في السودان الذي كان يوصف بأنه بلد التعايش ، والاثنيات والأعراق المختلفة ، هنالك من صب زيت على نار الخلافات الداخلية لينفجر حروبا أهلية مزقت الوطن وشتت بنيه ، ولم يفهم البعض مقدار الخسائر و المآسي التي ولدت في هذه الحروب واعتقد البعض بأنها الباب لمزيد من التحكم والسيطرة علي مقاليد الأمور فإذا بالنار نفسها تعم اغلب أجزاء البلاد، تشتعل من جنوب كردفان والنيل الأزرق وابيي ، مرورا بجنوب دارفور، لتصل إلي شمال كردفان الغنية وتهز مجتمعها المسالم. لقد ركزت تلك الحركات المتمردة على استعداء ثقافة الوسط وتنمية الحقد تجاهها مدة قرابة الستين عاما تغيرت خلالها الأنظمة والحكام في هذه البلاد عدة مرات ، ونال الجنوب انفصاله، وظل الحقد عينه وبقيت مشاكل البلاد نفسها بالرغم من تطور التكنولوجيا وتبدل العلاقات الدولية وسقوط الجدران الحديدية والأنظمة وانفتاح الأسواق العالمية وبالرغم من التطور النسبي الذي طال البلاد من جراء ظهور النفط. وبدلا أن يعي قادة تلك الحركات المتمردة أهمية بناء الإنسان المنفتح والمتعاون بقي التشديد على الحقد تجاه المركز مع رفع شعار التهميش ،حتى وقعت هذه البلاد في دوامة التآكل من الداخل ويصبح هذا الحقد الذي أعتقد البعض بأنه الدواء الناجع لإلهاء الناس عن مشاكلهم الحقيقية هو المشكلة التي تقضي على الآمال وعلى العلاقات الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد وعلى بنية هذه الدولة. وبالأمس القريب قد شاهد الجميع من على شاشات الفضائيات كيف يعامل المواطن الصامد في أرضه بأم روابة لتزداد معاناته، وما تعرض له من قتل وتنكيل ممن يدعون الدفاع عن الضعفاء والمساكين ، وإقحامه في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل، ولكن مثل هذا الشرخ العميق الذي يحدثه اللجوء إلى العنف واستعمال السلاح ضد المواطنين العزل لا يزول بسهولة حتي لو تغير النظام الحالي ، وستبقى آثاره لسنين طويلة وينعكس على الحالة السياسية للبلد وسيصبح من الصعب التفاهم على الحكم مستقبلا . معتصم حمودة [email protected]