لا شك ان حادث اغتيال ناظر قبائل دينكا نقوك بتكويناتها التسع ومرافقيه و سقوط عدد من جنود حفظ السلام الأثيوبين وبالمقابل نفر من أبناء قبائل المسيرية عند تخوم التنازع القديم الجديد في منطقة أبيي ، لن تقف شرارته في حدود حجمه المأساوي ، مالم تتدخل حكمة أهل المنطقة من الجانبين حتى لا تتسع دائرته فتعيد الصراع الى فوهة الجحيم التي كانت تتقد تحت رماد وصفيح التسويف والتأجيل والمماحكات التي جعلت المنطقة المتداخلة أرضا و بشرا وبقرا منذ الأزل كرة تتقاذفها حكومتا البلدين السياميين المنفصلين حديثا وهما البعيدتان عن جر الشوك في جلدهما التخين وليس مثل أهل المنطقة التي جعل منها حكماؤها التاريخيون الأباء دينق ماجوك وبابو نمر مثالا للتعايش قديما ، فتقاسمت الحب والالفة طويلا قبل الماء والكلاء ! كانت حكمة الكبار هي الغطاء الساتر لكل الخلافات والحاجز المانع لتطورها ، والاطار الواسع لاحتوائها ! حتى دخلت الحكومات التي خلعت عن أهلها عباءة تلك الحكمة العشائرية البعيدة النظرفي جوديتها وتسوياتها ، وألبست بعض ابناءها من المتفاوضين الأفندية ثياب الولاء الحزبي والعقائدي وأغرقت ادمغتهم في أجندة فكرها الضحل و سمرّت عيونهم على مصلحة التنظيم أو الحزب متجاوزين ما هو تحت أقدامهم من مصالح أهلهم وقد باتوا لا يفهمون لغتها و مقدرّات الوطن التي أضحت عندهم جزءا من كليات المبدأ السياسي الضيق ! حتى أو صلتنا الانقاذ التي أكملت الناقصة بمعالجات طب البصيرة أم حمد ، متضامنة مع هزل جحا في جنوب البلاد الى التحكيم الدولي وكنا حينها دولة واحدة في ظاهرة غريبة وفريدة، اذ أن محاكم لاهاى تفصل عادة في النزاعات البينية بين الدول وليس بين قبائل الدولة الواحدة ! لم نكن متشائمين حينما تم التقارب بين الخرطوم وجوبا في الأيام القليلة الماضية ولكننا كنا نستشعر خوفا داخليا من أن ما بنى على أساس هش لن يعمر قشه كثيرا اذا ما كان محاطا برياح تلفه من كل جانب دون أخذ الحيطة منها بتأسيس المصدات التي لحمتها وسداتها عدم تجزئة الحلول أو ترحيلها للانغماس في فكرة الخروج من الأزمة الاقتصادية التي ضرب سوسها في عظام الحكومتين ، قبل معالجة القضايا التي يتغلغل سرطانها في بنية النسيج الاجتماعي الذي عاش معافى في خضرة تلك الأرض التي كانت تسع الجميع ، فضاقت بفعل سياسات الحكومات التي جعلت منها نزاعات تجاوزت الوطن والاقليم بل وعبرت القارات ، لتصبح أضبارة في طاولات التحكيم الدولي ، جلبت بين طياتها الالافا من الجنود بسحنات مختلفة وقبعات متباينة الألوان ، فتراجعت حيالها الجبة واللادو والعصا وكم كانت تعقد الدماء قبل أن تنسكب من العروق ! فهلا عدنا الى تلك الحكمة ، حتى نصبح بلا حاجة الى نزق الحكومات ولا بروقراطية التحكيم ! وما الحكيم العليم الا الله الذي نسأله حماية أهلنا هناك وفي كل مكان من كل شر أثيم. انه المستعان . وهو من وراء القصد.. محمد عبد الله برقاوي.. [email protected]