عقب المصالحة الوطنية مع نظام مايو انكفأ الأسلاميون في السودان علي بناء تنظيمهم وتدريب كوادرهم وتقويت قدراتهم وأنشأوا الشركات والمنظمات الخيرية بل دخلوا في مجال الاستثمار المصرفي وفق ضوابط الشريعة الاسلامية فرأينا تجربة البنوك الاسلامية مثل بنك فيصل الإسلامي وبنك البركة السوداني والذي انشأ ليكون منافسا للأول حتي أن السيد الباقر مضوي أول مدير عام لبنك فيصل إستهجن أمر ان يصبح الدكتور عبد الرحيم حمدي مديرا لمجموعة البركة بإعتباره من المؤسسسين لبنك فيصل الاسلامي السوداني . وقد نجحت هذه المشاريع في بادي ذي بدء.في هذه المرحلة كان الاسلاميون مقتنعون أن معرفتهم بالاسلام لم تكتمل وأنهم يجتهدون كغيرهم من البشر ليحققون مقاصد الشريعة الاسلامية في واقع حياة الناس وأنهم قد يصيبون أو يخطئون كغيرهم من البشر الذين ينشدون الصلاح . وحينما سقطت مايو بفعل ثورة شعبية عارمة بسبب ضيق المعاش وإندلاع حرب الجنوب والجفاف والتصحر وتوقف مشاريع التنمية إضافة لإنعدام الحريات العامة وهيمنة مايو وسدنتها علي مقاليد الحكم وقمع الآخرين . ظهر الاسلاميون في ثوب جديد ثوب الجبهة الاسلامية القومية وإتصلوا بكل مكونات الشعب السوداني من طرق صوفية وجماعات سلفية ومنسوبيين لاحزاب تقليدية او جهوية والجنوبيين والمسيحين ونشطوا في ساحة العمل السياسي وظهرت لهم الاصدارت الصحفية التابعة لتنظيمهم والمناصرة فأحرزوا مرتبة متقدمة في الانتخابت العامة بإكتساح معظم دوائر الخرجين وعدد مقدر من الدوائر الجغرافية جعلت منهم الحزب الأقوي في معارضة حكومة السيدين ونشطوا في المعرضة وتعرية احزاب اليسار والطائفية وقاموا بمساندة الجيش واقترحوا ان يتبرع النواب بعرباتهم المخصصة لهم من قبل الجمعية التأسيسية لصالح القوات المسلحة والتي كانت تدير حرب الجنوب تحت ظروف عصيبة وإمكانيات شحيحة . هذه الفترة أشعرت الاسلاميين بأنهم هبة الله لتحرير أهل السودان من عبودية الانظمة الشمولية والطائفية البغيضة والتي يراها العبقرئ محمد أبوالقاسم حاج حمد إحدي معوقات الديمقراطية في السودان وسببا أساسيا في الدورة الخبيثة التي دارت علي الحكم في السودان بين التعددية الحزبية والأنظمة العسكرية الشمولية التي أول ما تفعله هو مصادرت الحريات العامة وإعتقال الوطنيين والنشطاء الحزبيين. لم تفلح حكومة السيدين كالعادة في تحقيق أهداف الثورة او تلبية احتياجات الجماهير العاجلة في تحسين ظروف معاشهم أو استتباب أمنهم او ايقاف الحرب التي بدأت تقترب من المدن الكبري ومواقع الانتاج الزراعي . بدلا من أن يقدم الإسلاميون جهدهم مع الاخرين في المحافظة علي أمن وسلامة البلاد والتمسك بالنظام الديمقراطي وإحداث تغيرات في نمط التفكير تقرب من وجهات النظر للفرقاء السياسيين الحاكمين والمعارضين للمحافظة علي أمن وسلامة و وحدة البلاد وإيقافا عاجلا للحرب ونشرا لثقافة السلام ومساهمة في مشاريع التنمية الكبري وإدارةً لعجلات المصانع وحوارا مع كل ألوان الطيف السياسي للتواثق حول مشروع للحكم في البلاد يجنبها ويلات الحروب الأهلية مستقبلا والاقصاء السياسي والحجر علي الأخرين والإجابة علي كيف يحكم السودان؟ وما هي المطلوبات لذلك ؟ وما هو دور الاحزاب السودانية في الحفاظ علي نظام حكم ديمقراطي مستقر وراشد يتم فيه تداول السلطة سلميا؟ بدلا من ان يساهم الاسلاميون في ذلك إنقلبوا علي النظام التعددي وإستولوا علي الحكم في البلاد بدعاوى عديدة مثل إنفراط عقد الأمن وتناقص الأرض من أطرافها تحت أرجل قواتنا المسلحة ووجود مؤآمرة كبري لتقسيم البلاد ونهب ثرواتها وإهدار موارها وضعف الاقتصاد السوداني وتدني قيمة الجنيه وإنعدام للسلع والخدمات الضرورية ودخولها السوق الأسود وضيق صدر الاحزاب التقليدية علي النقد والنصح . لم تمضي سنوات قلائل علي حكم الانقاذ ثورة الاسلاميين في السودان حتي رأينا عجبا عجابا من حكم الانقاذ . أولا: ورثت الثورة كل أموال وممتلكات منسوبيها فإستولت علي أموال الشركات والمنظمات الخيرية والبنوك لتثبيت حكمها بل إمتدت يدها لإسلاميو الخارج والمغتربيين وجمعت منهم أموالهم لبناء دولة المشروع الحضاري الاسلامي.سرعان ما تكدثت هذه الاموال في جيوب بعينها وإستقلها أشخاص معلومون لصالحهم . ثانيا التفتت لأموال القطاع العام وخصخصت كثير من منشآته بمبالغ ذهيدة وجردت كثير من مؤسسات القطاع العام من صلاحياته وشردت العاملين به بإسم الصالح العام وهنا قتلت محمد أحمد السوداني البسيط الذي زعمت أنها أتت من أجله . ثالثا تحت دعوى حماية الاقتصاد الوطني حاربت التجادر وقامت بحملات منظمة لمصادرت أموالهم واملاكهم بل وأعدمت عدد منهم للإتجار بالعملة إرهابا للآخرين حتي لا تحدثهم أنفسهم بالمغامرة والكسب السريع. ولعمري الاقدام علي مثل هذا الأفعال يتنافي مع مقاصد الشريعة الاسلامية في الحفاظ علي النفس وحرمة الدماء . رابعا: قامت بإعدام الظباط الاحرار بدعوي الحفاظ علي الحكم وهذا ايضا يتنافي مع مقاصد الشريعة الاسلامية وينتهك حرمة الدماء ولو كان يجوز قتل الثوار او المخالفين في الرآى لما سمح سيدنا عثمان للثوار بمحاصرة داره ثم تفضيله ان يمضي الي ربه شهيدا ولا يقتل مسلما. إن ما فعلته الانقاذ بالخصوم والمعارضين لا يمت للإسلام بصلة ويصنف القائمين علي أمر المشروع الحضاري الاسلامي بأنهم قتلة مجرمون الغاية عندهم تبرر الوسيلة خامسا:أذلت الثورة الخصوم بإسم الدين وضيقت الحريات العامة حتي علي منسوبيها وصنعت إعلاميين يطبلون لها ويسبحون بحمدها وعملت علي تقسيم القوى الطنية وإضعاف المعارضة ثم إستقطاب ضعاف النفوس منها والانتهازين وتسخيرهم لخدمتها وتثبيت أركانها. سادسا: نسيت أو تناست أن بلاد السودان بلاد الحضارة الضاربة في القدم وأن إنسان السودان يعشق الحرية والإختيارية في الامور فأرادت ان تقيم دولة الحزب الواحد وتكرث لهذا الفهم بأنه من صميم الفكر الإسلامي فحاربت المخافين في الرأى وضاقت زرعا بهم ولم تستثني أحدا من ذلك بما فيهم شيخها وعرابها الدكتور الترابي الذي أدرك بعد فوات الأوان خطورة ما أقدموا عليه في30يونيو بإتمانهم العسكر علي الحكم والتبشير بعمر البشير علي انه هدية السما لأهل السودان وقديما قال الشاعر العبقرئ أبو الطيب المتنبئ ومن يجعل الضرغام للصيد بازه تصيده الضرغام فيما تصّيدا سابعا: بعد إهلاك الزرع والضرع وأرتال الشهداء من القوات المسلحة والطلاب والشباب والبسطاء من أبنا وطننا المجيد جنحت للسلام في الجنوب ووقعت علي نيفاشا التي تمكن الجنوبيين من الاستقلال عن الوطن الام وفق إنتخابات نزيهة يعقبها إستفتاء علي تقرير المصير ولم تبذل أي جهد ليبقي السودان موحدا بل لم تحسم كثير من الملفات التي من شأنها إرجاع الناس لمربع الحرب عقب الإنفصال ومضي الجنوب لحال سبيله وبقيت أسباب التوتر والإحتراب قائمة بين شقي الوطن الواحد . ثامنا: توقف التنمية مجددا وانخفاض قيمة الجنيه بصورة هي الأسوأ في تاريخ السودان الاقتصادي وإنعدام وجود موارد حقيقية لتغطية العجز في الموازنة العامة من ما يبشر بمزيد من الرهق والعنت لشعبنا الكريم الذي ضاق زرعا بالوعود البراقة وأكازيب المسئولين المكررة وهو يري الفساد المالي والإداري مستشريا والثراء الحرام المفضوح لمنسوبي النظام واستثماراتهم الخارجية مكشوفا يرى كل ذلك وينتظر سانحة ليثور مصححا المسار ومرجعا الحق لأصحابه. تاسعا: خارجيا إتسمت سياسة الانقاذ بالتدخل في شئون دول الجوار بل ساهمت في تعيير كثير من الانظمة فيها خصوصا إرتريا وتشاد وإثيوبيا ودعمت جيش الرب في حربه ضد يوغندا وأدخلت السودان في منظومة عداء مع المجتمع الدولي ما زال يدفع في فاتورتها بل حاولت تصدير الثورة خارجيا بإسم جسم هلامي يدعي المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي حيث جمعت فيه الاحزاب والتنظيمات المعارضة للانظمة القائمة في بلدان العالم العربي والإسلامي ولم يقف عملها عند هذا الحد ولكن أتهمت بما هو أخطر حينما وجهت التهم من مراقبين لجهاز أمنها بلضلوع في عملية محاولة إغتيال الرئيس المصري المخلوع . تاسعا: لم تتمكن الانقاذ من إدارة الخلافات فيما بين منسوبيها بل دخلت بهم في صراعات قبلية وجهوية فتت من العضدد الإجتماعي والترابط الأخوي ومهدت الطريق لحمل السلاح ضد الدولة فرأينا الحركات المسلحة في دارفور التي حصدت الحرب فيها ملايين الاشخاص ثم الجبهة الثورية ثم المحاولات الداخلية التي تارة تسمي بالتخريبية وتارة بالتصحيحية وتارة أخري بالانقلابية . ورأينا كيف تأكل الثورة بنيها كما أكلت من أبيها. عاشرا: إن دولة المشروع الحضاري فشلت في التعريف بفكرتها ولم تحافظ علي ثمرة الوطن الحر المتمسك بوحدة ترابه وأرضه بل بدأت تفرط في ثقوره وموارده وعرضته لمواجهات غير محسوبة العواقب مع أطرافه وجواره وليس في جعبتها شيئا تقدمه لوطن جريح أنهكته بمغامراتها وأكاذيبها وتنصيبها من نفسها ممثلا لله في أرض السودان. إن أزمة السودان اليوم لا يتأتي السبيل إلي الخروج منها إلا بالاعتراف بخطأ ما اغترفه الاسلاميين من إستيلاءهم علي السلطة وتدويلهم لشأن السودان الداخلي وحروبهم مع الاطراف التي من شانها أن تكرس للقبلية والعنصرية اللتان من شأنهما نسف الاستقرار في المجتمع وتعويق حركة التواصل والتصاهر ولن يعود السودان الي ما كان عليه من تسليم أمره للسادة بل لا بد من التخطيط لإيجاد مستوي تفاهم في شكل توزيع الثروة والسلطة بين المركز والولايات واشراك الناس في إدارة شأنهم العام وتقوية مؤسسات الدولة وفصل السلطات عن بعضها وإشاعة روح الحرية والمسئولية في المنافسة في الحكم عبر الانتخاب النزيه وتوسيع دائرة الحريات العامة في التنظيم والحركة والتعبير. ومد يد التواصل بيضاء من غير سوء مع المجتمع الدولي ودول الجوار.. [email protected]