لقد أحدث إنهيار التجربة لبناء الإشتراكية في أوروبا زلزالاً في أوساط الحركة الشيوعية العالمية التي كانت في أغلبها تتقبل المنظومة الفكرية للدولة السوفياتية بإعتبارها الماركسية في التطبيق .. لكن هذا الزلزال أسفر عن وجود معسكرين أساسيين .. بينهما مسافة لكتلة من المفكرين .. المعسكر الأول و يتشكل من الذين كانوا أصلاً في مواقع مستقلة في رؤيتهم لما يجري في المعسكر الإشتراكي و هؤلاء قلة من الأحزاب و المفكرين .. يضاف إلى هؤلاء في المعسكر الأول أؤلئك – أحزاباً و مفكرين – من الذين إستفاقوا من دور المتلقي السالب .. لينتقلوا إلى المواقع المستقلة الناقدة لما جرى ... مستندين إلى سلاح النقد و النقد الذاتي الماركسي .. عاملين إلى نفض الغبار و الشوائب التي تراكمت عبر التجربة السوفيتية .. متصدين لتحليل الظواهر الجديدة بالرئاسة و التقصي بروح النهج الجدلي الماركسي... أما المعسكر الآخر فرفع الراية البيضاء و نفض يديه من التجربة المنهارة مديناً التجربة و النهج الماركسي ... و لتبرير موقفها .. تقع تلك المجموعة فريسة لإفتراءات أعداء الماركسية .. و وسط هذا الإختلاف تعلقت العيون و آمال البعض بتجربة الصين في بناء الإشتراكية ... و إختلط لدى البعض الأمل و الحكم بالحقيقة ... و حاول أولئك الذين يهمجون" إلى الأمام و المستعدين للتلقي من قبول التجربة الصينية و الترحيب بها دون الغوص في تفاصيل التجربة و التقصي الصبور لحقائق الأمور .. و هناك من رحب بالتجربة إستنادا على فهمهم أنها السياسة الإقتصادية للصين هي إمتداد لسياسة "الغيب" أو ما يسمى بالسياسة الإقتصادية الجديدة التي طرحها ( لينين) بعد إنتصار ثورة أكتوبر و في أعقاب العداء الشديد و الحصار الإقتصادي المستحكم و التدخل العسكري السافر من قبل حكومات البلدان الرأسمالية ضد الإتحاد السوفيتي .. 1- و تكشف الحوارات التي تدور في أوساط الحركة الشيوعية و العمالية العالمية العديد من الآراء و الإجتهادات .. كما تعكس بعض كتابات و مساهمات بعض المفكرين الماركسية هذه الصورة المختلف عليها .. فتترواح المساهمات بين التأييد و التخوف و القلع و حتى رفض التجربة بأكملها .. المهم يجب التأكيد على أن هناك أكثر من رأي حول إمساء الصين في سبيلها للتقدم و الإزدهار الإقتصادي .. و هذا الإختلاف في التصور خاصة من جانب الحاديين على التجربة الصينية – ينفي أي محاولة لإفتراض وجود تصور موحد في الصين بتجربة السوق الإشتراكي .. و يبدو أن هذا الخلاف – داخل و خارج الصين – أساسه الإختلاف في تقييم مسيرة الثورة الصينية منذ 1949 و تحروجاتها حتى عام 1978 حيث إستلم دينغ قيادة الحزب الشيوعي الصيني بعد وفاة ماو و هزيمة مؤيديه .. التجربة الصينية مرت مسيرة التجربة الصينية بمرحلتين مختلفتين .. المرحلة الأولى هي تلك التي تمتد من 1949 إلى 1978 .. و هي فترة عامرة بالأحداث و النقلات المهمة في تاريخ الصين .. حيث تعرضت الصين عقب إنتصار الحزب و إستلام السلطة إلى التدخل الأجنبي و إحتلال جزيرة فورمزا .. بعدها تدخلت الجيوش الأمريكية بإسم الأممالمتحدة لوقف زحف جيوش كوريا الشمالية نحو الجنوب .. و هاجمت تلك القوات الغازية جمهورية الصين الشعبية الفتية .. حافظت القيادة الصينية على ثورتها الوليدة مستندة للتأكيد الواسع من قبل الجماهير العاملة و الفلاحين و التضامن المادي و الأذلي من الإتحاد السوفيتي ... و إستطاع الحزب الشيوعي الصيني في فترة و جيزة من إرساء الحكم الوطني الديمقراطي و أن يبدأ في الفترة الإنتقالية لبناء الإشتراكية .. و رغم كل ما يقال من محاولات لإختزال تلك المرحلة و القفز عليها و ما نتج عن ذلك من إخفاقات .. إلا أن المسيرة العامة للتجربة أثبتت صوابها .. و عادت بنتائج إيجابية في مجموعها لغالبية شعب الصين .. بالطبع هناك من يشير إلى "الثورة الثقافية و القفزة العظمى إلى الأمام" و الحملة المعادية لليمين بإعتبارهم محطات أدت كوارث وطنية ... و يؤكد هؤلاء أن القيادة المساوية كانت ركزت كل إهتماماتها على الجانب السياسي .. أكثر من الأوضاع الإقتصادية .. فتخطينا بذلك أحد المبادئ الماركسية الرئيسية – أي الفكرة القائلة بأن القاعده الإقتصادية تقرر إلى حد كبير البناء القوقعي للمجتمع .. و لذا يرى البعض أن هناك الفترة إلى 1978 كانت تحمل في أحشائها إنحرافا عن الماركسية الكلاسكية ... بينما يرى البعض أن محاولات القيادة الصينية في تلك الفترة لبناء " الانسان الإشتراكي" الذي يمكنه تحقيق الإشتراكية ... و يعتبر هؤلاء أن خطوات القيادة الصينية في هذا الإتجاه هي إضافة جديدة في تجربة بقاء الإشتراكية .. و الجدير بالذكر أن حواراً قد دار في قيادة الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي بين رئيس الجمهورية و السكرتير العام للحزب جوستاف هوساك و أفراد من قيادة الحزب حول أهمية بناء "الإنسان الإشتراكي" أم زيادة الحوافز المادية لحل المشاكل التي كان يتعرض لها البناء الإشتراكي في تلك الفترة .. لكن في كلا الحالتين – في الصين و تشيكوسلوفاكيا - إنتصرت فكرة الحوافز المادية ... و يرى البعض من المفكرين الماركسيين و الشيوعيين الصينين أنه كان لماو و رفاقه السبق في التبوء بإعادة الحياة للرأسمالية في الصين متى ما وهنت القيادة و تسلقتها العناصر الإنتهازية ... و بالتالي كان لابد من الحملات التي دبرها النظام في تلك الفترة مثل الثورة الثقافية إلخ .... و لا يزال الصراع و ( P3L7) في الصين بين التيار الرئيسي الذي يقود عملية البناء الإقتصادي في الصين رأي قيادة الحزب و قيادة الجيش و رؤساء المشاريع الضخمة .. و بين بقايا التيار المساوي و بعض المفكرين الماركسيين في الجامعات الذين إبتعدوا عن الحزب أو أُبعدوا .. و التيار الأخير له نفوذ لا بأس به وسط قيادات الطبقة العاملة خاصة النقابات المستقلة التي تنشط بشكل محدود في القطاع الخاص و منظمات النساء و الفلاحين ... و تعتبر بعض الأوساط في الحركة الشيوعية و العمالية أن مجموعة المفكرين الصينين التي تلتف حول لي جنغروي ( Li Chengrui ) الرئيس السابق لمكتب الإحصاء و الأب الروحي لحركة التجديد في الصين و التي تعتبر كمركز للمعارضة ذات الطابع الماركسي في الصين ... الأكثر واقعية في التعامل مع تجربة الصين ... و قد عبرت عن هذه المجموعة عن آرائها في شكل خطاب مفتوح لقيادة الحزب الشيوعي في الصين ... و يتلخص موقف هذه المجموعة بأنه بالرغم من إشادتهم بالإنجازات الإقتصادية في الصين في العقود الماضية و أهمية كلاً من سياسة الإصلاح و الإنفتاح كضرورة لنمو الصين ... إلا أنهم يختلفون في نوعية الإصلاح ... و يؤكدون أن الإصلاح الذي ينشدونه هو مايدعم المكاسب الإشتراكية و يرفع من شأن النظام الإشتراكي و يطوره ... هذا الإصلاح المنشود لا يمكن أن يوجه لإعادة الحياة للرأسمالية في الصين كما يجري الآن .. و بالتالي يجب أن يتجه الإصلاح إلى تنقية و تقوية وحدة الحزب الشيوعي الثورية و توسيع مواعيد إتخاذ القرار و إشتراك العمال في الإدارة و فتح المجال و اسعاً لكيما تلعب المنظمات الجماهيرية النقابات و منظمات الشباب الشيوعي و الفلاحين و المرأة دورهم كاملاً في عملية بناء الإشتراكية ... كما تتبنى هذه المجموعة ما تسميه "الإنفتاح الذي يعتمد على النفس" ... و غير ما يجري الآن حيث يساعد الإنفتاح على المتاجرة بالكفاية الذاتية و بالتبعية" و يتجاهل و يضر الأمن الوطني ... و لا يفرق بين السيادة الصينية و الأجنبية .. إن رفض ما يجري و تغيره لكي يساعد في البناء الإشتراكي هو مطلب غالبية الجماهير الصينية ... نواصل الميدان