برزت العديد من الأحاديث عن إصلاح لإفساد المصطنع والمقصود لجميع مناحي الحياة في السودان من قبل عصبة الإنقاذ التي ابتلى بها الله الشعب السوداني. وعبارة الإصلاح هذه تنزل برداً وسلاماً على نظام المؤتمر الوطني لأنها تعني باختصار مزيداً من إطالة العمر له في وقت فقد فيه كل مقومات البقاء وأصبح هامداً يفترش الأرض ينتظر من يلقي به في مزبلة التاريخ. الإصلاح بمعناه المعروف يعني إعادة الحياة للجزء المعطوب أو علاج الخلل لكن في حالة السودان هذه ليس هنالك خلل أو جزء معطوب بل هنالك سرطان انتشر بشكل مميت في كل الجسم ولم يعد أمام الأطباء سوى توزيع الابتسامات العريضة على أهل المريض والقول لهم بطريقة غير مباشرة احملوه إلى البيت ليلقى ربه من سريره وترك المكان لآخر ربما نقدر على علاجه. الجسد السوداني بحاجة إلى بتر الجزء الفاسد وهو الإنقاذ بكل مؤسساته من حزب وتنظيمات وأفراد وسياسات وقرارات خاطئة جعلت منا الأمة الأدنى في التاريخ البشري. وأي تفاوض مع نظام الإنقاذ يعني أننا نسلم ضمناً بأن هنالك شيء من خير من هذه الشرزمة الطاغية يمكن أن نأخذه معنا في مرحلة السودان الجديد الذي نبتغى. لكن أي شيء يمكن أن نأخذه منهم هل هو قفزهم عليهم بالزانة في هذا الزمن العصيب أم تدميرهم الكلي لثقافتنا وتسامحنا أم بيعهم لكل مقدراتنا وقتلهم لخيرة ابناؤنا في حروب كانت نتيجتها فقداننا لثلث مساحتنا وبقاء الثلث الثاني في خانة المساحة الفارغة التي لا تحتمل العيش المليئة بكل آفات الانهيار الأمني في حين بقي الثلث الأخير مكان لحمل جوازات السفر والتفكير في الهروب إلى أي مكان وأي وضعية كانت حتى صار الإنسان السوداني باني كثير من الأمم شيء لا يعتد به ولا قيمة له. إن مايريده عقلاء السودان من شرزمة الإنقاذ هو إعادة المال المنهوب بقوة قانون التغيير. يجب أن لا نسيء للسودان أكثر مما أساءت له الإنقاذ وأن تعقل وأن نعتبر أن الإنقاذ ومؤسساته ليست إلا هدف مباشر لحكم القانون والعدالة بعد أن نستعيد للجهاز القضائي هيبته ومكانته المسلوبة. كيف نتحدث عن إصلاح تتحول معه الإنقاذ من قفص الاتهام إلى جزء أصيل يفاوضنا على الدمار والهوان الذي أحدثته بيدها؟. الواقع يقول إن أي حديث عن إصلاح يعني أننا نتناسى مآسي 25 عاماً من الجوع والفقر والعزلة الدولية والمعاناة التي لم يحبرها شعب غيرنا من قبل. ثم لنفترض جدلاً حسن نوايا من يتحدثون عن الإصلاح ومفاوضة الإنقاذ فهل تملك الأخيرة أدوات الإصلاح والتفاوض؟ نقولها وبملئ الفم لا... لأن الإنقاذ نبت شيطاني جاءنا من حيث لا ندري ورمى بنا في متاهات زمان لا يرحم فهي ليست لديها من الفكر ما يصلح أو من الرؤية ما يقوم... إنهم باختصار سماسرة شعب يبيعون فينا يمنة ويسرى ويتركونا تارة في خانة الفقر وتارة أخرى في خانة الشعب المهان الذي تدخل الطائرات أجوائه وتعبث بأرضه دون أن تجد طائر يقول لها أنا هنا. إنهم من يفصلون قوانين الاستثمار بما يمليه عليهم سادتهم ليحصلوا على حفنة دولارات يتبخترون بها في شوارع الخرطوم ويعقدون بها المؤتمرات الهلامية لمن يشاطرونهم الرؤى الشيطانية في العالم الخارجي ولمن ينتظرون فرصة النوم في فندق وسير ويأخذون معهم بضعة أوراق خضراء عندما يعودون إلى بلدانهم الفقيرة وهم فقيرون من أية محصلة خرجوا بها من مؤتمرهم أو منتداهم هذا لأنهم مقتنعون سلفاً أنهم لا يتنفسون حزباً حتى في بلدانهم. لا ندري أي إصلاح يتحدث عنه الناس أهو حول ما أفرزه صراع خلافة الرئيس في انتهاك صارخ لكل القواعد الدستورية والقانونية والعرفية... ما ذا يريد رئيس من بلد حكمه 25 عاماً محصلتها القتل والتشريد وإغراق المدن والقرى بدماء الأبرياء. ماذا نريد من رئيس مطلوب للعدالة الدولية ولا يملك حرية الحركة وهذه أبسط قواعد السيادة يا سادة. ماذا نريد من إصلاح بتفاوض مع نظام ينام على رؤية ويصحو على أخرى. ماذا نريد من إصلاح من نظام حتى خلافاته الداخلية لم تقم على منهج وطني بل نهجها هو انت اعتديت على المساحة الممنوحة لي لإزلال هذا الشعب البسيط وتريد أن تجعلني لقمة سهلة أمام أصحاب التغيير. المعالجات الجزئية للمشكلات هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن لذلك نحن بحاجة إلى ثورة حقيقية تفتح كافة الملفات وتعمل على بتر سرطان نظام الإنقاذ بشكل كامل وأن نؤسس لدولة نحدد مسارها بكل وضوح وشفافية ننأى بها عن النعرات العنصرية والإثنية ونقول فيها الدين لله والوطن للجميع ... دولة يحكمها القانون لا مراكز القوة.... دولة تعيد للخدمة المدنية سيرتها الأولى... دولة تهتم بالإنسان وتجعله ديدنها الأول ... دولة للشرفاء لا للذين تشربوا بثقافة الإنقاذ المبنية على السرقة والنهب والفساد والتصفية والتفرقة العنصرية والمتاجرة بالدين. [email protected]