الطرفة الشعبية تحكي عن رجل نهبه شفاته، ماله حتى ملابسه ،فانتظر حتى المساء فدخل بيته يتخفى فواجهته زوجته بخلعة شديده ، فحكى عليها قصته فزادت دهشتها حين سألته عن الطاقية (ليه خلوها ليهو ) أجاب دود تردد بعد أن تحسس رأسه وتأكد من وجودها عليه ( والله كان لمسوها الدم ركب ) حال هذا الرجل ينطبق على القوات المسلحة السودانية ذلك الجيش العريق الذي عمت سيرته العالمين بشجاعة رجاله وحسن تدريبه ومهنية قيادته التي جعلت الشعب السوداني يثق فيه مرتين حين خرج ثائراً ضد الدكتاتوريات الحاكمة رغم ادعائها أن سندها القوات المسلحة وأحتفظوا برتبهم العسكرية لكن الشعب بوعيه يفرق بينها وقواته المسلحة. فبعد نجاح الاسلاميين في تسلم السلطة عبر انقلاب عسكري بقيادة البشير إجتهدوا في تغذية الجيش بكوادرهم الحزبية لكن عبر عملية دقيقة روعي فيها الشروط المهنية للالتحاق بالكلية الحربية ( خلافاً لما فعله الشيوعيين بعد تولي النميري للسلطة حيث أدخلوا كوادرهم بغير تاهيل أكاديمي للكلية الحربية ) مما أتاح فرص واسعة لابناء الطبقات الدنيا والأقاليم النائية من نيل شرف الجندية والقيادة العسكرية وصاروا ضباطاً بالجيش السوداني الوظيفة التي كانت حكراً على أولاد الذوات أو المرور عبر تذكية السيدين. لذلك تجد كثير من قيادات الحزبين الكبيرين هم ضباط بالمعاش. وبعد انشقاق الاسلاميين فاصلت كل الأجهزة العسكرية تساند المشير البشير بحجة إنهاء الأزدواجية وإنهاء سيطرة الملكية على التنظيم الاسلامي العسكري وكان يفترض أن يصب هذا المنطق في صالح مهنية القوات المسلحة وتوحيد القيادة والجهة التي تصدر التعليمات لتصبح هيئة القيادة هي المؤسسة الوحيدة التي تدير القوات المسلحة ، ولكن هذا المسلك واجهته حقيقة كانت من صلب أسباب المفاصلة وهي فصل القيادة السياسية عن القيادة العسكرية حتى تستقل شيئاً ما بقرارها عن تقلبات السياسة، وهذا المطلب فسره الرئيس البشير اضعاف لسلطته التي يريد أن يفرض هيبتها . ليجد ضباط الجيش الاسلاميين أنفسهم يعيشون حالة من التوهان فقدوا خصوصية جماعتهم بعد سيطرة وزير الدفاع عليها وليس هناك تنظيم عسكري سليم مكتمل لغياب تسمية القائد العام حيث إليه يمكن أن توجه الانتقادات وتنسب النجاحات وفي العرف العسكري القائد وشخصيته مهم في إلهام قواته وبث الحماس فيها واليه يكون الولاء المهني لصلاحياته في الترقية والتحفيز لجنوده. بل حتى العقاب والعزل من صميم إختصاصاته ليكون الجنود أكثر تعلقاً به ويحافظ على قوانين ولوائح المؤسسة العسكرية . فغياب القائد العام فاقم المشكلة فإن كانوا قبلاً يشكون الازدواجية أصبحوا الآن بلا قياده وأصبحت القرارات الفنية العسكرية تتخذ وفق أهواء السياسيين ويحسمون بها خلافاتهم مما افقد القوات المسلحة خيرة كوادها واضعف دورها في الحفاظ على سلامة وأمن البلاد حيث فكر الساسة في خضم خلافاتهم في تكوين قوات عسكرية خارج سيطرة القوات المسلحة نسبوها لجهاز الأمن الوطني تدير العمليات الحربية بمعزل عن القيادة العامة مما خلق نوع من الاحتجاج الصامت لدى ضباط الجيش وخصوصاً الرتب الوسيطة منها وتحملهم اخطاء ما كان لها أن تكون اذا كان الأمر خالصاً للجيش ، لينفجر الوضع في شكل المحاولة الانقلابية الأخيرة التي قام بها عدد من الضباط الاسلاميين المحسوبين على النظام . لتصبح الصورة في النهاية يشكك في مهنية القوات المسلحة وصدق قوميتها لعدم فصل القيادة العسكرية عن القيادة السياسية واستمرار هذا الوضع الاستثنائي طويلاً حتى بات المعارضون يصفونها بمليشيات المؤتمر الوطني حيث لا يمكن لجيش محترم أن يقبل بهكذا وضع فالبلد قد تقسمت والدستور يلزمها بالحفاظ على وحدة التراب السوداني والحروب انتشرت والقانون يلزمها بحفظ الأمن القومي والفشقة وحلايب محتلتين وهي مكتوفة الأيدي لاتدري ماذا تفعل . فلو كان العمل داخل القوات المسلحة يتم بحرفية نسأل هل قاد ضباط القوات المسلحة مفاوضات ميدانية مع المتمردين الوطنيين للوصول معهم لسلام تلزم به القيادة السياسية في الخرطوم ؟ وهل كفت القوات المسلحة ايدي من يستخدمون سلاح السلطة عن التعدي على الشعب الأعزل المحتج على السياسات الخاطئة للنظام ؟ وهل التقييم والتقويم يتم وفق معايير حرفية أم أن السياسة تتدخل في الشأن العسكري ؟ . عموماً بمحاكمة الجيش السوداني بما يفرضه عليه الدستور ويلزمه به القانون وتتطلبه المهنية والحرفية .نجد البلد تقسمت والحروب انتشرت ودعاوي الابادة الجماعية والتطير العرقي وصلت الجنائية الدولية مما لايحق في حق جيش نظامي يظهر علينا من يقول أن القوات المسلحة خط أحمر . أهي خط أحمر قي قيادنها الغائبة أم خط أحمر في قرارتها المضروبة ؟ أم خط أحمر في نمرتها العسكرية التي استخدمت لحسم الحروب القبلية ؟ أم هي خط أحمر في طيرانها الذي قصف القرى وسلاحها الذي أباد المدنيين ؟ أهي خط أحمر والبلد تحرسها القوات الدولية وابيي تحميها القوات الأثيوبية ؟ فالقوات المسلحة لن تغطي جسد السوان الذي عرته القبليات والجهويات . والقوات المسلحة لن تستر عورة المشروع الحضاري التي كشفها الفساد . والقوات المسلحة (طاقية ود أب عشوش) لن تكفي ليظهر النظام تماسكة وسيطرته على الأوضاع. م. إسماعيل فرج الله [email protected]