يارب النخل لك الحمد .. أمنحني يارب النخل رضاك وعفوك إني أبصر حولي قامات تتقاصر أبصر من كانوا يمشون علي قدمين أنقلبوا حيات تسعي يارب النخل رضاك وعفوك لاتتركني في هذي المحنة أرجوك أمنحني يارب النخل قامة نخلة . " سعدي يوسف " . طوبي لهذا الشاعر السبعيني الشباب الاممي البصراوي العراقي النبيل , فقد طوي العمر في المنافي , علي أمل العودة إلي بغداد ظافرا , لا من خلف بوابات جيش الاحتلال , إنما من خلف طبول الحرية والديمقراطية التي أفني حياته من أجلها , أنه في مقدمة ركب المحدثين من الشعراء العرب , وهو الذي غادر العراق منذ مايقرب الاربعة عقود , ولكنه لكي يكتب , ويظل في قلمة وريد من دجلة , فإنه يفر من عواصم العالم الاول الي القاهرة والشام والعواصم العربية كي يستمد طاقاته الشعرية , فالشعر دون أسلحته وكيمياءة يبقي حملا كاذبا ورهابا لاتمطر سحائبه .هذا المتمرد المطارد طيلة حياته , حتي بعد ان أستقر به المقام في أحدي العواصمالغربية التي يحب , لاحقته غربان العسس , تدعوه للتجسس علي بني جلدته من الأعراب التي صارت عاربة الهاربة إلي جنة الديمقراطية , فلم يحترموا فيه قدسية الموقف ونقاء جنس الشعراء - الحقيقيين - فولي هاربا , فالشعر مثل معدن الذهب لايصلح ان يخلط معه القصدير .. , عاش في جنح عوامة علي نيل القاهرة ومن وهران إلي باريس , ومن بيروت إلي لندن حيث أستقر به المقام منذ عقود ثلاث . إنه صاحب (القرصان) و ( الاخضر بن يوسف ) و(أغنيات ليست للأخرين) , و(الليالي كلها) و(الساعات الأخيرة) و(بعيدا عن السماء) و ( قصائد أقل صمتا ) , ولك عزيزي القاريء ان تعجب : كيف يغني المغني كل هذا النشيد منالمنافي رغم جراحات العمر , وكيف يتأتي له ان يتسيد ساحة الحداثة , بينما انت تري طيف قصائده المتشردة المبعثرة , التي لاتستقر علي حال , وهي تعكس حياته وحياة طلائع المثقفين والانتلجنسيا العراقية راسخة الاقدام منذ أيام هولاكو الذي عبر نهر دجلة علي منتوجهم المعرفي حين رمي الكتب في تياراته التي تستمد نقاءها من فيض نبض العراقي .. , ولكن هل يضيع دم الحلاج سدي أم انه يمتزج بالماء القراح ويتوهج كلما مضت به أوردة النهر ..تمنح الخصب جيلا بعد جيل : " كنت تأمل في ان تري الموجتين وقد غدتا موجة .. ربما لست أدري هو ذنبك أنك يوما ولدت بتلك البلاد ثلاثة أرباع قرن ومازلت تدفع من دمك النذر تلك الضريبة ( انك يوما ولدت بتلك البلاد ) وما تلك ؟انك تعرف أغوارها والشعاب تواريخها الكذب المدجن الفاقدات المدينة تلك القري حيث لاشيء ذاك الظلام العميم وتعرف ان البلاد التي قد ولدت بها لم تكن تتنفس معني البلاد " ولد سعدي يوسف بالبصرة عام 1934م وحصل علي ليسانس الآداب من جامعة بغداد , وترجمت له العدي من الاعمال الي اللغات : الانكليزية والفرنسية والايطالية وغيرها , وحصل علي جوائز الشعر : سلطان العويس وكفافي , فيرونا وغيرها . قاسم طلائع الشعراء العرب من صناع الحداثة , حياة المنافي , وتحضرني خاطرة فقد عاش كاتب هذه السطور حصار بيروت عام 1982م من قبل العدو الصهيوني - حينها أنتحر خليل حاوي بعد ان عز عليه رؤية جيش الاحتلال يدنس أرض بلاده وسط الغياب العربي الا من الضجيج الاعلامي , كان من ضمن من حوصر فيها من المثقفين العرب : الشعراء : محمود درويش ومحمد الفيتوري وسعدي يوسف , ( ويا له من حصار للحداثة العربية ) كتب سعدي الكثير عن بيروت : " أتذكر يوم أنبطحنا علي ساحل أبين .. ظل الرصاص ينز ولم أرتجف .. وفي صيف بيروت .. صيف الضواحي تطلعت في الموقع المتقدم كانت علي مدخل الحي دبابة كانت الطائرات المغيرات تلقي صواريخها غير أنك كنت الديناميت في علبة الخشب اليوم حاولت ان أتبين ما كنت تكنز آنذاك تجري كنت تأمل في ان تري الموجتين وقد غدتا موجة .. ربما لست أدري " . وسعدي يوسف مثل رصفائه من رواد شعر الحداثة , لا يخفي قلقه علي الشعر من غيبة النقد والتقييم ويخاف علي مستقبله , في ظل إتساع دائرته وأنخراط جحافل ممن أرتدوا ( قميص ) الحداثة , يقول سعدي : " الانتشار الواسع للشعر الجديد , لايشكل بحد ذاته مؤشرا مستمرا لخصب الأرض , فبدون حركة النقد - حتي لو جاءت متأخرة - تظل معادلة مرهقة الي حد الخطر أو الهشاشة .وهو يري غيبة التحليل لنصوص الشعر التي تكتب , كل علي فرادتها , وأستكناء وتفرس ما حوت , فنجده لا يطمئن لتطور حركة الشعر في أوساط الرواد - وهو واحدا منهم - حين يقول : " تطور حركة الشعر وأستمراريتها يستلزمان معرفة حقيقية بالعملية الفنية , معرفة تستند إلي تفرس عميق في النصوص المتاحة , مما يجعلنا أكثر أطمئنانا إلي المستقبل , ويمنح خطوات الشعراء الآتين أرضا يقفون عليها " . * لقد أخذ " السياسي " من طاقات الشاعر وأبداعه وسنوات عمره الكثير , والواقع المأساوي الذي يعيشه العراق هو بالطبع فوق طاقة البعض من المبدعين المرهفين مما جعل سعدي يتهرب من أسئلة الصحافيين وضجيجهم السياسي ويعلن " انه لم يعد العراق يعنية .." الي آخر ما يقول من عبارات تحمل من خلفها من دلالات ماتحمل , وليعود عاصفا في قصيدة يرثي فيها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري بعنوان حمل أسمه , ونراه يرثي فيها نفسه أيضا , نتركك القاريء الكريم مع مقاطع منها لنستبين عنفوان الحب الطاغي لوطنه , وكم العواطف التي حاصر بها الجواهري وهو في مقبرة الغرباء بالشام : " من مشفي الشام الي النجمة ومن النجمة حتي بغداد دربك مكتنز بالأوراد .. وقميصك هذا القطن سترفعه دجلة كوكبة الاحفاد ... بغداد بعيدة يا أبا فرات .. بغداد بعيدة عن بغداد .. وماؤها لم يعد خير ماء .. انه يجري تحت جسورها الغرباء ها أنتذا في مقبرة الغرباء تلملمنا حولك التربة ستكون بستانا.. روضة .. أباة ومساكين وشعراء .. مهاجرين علي الوثقي وأنصار ها أنتذا في مقبرة الغرباء .. خطاك .. ليل كافر يا أبا فرات .. ... من مشفي الشام الي النجمه ومن النجمه حتي بغداد .. دربك مكتنز بالاوراد وقميصك هذا العلم الوطني ستلبسه حتي دجلة كوكبة الاحفاد ... نمضي لكي نمضي ومنهلنا ماء الثماد .. ورحلنا النمر .. نحيا حياة لايليق بنا إلا السبيلان الطهر والخطر . من مشفي الشام الي النجمة ومن النجمة حتي بغداد دربك مكتنز بالاوراد وقميصك هذا الصوف تبلله دجلة كوكبة الاحفاد . ابراهيم علي ابراهيم [email protected]