يحيى فضل الله في تداعياته اعادني الى ايام ما بعد الانتفاضة كنا نغوص ايامذاك بعد الانتفاضة ( ابريل 1989م ) كنا كأجمل جيل مرّ في الحياة انشغل بالفكر والساسية والندوات ونسائم الحرية , صراعات الاحزاب والتجهيز للإنتخابات والامة والاتحادي والشيوعي والجبهة الاسلامية ما اسمح الديمقراطية واعظم الخرية حين تتخلل مسام العقل وتعرف انك إنسان مسؤول ولك حقوق وعليك واجبات وانت ماوطن مثلك مثل رئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة , وتتعلم انه تنتهي حريتك حين تبدأ حرية الاخرين ولا تتمادى في الذاتية وتسمع من يحادثك بعمق وترد بإقتضاب في حدود فهم يوصلك لتواصل مع حلول , تلك هي الخرطوم وعطبرة ومدني وكافة مدن وقرى وحلاّل السودان عقب اقتلاع النميري من الحكم عندما كانت لنا نقابات واتحادات طلبة وصراع غايته العدالة الاجتماعية وحين اعلن المشير المخادع سوار الذهب بيان الانحياز من القوات المسلحة لأرادة الشعب وتحويل السلطة الى الشعب في انتخابات حُرة ونزيهة وديقراطية عمت الارجاء فرحة وخرج الناس من ضيق الحياة وهموم اكل العيش وغلاء الاسعار الى نسائم الحرية وكأنما مُلئت جيوبهم من وعد الحرية بالامنيات , نعم تلك حقبة اضاء السودان بكافة ارجاءه وكنا نسمع البيان تلو البيان ونعتقد ان الحرية باقية وراسخة , سمعنا بالصادق المهدي ورأيناه في الندوات كأحسن متحدث عاصرناه انذاك من جيل الكبار , الاتحادي يمثله صوتا سيد احمد الحسين والشريف زين العابدين وانبعاث التاريخ الديمقراطي السوداني وبدأ يتفتق وعينا على نور الحرية ولمسنا نارها , لكن تظل الحرية هي من تطفئ نار العبث السياسي شاهدنا الترابي وسعاد الفاتح وعلي عثمان وحلو الكلام في ندوات حزبهم الجبهة الاسلامية القومية وعاصرناهم يوزعون السمن في علب كبيرة والحلاوة والطحنية والبطانيات ,ومن بعد ندوته في اليوم التالي يعقبه المهدي قائلاً في مفتتح الندوة اتينا نخاطب عقولكم ولم نأتي لنخاطب بطونكم ويعود الشيوعي لينثر اضاءآت على جرائم الديكتاتوريات وينشر الوعي بلا من او اذى وفتتنا شبابا وقاد من امثال الخاتم عدلان وكبلو وكبار في حلاوة الحديث وطلاوته امثال نقد وتجاني الطيب ويعقبهم البعث (مدثر ومهاجر) مبشراً وهكذا انصتنا لتباينات الفكر والرأي وعشنا فترة انتقالية كانت اذاعة الحركة الشعبية في وصفها الحقيقي لجنراللات الجيش حرة مسموعة وقوية العباربة , وصدقت في نظرتها وكان لها بُعد نظر هاهو يتمثل امامنا اليوم في حين وصفت الجنرالات ( بمايو تو ), كانت المكتبات تعج بصحف لا حصر لها لكن الحرية إستُغلت من قبل الاسلاميين اسوأ إستغلال كعادتهم في تشويه الاخر , حين وصلت الجراءة بصحافة الاسلامويين أن يصفوا معارضيهم بأقذع العبارات ( الوان الرأية كمثال )هنا لم يفطن احد لمراميهم , اقامت صحيفة ألوان الدنيا ولم تقعدها حين ماتت اميرة الحكيم في قصة يضرب الغموض بتفاصيلها حتى اليوم فالضحية والقاتل والمقتول ما هموا ولكن شبه لنا , تحرك اعلام الاسلاميين في كل حدب وصوب ونقلوا ذلك الى الثانويات والجامعات والجوامع ( سيخ وضيق بالحوار والرأي الآخر) وصارت قضية الرأي الاولى وهاجموا وزير الداخلية (سيد احمد الحسين ) حتى ظننا انه فاعلها ولم يوفروا اخلاق او صبر وصوروا للشعب ان الديمقراطية واستمرارها يضرب أمن المجتمع ويبيح الاغتصاب والقتل , حرضوا على الفوضى الخلاقة وخلقوا الازمات ازمة تلو اخرى ( ليهيأوا الجو لانقلابهم المشؤوم ) واستغلوا زيادة في الخبز والخبز الفاخر فخرج الشارع حتى تراجعت الحكومة ووصفت صحفهم زيادة الاسعار بالكارثة جينذاك (خبز فاخر ب50 قرش لو الذاكرة جيدة) بكم سعر الخبز اليوم , عقب حكم اسلامي على حد قولهم لربع قرن ؟؟؟ كم بلغ سعر الخبز ؟؟؟. في الدول التي تنهض بها شعوبها يستقيم الامر حين يقرر الشعب بعد ربع قرن نحن نتراجع بشكل مروّع ومخيف ما لم يقوم الشعب بدوره الحقيقي في تحديد من يحكمه وكيف يُحكم , ولو كان ذلك قبل ربع قرن فقط فلك اهدي قصة حكاها لي احد الاعمام الاصدقاء قال انه في نهاية الستينيات تخرج من مدرسة التجارة وتم طلبه عبر مكتب العمل لاختبارات وظائف مفتشين تذاكر في سكك حديد السودان وتم بعد الاختبار استيعاب عدد من المحاسبين الخريجين او هكذا تقريباً من فرط دهشته قال لي كنا في الرحلة بالقطار وطنا نقول له قطر نيالا كما نقول قطر كريمة وقطر بورتسودان ... الخ قال محدثي بالقطار مستشفى متحرك به مساعدين طبيبن واطباء وطهارين وقابلات (دايات)وهناك عربة ملحقة فيها اغذية اطفال وحليب وبنسلين وادوية كحة ونزلات البرد والحميات سألته في دهشة لمن قال لي للرحل والحلّال انائية التي لا تتوفر فيها نقاط صحية للرعاية الاولية ومن دهشتي على ما ذكر ادهشكم كانت ايضاً هنالك عربة ملحقة في القطار بها تيوس قلت لمحدثي بتقول شنو ؟؟؟؟!!! قال لي تيوس اي نعم تيوس فقلت له لى شنو التيوس ؟ قال محدثي وذلك في ستينيات القرن المنصرم في هذا الوطن الذي اشقاه ساسته غير الأُمناء غير الناضجين : اسكتني الدهشة ولا اعتقد انك ستسلم عزيزي القارئ كانت التيوس التي في العربة الملحقة يتم انزالها في المحطات القصيرة التي يتحرك القطار فيها ببطء ومهلة وتُسمى السندة لان بها دائما رجل بسيط واسرة صغيرة يكون عندهم ماعز او اثنتان ويحتاج من اجل تخصيبهم الى تيس من اجل توفير تكاثر وحليب وله فيها مآرب شتى يستفيد من وبرها ولحمها , حكى لي والدي يرحمه الله ان الدراجة (العجلة) كانت تُرخص وتعطى لها نمرة اي لوحة ومخالفات وطريق خاص بالراجلين ولاصحاب الدراجات طريق هكذا كان السودان كانت شوارع المدن الرئيسية يتم غسلها وتنظيفها بالصابون المعطر , وكانت تتلقى البلدية بلاغات بأي حفرة في الشارع واذا تسببت الحفرة في ضرر يتم تعويض المتضرر هكذا كان السودان !!! فأين هو اليوم في ظل الغلو والاسلمة الاجبارية وكأنا نحن كنا في جاهلية القرون السحيقة او ما قبل الاسلام . نعم كانت لمبة الوعي مضاءة حتى جاءت ال30 من يونيو وبأسم الدين محطمة اي نور وطفأت كل وعي مضاء ولعبت على هتك النسيج الاجتماعي ولعبت بالقبلية والجهوية حتى صار الوطن مثخن الجراح , نعم إنطفأت لمبة الوعي ولن يضيئها غير هذا الشعب ليستعيد الحياة بعد يأس عاشه في ظل حكومة متناقضة خربت البلاد كما لم تخرب عجوبة دولتها , هؤلاء يجب ان يماط اللثام عن زيف شعارتهم بفضح الفساد وضرب شعار التدثر بالدين كذباً من اجل الانطلاق لحرية مرتجاة , ألا يحلم شباب السودان بالحرية , ألا يرون كم هي قيمة حرية العقل والفكر ؟ فلنعمل جميعاً من اجل اضاة اللمبة لمبة الوعي في هذا الجيل لينطلق بسودان واعد اذما استقر له الخيار وانتزع حقه الاصيل في الحياة الكريمة . [email protected]