوضات ان يرفع هذا الخبر من سقف مطالب مفاوضى جبهة الشرق وهى لا تعلم ان قيادات جبهة الشرق كانت مشغولة بخلافاتها الداخلية. كذلك فى مطلع شهر يونيو 2007 حاصر عدد من شباب رابطة ابناء البجا الدكتور مصطفى عثمان وحينها كان المشرف على ملف الشرق بالحزب الحاكم خلال ندوة عقدت بقاعة سوداتل فى الصحافة شرق عن اتفاقية شرق السودان التى كانت قد وقعت قبل اشهرحاصر الشباب المتحمس دكتور مصطفى بالاتهامات بانه تآمر مع الاريتريين واجبر جبهة الشرق على اتفاقية هزيلة وان المؤتمر الوطنى زرع الخلافات بين قيادات الجبهة مما ادى الى تأخير عودة القيادات بالتالى تعطيل تنفيذ الاتفاقية على ضعفها، وان المؤتمر الوطنى غير جاد فى معالجة الاوضاع بشرق السودان . فى تلك الاثناء تدخل مالك عقار وكان حاضرا الندوة وحينها كان وزيرا للاستثمار وعضو شرفى بالوفد الحكومى لمفاوضات الشرق قال عقار مخاطبا الشباب المتحمس ( صحيح ان المؤتمر الوطنى مرفعين سياسى ولكنه لم يأكل البقر بتاع الشرق ابحثوا عن اسباب ضياع البقر ) حينها اعتبر معظم الحضور بأن عقار قال هذا الحديث من باب مجاملة شريكه الا اننى حملت جانباً من حديث عقار على محمل الجد نسبة لمعرفتى بالظروف التى طبخت فيها الجبهة وان من قام باعداد المطبخ قدم مفاوضات الشرق ومخرجات التفاوض الى المؤتمر الوطنى على طبق من ذهب، فالمؤتمر الوطنى لم يفعل سوى انه استولى على الابقار وترك الحبال لجبهة الشرق ما دفعنى لتقليب المواجع والحديث عن جبهة الشرق التى ماتت وشبعت موتا بعد اتفاق قيادتها الثلاثية موسى محمد احمد رئيس الجبهة والدكتورة آمنة صالح ضرار نائب الرئيس ومبروك مبارك سليم الامين العام اتفاقهم مع مسجل الاحزاب السياسية بعدم السماح لاى جهة تسجيل الجبهة كحزب سياسى حتى لا تؤثر هشاشة تكوين الجبهة سلبا على سير تنفيذ اتفاقية سلام الشرق بعد ان استقل القادة الثلاثة كل واحد منهم بحزبه. ما دفعنى لهذا الحديث هو تجدد الدعوة لاحياء (عزومة المراكبية) جبهة الشرق من قبل عدد من الدستوريين السابقين من منسوبى الجبهة الذين يبدو انه طال بهم الجلوس على الرصيف حيث عقدت اللجنة التمهيدية المكلفة للتحضير للمؤتمر العام للجبهة عقدت مؤتمرا صحفيا يوم الاحد الماضى بقاعة الزبير محمد صالح واعلنت عن عزمها لعقد المؤتمر الثانى للجبهة فى اكتوبر المقبل وهاجم رئيس اللجنة التمهيدية القيادات السابقة لجبهة الشرق وطالب بحل جميع احزاب شرق السودان التى قال انها فقدت الشرعية وحمل القيادة الثلاثية مسؤولية الاخفاقات فى تنفيذ الاتفاقية وما خرجت به من انطباعات من المؤتمر الصحفى ان هذه القيادات مازالت فى المربع الاول وتستخدم ذات الخطاب القديم لجبهة الشرق خطاب موجه فى اتجاه واحد الى الداخل بتخوين الرفقاء ومحاولة خطب ود الحزب الحاكم وكذلك اللجنة التمهيدية ادعت الشرعية واحقيتها بتنفيذ الاتفاقية التى مضى على توقيعها ست سنوات وكررت اللجنة التمهيدية خطاباً اتسمت به بعض القيادات التى ركبت مركب جبهة الشرق بعد الاتفاقية (ربما مدفوعة او مدفورة بغرض التخريب) كررت استخدام فزاعة اتهام الفصيل الرئيس الذى اسسس الجبهة واهداها حصيلة نضال اربعة عشر عاما من العمل المسلح بالعنصرية و اقصاء القوميات الاخرى. وقال رئيس اللجنة التمهيدية فى المؤتمر الصحفى عبارة اعادت الى الاذهان اجواء المحاصصات القبلية حيث قال (ان مؤتمر البجا حزب للهدندوة وحزب الشرق الديمقراطى حزب للبنى عامر والاسود الحرة حزب للرشايدة ) هذه العبارة كانت غير موفقة وخطاب سياسى رخيص لكيان يسعى لجمع الصف فى شرق السودان وذلك لان مؤتمر البجا هو من اسس جبهة الشرق رغبة منه فى جمع الصف الوطنى فى شرق السودان وحزب عريق تأسس منذ الاستقلال ولو كان بالفعل حزباً لمجموعة قبلية معينة لما تمكن من البقاء حتى الآن وكذلك آمنة ضرار التى وصفها رئيس اللجنة التمهيدية بانها تمثل البنى عامر هتفت لها الجماهير بمدينة بورتسودان عندما كانت تشغل منصب الامين العام لمؤتمر البجا الهتاف الشهير ( آمنة ضرار ولا النظار ). وفى نفس اليوم الذى شهد انعقاد المؤتمر الصحفى للجنة التحضيرية اوردت صحيفة الصحافة فى زاوية ضل الضحى خبرا افاد بان مبروك مبارك سليم يرتب لعقد مؤتمر عام جبهة الشرق وهذا الخبر كشف بان مبروك وراء التحركات لاعادة احياء جبهة الشرق واذا ما صح هذا الخبر وان مبروك هو من يرتب ويدبر من وراء ظهر حلفائه آمنة وموسى لاحياء الجبهة ومن ثم الدخول فى نزاع جديد للسيطرة على مقاليد تنفيذ اتفاقية سلام الشرق، بهذا تكون هذه الخطوة هى المرة الثانية التى يتآمر فيها مبروك على حلفائه حيث سبق لمبروك قبيل مفاوضات الشرق باسمرا ان تسلل خلسة الى ليبيا ثم وقع اتفاقاً لوحده مع الحكومة وادت هذه الخطوة لنسف المبادرة الليبية للتوسط بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق وفض مؤتمر البجا شراكته مع فصيل الاسود الحرة قبل ان يتراجع ويتجاوز هذا التصرف ويعيد مبروك الى جبهة الشرق ،وكذلك تم تضمين اتفاق مبروك وكمال عبيد الذى كتب عليه سرى للغاية ربما خوفا من ان يثير البند الذى اقر لاول مره منح قبائل الرشايدة نظارة فى شرق السودان ربما خوفا من ان يثير هذا البند صراعات قبلية فى شرق السودان تم تضمينه فى اتفاقية سلام الشرق ومازالت مسودة اتفاقية الشرق تحمل فى ملاحقها عبارة سرى للغاية وهى تشير الى اتفاق مبروك وكمال عبيد. لذلك نطالب مبروك مبارك سليم الذى يعتبر واحداً من صناع سلام الشرق وشريكاً اصيلاً فى قضية شرق السودان ومن اكبر الداعمين لها بالتبرؤ من هذه الخطوة ، كما نطالب الجهات التى تقف خلف هذا العمل بنفض يدها من محاولات تخريب اتفاقية سلام الشرق واضعاف قضية شرق السودان. صحيح ان قيام جبهة الشرق كحزب سياسى هدف استراتيجى لكافة مكونات شرق السودان السياسية والاجتماعية ولكن نعتقد ان الوقت غير مناسب الآن ، وذلك لارتباط الاتفاقية باسم جبهة الشرق كما ان تسجيل جبهة الشرق كحزب سياسى تحتاج الى ترتيبات خاصة وتقييم ومشاورات واسعة حتى لا تتكرر التجربة السابقة التى كانت اشبه بحاطب الليل .