يعد لوك فيري اليوم من ألمع الفلاسفة في فرنسا . يرجع له الفضل في إنزال الفلسفة من البرج العاجي للنخب وإيداعها في حيز القاري العادي . له مؤلفات عدة ناجحة أشهرها تعلم الحياة . يحاول لوك فيري بكل قوة أن يعيد الإعتبار للفلسفة الأوروبية لذلك نجده كثير الإنتقاد لميشيل فوكو محاولا رد الإعتبار لجان بول سارتر . فوجودية سارتر أزاحتها بنيوية كلود ليفي أشتروس الذي يؤكد أن ميشيل فوكو لم يكن بنيويا حقيقيا . يتحدث لوك فيري عن الكساد السياسي في الفلسفة السياسية الذي قد أصبح موازيا للكساد الإقتصادي . فالكساد السياسي جعل السياسيين في موقف العاجز من جراء الأزمة الإقتصادية ونتائجها المفزعة . فالإقتصاد المنفلت اليوم يسبق الفلسفة السياسية والسياسيين بمسافة تدعو لليأس ومسألة اللحاق بصورة العالم المترنح . فصورة العالم المترنح اليوم ماهي إلا أمشاج تتخلق لميلاد عالم جديد . هذه صورة العالم المتقدم . فما هي صورة الكساد السياسي وعجز السياسيين في السودان .؟ في الأونة الأخيرة يتجلي الكساد السياسي في السودان في الواثق كمير والكرة في ملعب الرئيس . ودفاع مصطفي عبد العزيز البطل عن أهل حوض النيل الإسلامي العربي الهاشمي أي هاشم القرشي جد الرسول وخوف مصطفي البطل أن يحكم أهل الهامش أهل الهاشم . وكذلك يتجسد الكساد السياسي في مقولة عبدالله علي ابراهيم قالولنا عرب . خلف صورة العالم المترنح اليوم يحاول لوك فيري جاهدا التذكير بالوعد الجبار الذي أعطته فكرة الجمهورية للبشرية جمعاء فهو وعدا غير مسبوق فيما يتعلق بالعدالة والمساواة بين البشر .وفي ظل اللبرالية المتوحشة والعولمة أصبحت البشرية بعيدة جدا عن فكرة العدالة . نقده للعولمة لا يضعه مع الرومانسيين المتسلحيين بفكرة الفردوس المفقود في نقدهم للحداثة ولا تيَارات ما بعد الحداثة التي تنتقد العقل . فهو يرتكز علي فكرة التذكير بالوعد الجبار الذي أعطته فكرة الجمهورية للبشرية فيما يتعلق بمسألة المساواة والعدالة . يؤكد لوك فيري أن الخلل الذي أدي لفك الإرتباط مع مثالية فكرة الجمهورية لم يكن محاربة العقل بل هو نتيجة الإيمان العميق بافكار التنوير والإيمان باللبرالية السياسية التي تأتت منها فكرة العولمة التي جعلت العالم اليوم في صورته المترنحة . ففكرة الجمهورية كما يري كثير من المفكريين ولوك فيري من ضمنهم هي نتيجة الإنتصار الواضح لأفكار جان جاك روسو المتمثلة في فكرة السلطة بيد الشعب وهذا ما يفسر الفوضي والمجازر التي أعقبت الثورة الفرنسية ففكرة السلطة بيد الشعب أيضا أمَن عليها بنجامين كونستنت وأضاف إليها البعد اللبرالي وأكد بأنه لا يحق لأي كان وبأي صفة سواء كانت من التراث الديني أو التقاليد الملكية أن يسحق كرامة الإنسان . فسيادة الشعب وحرية الفرد هي نقطة التقاطع مابين فكرة الجمهورية واللبرالية . وهنا تختفي الأفكار المطلقة التي تنطلق من التراث الديني وتقاليد الملكية . سيادة الشعب وحرية الفرد مبدآن قامت عليهم الديمقراطية . فهذين المبدأين أمن عليهم إيمانويل كانت وهما يوضحان الإستقلالية الجماعية التي لا تأخذ إعتبار لأي أمر يأتي من خارجها . ففكرة الجمهورية واللبرالية أعطت المسؤلية كاملة للإنسان أمام أقداره وبالتالي قد أصبحت فكرة الجمهورية واللبرالية الأقرب لمقاصد الله وإكرامه للإنسان ووضعه ثقته فيه . عكس فكرة خطاب الإسلاميين وفكرة ولاية الفقيه وأهل القبلة وفكرة الإحياء التي تجرد الإنسان من مسؤليته أمام أقداره وحتي فكرة الخليفة الراشد تجرد الإنسان من مسؤليته . خطاب الإسلاميين يقوم علي فكرة الفرز المقدس الذي لا يمكن أن تستقيم معه فكرة العدالة التي أعطتها فكرة الجمهورية للبشرية . ففكرة العدالة في ظل الجمهورية تستوعب أهل الهاشم وأهل الهامش بلا فرز مقدس . ففكرة مصطفي البطل وأهل النيل الرافضون لحكم أهل الهامش وفكرة عبدالله علي ابراهيم قالولنا عرب توضح أفكار روح القطيع وأفكار روح القطيع لا تصدر إلا من فلسفة العبيد بالمفهوم النيتشوي . أما ورقة الواثق كمير الكرة في ملعب الرئيس فهي أسواء من فكر فلسفة العبيد السيئ أصلا . وهنا تتضح صورة الكسادالسياسي في السودان . فالإنسان فرداني كما أكد كل من جون كالفن ودي كارت وهنا تتضح فكرة اللبرالية عند كل من جون كالفن ودي كارت واللبرالية ضد روح القطيع التي يروَج لها عبد الله علي إبراهيم ومصطفي البطل . فكرة الجمهورية واللبرالية وفلسفة الإنسانيين قد قدمت وعدا جبَار للإنسانية وهي فكرة العدالة . فصورة العالم المترنح اليوم الناتجة من فكرة اللبرالية المتوحشة لم تقدم فكرة الجمهورية واللبرالية التي تؤمن بالعدالة . فاللبراليين اليوم هم المحافظيين الجدد وهم أيدولوجيين واللبرالية خالية من أي أيدولوجية . لذلك يري كثير من المفكريين في المحافظيين الجدد خيانة اللبرالية . لأنهم قد ربطوا اللبرالية بالرأسمالية المتوحشة . يري كثير من المفكريين وجوب قيام الديمقراطية علي فكرة الجمهورية كما رآها جان جاك روسو وفكرة اللبرالية كما رآها بنجامن كونستنت . ففكرة اليد الخفية لأدم اسمث واليد الحديدية في فكرة تدخل الدولة أدت لوضع العالم المترنح اليوم . سقوط الإشتراكية الشمولية في الإتحاد السوفيتي والأزمة الإقتصادية اليوم كانت وراء تذكير لوك فيري بوعد الجمهورية . وكما يقال بعد سقوط الإشتراكية الشمولية والأزمة الإقتصادية سقطت منظومة القيم القديمة وبقي الإنسان كقيمة عظمي . الإنسان الحر الذي يؤمن بأنه مساوي للآخريين وليس كانسان النيل العربي الأسلامي الذي خلقه مصطفي عبدالعزيز البطل من العدم . ولا كانسان عبدالله علي ابراهيم الذي يردد بلا إنقطاع قالولنا عرب . فشل فكرة اليد الخفية لأدم اسمث واليد الحديدية يتيح الفرصة للإنسانيين من جديد وفكرة مفهوم الحرية عند إيمانويل كانت وفلسفة الأنوار . وهي أن اللبرالية وحرية الفرد التي تنتهي عند بداية حرية الآخر كمحدد خارجي يؤكد إيمانويل كانت أيضا أن هناك محددا داخليا لحرية الفرد . وهنا تدخل الأخلاق وتأخذ وضعها الطبيعي في الفكر السياسي والإقتصادي . فصورة العالم المترنح اليوم في ظل الكساد السياسي والإقتصادي تكون الفرصة متاحة لأفكار تدعوا الأخلاق لأخذ حيزها الطبيعي في الفكر الإقتصادي والسياسي كأفكار جون راولز في نظرية العدالة وفكرة إنتقاده للمنفعة الكلاسيكية وفكرة حجاب الجهالة . الإنسانيون يرفضون فكرة اليد الخفية لأدم اسمث وفكرة اليد الحديدية ويرفضون فكرة اللبرالية المتوحشة والإشتراكية الشمولية . فالفلسفة عند الإنسانيين تعطي الإنسان مسؤليته كاملة أمام أقداره . فهي الأقرب لمقاصد الله من الخطاب الديني المنغلق . العالم المترنح اليوم أمشاج تتخلَق لميلاد عالم جديد . [email protected]