مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمتحان اليوم وغدا يعود السودان
نشر في الراكوبة يوم 17 - 06 - 2013

فى بدايه التسعينات . وعندما تفننت الانقاذ تحت ارشادات الرجل المريض الترابى . كتبت عده مواضيع عندما احسست ان البعض قد بدأ يصاب باليأس . وقلت ان الانقاذ تحمل فى داخلها بذور فنائها . وانه ليس هنالك ما يكفى من الغنائم لارضاء كل مجرمى الانقاذ ومن لم ينهب سيطالب بحقه . ومن نهب سيطالب بغنائم اكثر . وسيختلف اللصوص آجلاً او عاجلا . وسيأتى وقت يصير فيه الارهاب والتخويف غير مجدي . فالمغول اخافوا البشر فى الاول وانهارت الجيوش والحضارات امامهم بسبب الخوف والرعب . ولكن البشر تعودوا على الرعب والخوف . واتت نهايه امبراطوريه المغول . والآن لم تعد تجدى سياسه الارهاب والترويع والتخويف والتجويع . ولهذا اعيد هذا الموضوع الذى نشر فى الصحف قديماً .
شوقى
الإمتحان
****
في هذه الأيام العصيبة, اكثر انا الكلام عن الوطن. واسمع من يقول ( السودان إنتهى) حتى إذا رجعت الديمقراطية لا يمكن اصلاح الأخلاق والعلاقات الإنسانية..
لقد مر الوطن بظروف اسوأ من هذه آلاف المرات لم تزد نساءنا ورجالنا إلا قوة وصلابة. وتكونت الشخصية السودانية المميزة بالحب والترابط والعشائرية, بطريقة يحسدنا عليها الآخرون. ما هو الشعب الذي هو اكثر ترابطا منا؟.
اكبر صدمة واجهها السودان في التاريخ الحديث, كانت الإحتلال التركي. ففجأة وجد السودانيين انفسهم في مواجهة جيش نظامي مزود بأحدث الأسلحة . ومكون من الجنود الأتراك والأرناؤوط القساة والخيالة المغاربة وبدو الصحراء المتعطشين للدماء والسلب والنهب, والأوربيين المغامرين احدهم ضابط انجليزي كان مسؤولا عن المدفعية اللتي فنكت بفرسان الشايقية. لقد كانت الحرب قبلها حرب رجولة وشرف.
يصطف فرسان الشايقية وبعد إشارة من عذراء على ظهر هودج يبدأ الشايقية الحرب بقولهم السلام عليكم. آلان مورهد في كتابه النيل الازرق قال السلاح بالنسبة للشايقية كان اداة لعب والحرب نوع من الرياضة أو التسلية والموت هجوع فقط.
وعندما هاجم ملك سنار مملكة تقلي كان الطعام وكل لزوم الضيافة يصله من ملك تقلي . الذي كان يعتبر ملك سنار بالرغم من الحرب ضيفا بعيدا عن داره وضيافته بغض النظر عن الحرب مسؤولية ملك تقلي لأنه صاحب الدار.
بعد حروب البطانة وإنتصار الشكرية بقيادة ابو علي ابوسن صارت البطانة تعرف ببطانة ابوسن إلا انه كان هنالك مجال للقبائل الأخرى ان تعيش معهم.
الكبابيش فرضوا نفوذهم على منطقة شمال كردفان وطرق التجارة في صحراء بيوضة إلا ان القبائل الأخرى شاركتهم المنطقة امثال الهواوير, الكواهلة وبني جرار وآخرين. ولقد انتقل اللحويين من هذه المنطقة الى شرق النيل. وفي كتاب عبدالله علي ابراهيم (الصراع بين المهدي والعلماء) يخبرنا بالقوانين اللتي وضعها الكبابيش وزعمائهم المعروفين بالنوراب منهم الشيخ التوم ود فضل الله الذي قتلته المهدية. للقبيلة ( التبع) حق الرعي والسقي في دار القبيلة المضيفة على ان يدفع كل فرد من التبع شاه الحوض مقابل السقي وللتبع الحق في الزراعة مقابل دفع (الشراية) لشيخ القبيلة صاحبة الدار والشراية عبارة عن ثلاثة امداد من كل ريكة او ما يساوي ثلاثين مدا أو 2/4.1 كيله.
لا يجوز للتبع ان يحفروا بير (سانية) واصلة الحجر. او ان تضع وسمها على الشجر وحجارة الجبال أو أن تضرب نحاسها في مدى الدار بعبارة اخرى كان هنالك كثير من المعقولية.
لقد قام الأتراك بقطع آذان الموتى وكانت تملح وترسل للقاهرة وتساوي جنيها للزوج. ولكن الجشع دفع بالأتراك بقطع آذان الأحياء. وتعرض الخلق للنهب والقسوة . مما دفع حتى بمحمد علي ان يكتب لإبنه لائما بسبب الفظاعات اللتي ارتكبها. ولكن ابن الباشا المغرور واصل جرائمه متأثرا بمستشاريه السيئين مما ادى إلى قتله بواسطة المك نمر الذي لم يتحمل احتقار إبن الباشا فعند تسليم المك نمر عامله اسماعيل بإحتقار ولم يقدم له القهوة.
واذل الأتراك البشر في سنار ومورس كل ما هو غير اخلاقي. لدرجة ان الجند كانوا يطالبون كل من اراد ان يرتاد الماء بالدفع. وخلق المثل السوداني ( سنار من عما باعولا ما). محمد الدفتردار كان قاسيا في كردفان لدرجة انه انتزع لسان شيخ اتاه بالبشرى لأن حقول الدخن اللتي وضع الدفتردار يده عليها قد نضجت لأنه ولا بد قد ذاق الدخن.
ويخبرنا الأستاذ محمد سعيد القدال في كتابه تاريخ السودان الحديث عن انتقام الدفتردار لقتل اسماعيل باشا. الدفتردار توجه نحو النيل وهاجم الحسانية واوقع فيهم مجزرة هائلة. واستمر في طريقه إلى المتمة يعيث تقتيلا وتخريبا للقرى. فقتل الأطفال والشيوخ. وفي المتمة قتل الفين واسر ثلاثة آلاف وعندما حاول احد رقيق الجعليين قتله بحربته امر بقتل جميع الاسرى ثم انتقل لشندي واوقع بها نفس الخراب واحرق مجموعة من الجعليين واسترق بقيتهم مع انهم مسلمون. ثم اتجه الدفتردار شمالا إلى بربر وهزم الجعليين وسار إلى الدامر وخربها وحرق مسجد المجاذيب. واستمر في اسلوبه الوحشي حتى جزيرة توتي وقتل اهلها. وفي العيلفون قتل بعض اهلها ووسم الآخرين بالنار كالعبيد. وبعدها ذهب إلى مدني وكر راجعا إلى ابودليق وهزم المك نمر واسر اربعة الف من الجعليين وارسلهم كعبيد إلى مصر. وتابع المك مساعد إلى نهر الرهد وقتل كثيرا من الجعليين واسر منهم سبعة آلاف وارسلهم كعبيد إلى مصر. واصطدم بالهدندوة بسبدرات وعاث فيهم نهبا وتقتيلا واتجه بعد ذلك إلى الشكرية.
وبعد عام من الدمار وصف كاتب الشونة الحالة ( الدفتردار وضع يده بالخراب فما ترك بالبلاد انسيا ولا تسمع لها حسيسا من حد شندي إلى كترانج) ويبدو ان المثل السوداني (الريف ان شاء الله ما يجينو منوغير القماش) لابد وليد تلك الظروف.
كما ارسل الأتراك حملات لصيد الرقيق فأرسلوا سرية لجبل تابا جنوب سنار وقتلوا الخلق وأسروا آلاف البشر كعبيد. وارسلوا حملات لبلاد الشلك واستبسل الشلك امام السلاح الناري وكبدوا الأتراك خسائر كبيرة. واستمرت الحملات وسط الدينكا وبلاد التاكا وجبال النوبة. ومشكلة القبائل الجنوبية ان الشماليين شاركوا فيها بعد ان استتب الأمر في الشمال ونشطت بضراوة في ايام المهدية وصار هنالك سوق عامر للرقيق في امدرمان وكثير من المدن الشمالية وقاست قبائل جنوب دارفور وبحر الغزال بصفة خاصة من تجارة الرقيق حتى كادت بعض القبائل كالفرتيت أن تفنى.
حصلت الحكومة التركية على احتياجاتها من الحيوانات بكل الطرق , فنهب 6 الف جمل وخمسمائة بقرة من الشكرية وفقدت قبيلة بني عامر ثلاث الف وخمسمائة بقرة وثلاثمائة جمل وبضعة آلاف من الأغنام وفقدت قبائل الترعة الخضراء سبع الف بقرة. كما كانوا يشترون الجلود بأسعار يقدرونها هم , فالجلد الذي كان يساوي ثلاثين قرشا كان يشترى بثلاث قروش كما كانوا ينزعون ماشية الأهالي لتسديد الضرائب.
عامل الضرائب التركي ياخذ لنفسه حصة بدون وجه حق تسمى سفالك والمثل السوداني يقول (راحت سفالك). ومن هذه الكلمة حرفت الكلمة الدارجية سلفكة او احتيال.
الأستاذ مكي شبيكة في كتابه السودان عبر القرون يخبرنا كيف كان صاحب الحمار او الشاه يدفع خمس ريال ضريبة, والساقية بين ثلاث إلى خمسة جنيه. المتره 175 إلى 350 قرش. الشادوف 2/2.1 إلى 2/3.1 جنيه. فدان الجزائر 52 إلى 60 قرش. الجروف 42 إلى 45 قرش كما فرضت لأول مرة ضرائب على المراكب والمساكن ومورس الجلد والضرب والتعذيب بكل انواعه وهرب الناس وتركوا اراضيهم. ففي سنة 1856 كان هنالك خمس الف وتسعمائة ساقية, خربت 551 ساقية تماما وهجرت 2011 ساقية وهاجر اهل دنقلا إلى سنار وكردفان وهذا هو السبب في انتشار الدناقلة في كل اقاليم السودان.
كما نهبوا الصمغ وريش النعام وسيطروا على تجارة سن الفيل والتعدين خاصة الذهب والنحاس واعتبر الاتراك كل الأراضي اللتي لا تزرع بطريقة الساقية او الجرف ارضا حكومية.
حتى الشايقية الذين تعاونوا مع النظام ووجدوا وضعا مميزا اصطدموا بالنظام . فلقد الغى الحاكم ابو ودان اتفاقهم مع خورشيد الذي يعفيهم من الضرائب بوصفهم خيالة الحكومة ويحتاجنوها لعلف خيولهم وقوتهم . فهم يعملون بلا مرتبات. فخرب الشايقية سواقيهم اللتي استصلحوها وخربوا زرعهم وطلعوا من طاعة الحكومة.
هذه الاوضاع ونهب الشعب هي ديدن الإنقاذ الآن. بل لقد تفوقوا على الأتراك فنهبوا المال العام ومال الحكومة نفسها.
ولم يزعن السودانيين بالرغم من كل الفظائع فثار الحمدة بقيادة رجب ود بشير ومشى رجب برجولة إلى الخاذوق بعد هزيمته وقتل اهله.
وانتفض عرب رفاعة المعروفين بناس (ابو روف) ولم يستسلم البشاريين وحتى بعد قتل اربعين من زعماء الهدندوة واصلوا تمردهم. وكان الكبابيش والبقارة في حالة تمرد دائما. ولم تستطيع الحكومة ان تخضع الملك ناصر ملك تقلي. واهل تقلي هم الذين أجاروا المهدي في جبل بطن امك.
في كتاب الأمثال السودانية لبابكر بدري (الباشا البحكوله شن عرضه وشن طوله) يضرب استخفافا بالتهديد وتكملة المثل (..... كان حجر حلوله حتى شرق اللله البارد هوله؟). والمثل اطلقه الماحي ودفتر الذي بالرغم من بطش الأتراك لم يستسلم مع اخيه عبدالله ود فتر وعندما واجهوا الشنق اخيرا قال الماحي ( عبدالله قوم اتعلق خلي العسكر تتفرق).
لأننا شعب حر من نسيج خاص جدا فلن تحطمنا الأنظمة الظالمة وستذهب الجبهة ويبقى الشعب السوداني كمثال خاص.
عندما تمرد الجهادية في ستينات القرن الماضي في كسلا وشرق السودان وحاربوا النظام التركي تأثرت الزراعة واصابت المجاعة البشر. ويذكر بابكر بدري كيف كان اخوه الأكبر سعيد يجمع الصمغ لكي تخلطه امه بالدقيق وكان بابكر بدري الطفل الصغير يلعق ما يتعلق بثوب اخيه وذكر ان محمد بدري والد بابكر بدري عندما كان صغيرا في الرباطاب أن مروا بظروف قاسية من جراء الضرائب وسيطرة التجار الشوام والمصريين على اسعار المحاصيل والتجارة مدعومين بالحكومة. واثناء عمله في الساقية وهو صبي تحضر له والدته العشاء فينام بسبب التعب والإرهاق ويده في القصعة وعندما يستيقظ يستمر في الأكل. وعندما سئل الا تخشى ان يكون كلبا قد اكل من الطعام اثناء نومك فرد (وفي كلب بجي الرباطاب؟) وهذا سبب هجرة كثير من الرباطاب لديارهم. ولهم الآن حي بإسمهم في امدرمان.
المهدية اللتي خلفت الاتراك اتت بفظائع من نوع مماثل. ففي عهدالخليفة عانى اولاد البحر الذين بدأوا ثورة المهدية وتعرضوا للإضطهاد والتسلط. ويواصل بابكر بدري الذي كان انصاريا متطرفا موضحا كيف قال الخليفة للأمير عبدالرحمن النجومي خيرة قواد المهدية ( انت يا ود النجومي هوين اخوانك لمتين بتدس من الموت ).
وعندما رجع ود النجومي إلى دنقلا ارسل له مساعد قيدوم مراقبا. وكان يسئ إلى الأمير ود النجومى. ثم ارسل له يونس الدكيم رئيسا وعزل يونس حسن النجومي من سلاح النار وولى عليه احد عبيده وابدل محصلي الضرائب بعبيده او من دفع له اكثر فأنتشرت السرقة والرشوة في اراضي الدناقلة والسكوت والمحس. ومن اعترض عزل او سجن او ضرب. ولقد اجتمعت الثلاثة لبعض الناس من الأنصار الأوفياء احدهم محمد نور الكتيابي الذي وقف امام هذا الظلم فأمر بضربه خمسمائة سوط فضرب على صلبه حتى تقرح ثم ضرب على ظهره حتى صار يؤتى به منبطحا على حمار فلم يهتدوا إلى مكان يضرب عليه فقال لهم (انتو نسيتو لساني ) واخرجه لهم فتم الضرب على رأسه. كما ضرب عبد الكريم ود علي الذي صار مدرسا في المعهد العلمي وكان يؤم المصلين في شارع الأربعين.
محمد الفحل كبير الفحلاب يقول لإبن عمه محمد عبدالماجد الذي كان انصاريا متشددا (اسكت المهدي غشانا وخليفة المهدي كذب علينا).
فيبلغ عنه محمد عبدالماجد فيأمر الخليفة بضرب عنقه ونفذ الحكم. وهذ ا ولا شك يشابه شريعة النميري وشريعة الجبهة.
السؤال الذي لا يزال يطرح نفسه لماذا ارسل ودالنجومي لفتح مصر مصحوبا بثلاثة الف من الأطفال والنساء بدون مؤن. وشاهد بابكر بدري ود النجومي يصاب بالدوار بعد ان كبر للصلاة ويجلس على الأرض بسبب الجوع وهو القائد. كما يرفض ان يسلم ويرد على خطاب وود هاوس قائلا اذا قتلناكم فسنجد كل ما وعدتنا به اما اذا قتلتونا فلن تجدوا إلا جبة متروزه وحربة مركوزه.
بعد هزيمة ود النجومي, وجد اربعة الف من الأسرى السودانيين انفسهم في ظروف صعبة. ففي سجن الشلال تعرض بابكر بدري وبقية السجناء للسخره والجلد بدون سبب والصفع لدرجة ان الدم كان يخرج من اذني بابكر بدري . واستعبدوا بالعمل في المزارع بعد ان وزعوا على الأسر المصرية. بالرغم من كل الصعوبات صمد السودانيين ولم ينسوا الشرف والقيم السودانية. وهب اربع من اغنياء السودان الذين عاشوا في مصر لمساعدة الأسرى بكل امكانياتهم وعلى رأسهم الزبير باشا رحمة وعبدالله بك حمزة ومحمد صالح ثروة وصالح منقاش . لا لأي شيء سوى رباط الوطن. والآن عندما يتقابل السودانيين في اي مكان في العالم بدون سابق معرفة يصيرون كالإخوة مما تستغرب له الشعوب الأخرى حتى اشقاؤنا الجنوبيين يلاقونا بأزرع مفتوحة ونتبادل الود صافيا, بالرغم من فظاعة الحرب.
يجب ان نشكر الجنوبيين لأنهم بالرغم من الحرب اللتي فرضت عليهم قبل ثمانية واربعين عاما فلا نرى القنابل في الخرطوم تقتل الأبرياء ولا تخطف الطائرات ولا يقتل الدبلوماسيين كما يعمل الآخرون. وخيرة الرجال الذين قابلت من الجنوبيين.
لقد تعرض الخلق للسلب والنهب في زمن الخليفة وكانت العشور تؤخذ عدة مرات عن البضائع ويقال ان ثلث اهل السودان قد ماتوا بسبب حروب الخليفة والمجاعات. احد اسباب المجاعة هي احضار اعداد هائلة من اهل الغرب إلى امدرمان وكثيرا منهم ضد رغبتهم فقط لأن الخليفة كان لا يثق باولاد البحر. وبنيت صوامع الغلال في طول الطريق لإطعام التعايشة واهل الغرب. وصودرت الغلال من اهل الجزيرة بالرغم من معارضة ودعدلان امين بيت المال والعقل الإقتصادي. لأن المزارعين لن يزرعوا في السنين المقبلة خوفا من المصادرة. ونهب التعايشة كل ما وقع تحت عينهم وتصرفوا كجيش إحتلال. واحتاج عبورهم للنيل ثلاثة ايام متتالية سخرت فيها المراكب والنوتية.
احمد السني كان يفتح المطامير في الجزيرة ياخذ الثلث (للباب) والثلث لنفسه والبقية قد ينهبها اهل الغرب والجهادية والشفاتة مما جعل اهل الجزيرة يعانون من الجوع. واكل الناس حتى جلود العناقريب (عناقريب القد).
وخير الخليفة ود عدلان بأن يصادر ماله والسجن او الموت. ففضل الموت بكل شجاعة وواجه الخليفة وظلمه وعندما اخذ للمشنقة رفض ان يشرب الماء الذي قدم له واخذ حبل المشنقة ووضعه حول عنقه.
من الرجال الذين واجهوا الخليفة وحبه لإهانة الآخرين , محمود الشكري, فعندما طلب منهم الخليفة ان يجروا (يركضوا ) رفض وقال (يا خليفة المهدي الكرعين البتتعلم الجري ما بتقيف). واطلقها مثلا. هذا بالرغم من ان الخليفة قد نكل بالشكرية ووضع الشيخ عوض الكريم ابوسن في الأغلال حتى مات.
كان كثيرا من امراء المهدية وقوادها متصلبين لإنعدام الديمقراطية او الشورى واغلبهم كانوا اناسا عاديين ووجدوا انفسهم فجأة في مركز قوة وهذا ما يحدث للعسكر اليوم.
يخبرنا بابكر بدري كيف قام العامل الشيخ الحاج علي بجلد العالم الأزهري الشيخ محمد صالح في جزيرة كلب بدون اي سبب سوى ان العامل قد اكثر من شرب الدكاي بالرغم من انه انصاري.
وعندما اقترح احمد ابوسن امير اللحويين على الأمير عثمان ازرق في واقعة الجميزة ان يحتمي الأنصار بالجبل حتى يفوتوا على العدو ضربهم بسلاح النار كان رد عبدالحفيظ شمت الذي وافق عليه الأمير عثمان ازرق (الخيل خيل المهدي تموت في سنة المهدي) وفجأة يلقيهم العدو بطلق متحد. ويهرب بابكر بدري والجميع على رأسهم عبدالحفيظ شمت والأمير عثمان ازرق بينما بقي احمد ابوسن خالفا رجله على قربوس حصانه مع المدني مصطفى والطاهر الزغاوي ورجع بابكر بدري طالبا من احمد ابوسن ان يهرب فقال (الخيل خيل المهدي تموت في سنة المهدي).
تحت اي ظروف عندما يترك القرار لفرد نكون معرضين للغلط ولا نزال نعاني من قرارات نميري الخرقاء.
القاضي احمد علي صار قاضي القضاة, وشي به للخليفة وبدون اي دليل سجن ومنع عنه الأكل والماء إلى ان مات جوعا وعطشا وهو ثالث قضاة يفتك به الخليفة مما اضعف هيبة القضاء. وسلم القضاء إلى المرتشين الذين لا يعرفون حتى ابسط قواعد الشريعة.
من اهم القضاة الذين انضموا إلى المهدي في اول ايامه الأزهري اسماعيل عبدالقادر وكان قد تعلم جيدا في القاهرة ونال حظوه كبرى عند المهدي كتب تاريخا قيما يشمل جميع انتصاراته وتاريخ حياته. وطلب الخليفة من الشيخ اسماعيل عبدالقادر ان يكتب عنه وكان الخليفة يتوقع الفاظ الملق والمداهنة والمدح , وفي جملة, مثل الشيخ اسماعيل عبدالقادر, الخليفة بالخديوي اسماعيل باشا. وكان هذا كافيا لأن تحرق كل نسخ الكتاب ويرسل القاضي إلى الرجاف سجينا. كما منع الخليفة استيراد الكتب وعلى هذا كان يعاقب بالجلد والمصادرة والسجن واوقف الخليفة خدمات البريد اللتي كانت منظمة وعطل خدمة التلغراف الذي غطى اغلب السودان منذ 1860 وانهى التعليم الفني بحيث انهارت الصناعة اللتي كانت موجودة واقفلت كل المدارس.
وعندما علم الخليفة أن التجار يدخلون سواكن ويختلطون بالأتراك والمصريين , حرم التجارة الخارجية مما افلس التجار وحرم البلد من العملات الاجنبية لأنه لم يكن هنالك من يشتري الصمغ وريش النعام والعاج, الشمع, السنمكة والتمر هندي......الخ, واختفت الاوعية المعدنية كالنحاس لعدم الإستيراد والحاجة لها للاعمال الحربية. ورجع الناس الى استعمال الفخار.
ارهاب الدولة والتخلص من الآخرين مارسه الخليفة عندما قبض على كل الأشراف من اقرباء المهدي في امدرمان, رفاعة, مدني ,الكاملين, جزيرة الفيل واماكن اخرى, في يوم واحد وساعة واحدة . بابكر بدري يقابل صالح حسن واخاه عبدالقادر حسن وكريب نور الدين وما يربو على المائة شخص في الكاملين وجميعهم مشعبون بشعب العبيد على اعناقهم وهؤلاء كانوا اصحاب المنازل الكبيرة والحشم وخيل (منقودة) بمعنى مختارة واعطاهم بابكر بدري ما عنده من طعام وابكاه حالهم.
أرسل الأشراف إلى فشودة إلى الزاكي طمل وجلدوا بأغصان الشوك حتى الموت وسلم ابناء المهدي لجدهم احمد شرفي ومنع اتصالاتهم بأي شخص.
الزاكي طمل واجه مصيرا اسوأ فلقد خاف الخليفة من ارتفاع اسهم الزاكي الذي كان عادلا بمقاييس ذلك الزمان وكان يمنع جنوده من نهب الناس ولهذا اطلق المثل السوداني (الزاكي عدل والجداد قدل). ووضع الزاكي في غرفة مطوبة وكانت العقارب تلقى عليه ومنع منه الماء والأكل ولم يسمع منه اي صوت أو انة, فقط حشرجة الموت بعد عشرين يوما.
بنات واخوات سلطان دارفور واهل بيته قبض عليهم وارسلوا إلى امدرمان امثال البرنسيسة مريم , آسيا وبخيتة واعطاهم الخليفة إلى امرائه ورجال قبيلته كحسين وكنونه وعندما طلب منهم ان يتبعوا ازواجهم إلى الرجاف القت بخيتة بنفسها في النيل. وماتت والدتها العمياء حزنا والاخريات وزعوا على رجال الخليفة.
حتى الخليفة شريف اعتقل ولم يعطي فرصة لكي يلبس حذائه وجر حافيا ودفع حتى سقط مرتين في طريقه إلى السجن.
زوجات الزاكي وجواريه وزعن على رجال الخليفة وكانت زوجته البيضاء من نصيب عبد القادر او سلاطين وعندما يكون الخليفة غاضبا عليه يناديه (بشواطين).
الأمير ابوقرجة قائد سلاح المدفعية وكما قال العبيد ود بدرمهددا المك صالح (باكر يجي ابوقرجة وتقيف الهرجة) وله القدح المعلى في الحصار وفتح الخرطوم. ارسل في مهمة وهمية للرجاف حيث اعتقل ووضع في القيود ولم ينقذه سوى احتلال البلجيك للرجاف وسلموه للانجليز ومات بعد الفتح الانجليزي.
مادبو الفارس المغوار الذي هزم سلاطين في معركة ام ورقة وفتح دارفور لصالح المهدية يقتله ابوعنجة في ايام الخليفة لان ابوعنجة لم ينسى ان مادبو قد جلده عندما كان عبدا قبل ان يلتحق بخدمة الزبير باشا مع رابح والنور عنقرة وآخرين. ويرسل رأس البطل مادبو الى الخليفة ويهان الرزيقات. مادبو كان يضحك في وجه جلاديه.
الخليفة كان لا يحب الر جال الاقوياء ويجمع حوله من لا يعارضه ويتملقه وكان في مجلسه لا يسمح لاي انسان الا بالجلوس على الارض ولا يسمح للامراء حتى بالتحدث بدون اذن ولا يرفع اي شخص بصره للخليفة .
احد الشوام الذين اسلموا بالقوة كان احولا كاد ان يفقد رأسه لان الخليفة ظن انه ينظر اليه بالخطأ في الجامع.
وعندما يرسل الخليفة رسوله الى اي شخص يقف الرسول امامه ويصفق وينقلب جاريا ويتبعه الشخص المطلوب مهرولا بغض النظر عن مشغوليته او عدم ملائمة الوقت وهذا كان ينطبق على كبار موظفي دولة الخليفة كأولاد هاشم والشيخ بانقا والسيد المكي و مدثر الحجاز وبعض هؤلاء اقفل الباب في وجه رسول الخليفة عندما طلب الخليفة مرافقته الى الغرب بعد معركة امدرمان.
عندما سمع الخليفة بموت اخيه يعقوب اصابه حزنا شديدا وصار منهارا وجلس على فروته منتظرا الموت. فقال له السيد المكي (يا خليفة المهدي ما دام انت حي فالدين منصور) وعندما لم يرد الخليفة امسكه محمد عمر البنا من عضده ورفعه ولم يكن ممكنا قبلها لأي بشر ان يلمس الخليفة.
النميري كذلك كان يستمتع بإهانة الآخرين ولا يجمع حوله الا من يتملقه ويمدحه. وقد يكون ذلك بسبب فقره ونشأته المتواضعة. ولذلك انتقم من بعض العائلات الكبيرة ونكل بأهلها.
الخليفة لم ينسى انه قد اسر بواسطة الزبير باشا اثناء حربه مع الرزيقات فلم ينقذه من الموت الا تدخل رجال الدين لأن والد الخليفة كان متدينا وبعد مده رجع الخليفة للزبير مبشرا اياه بأنه المهدي المنتظر. فسخر منه الزبير باشا. كما لم ينسى الخليفة الإهانات اللتي لحقته من اهل البحر وعندما حضر مهاجرا الى المهدي فقيرا معدما ماشيا لأن حماره كان (مدبرا) ويستعمله فقط لحمل الزاد والماء واراد بعضهم نهب الحمار لولا تدخل شيخ عاقل وسب الخليفة لأصله وغرابة لغته ومظهره.
على من يا ترى كان النميري يحقد؟.عندما اهان نساء ورجال السودان واحاط نفسه بأسوأ البشر.
امثال رجب الملك وعوض الله من ملازمية الخليفة المتطرفين يقول امام بابكر بدري والامير دقرشاوي ابوحجل وسليمان ابوحجل انه سمع منهم من فم خليفة المهدي ان اصحاب الخليفة المخلصين لو ترك الواحد منهم فرضا ما سأله الله اكراما للخليفة.
لابد ان بعض رجال الجبهة يحملون افكارا مماثلة عن الشيخ حسن الترابي .
حامد جارالنبي من قبيلة الحسنات الذي كان عاملا رئيسيا في مذبحة البطاحين وانصاريا متشددا يواجه نفس مصير محمد الفحل كبير الفحلاب ويشنقه لانه تجرأ وذكر ان الخليفة شريف لن يخلف الخليفة عبدالله التعايشي وان الحكم سيكون من نصيب شيخ الدين ابن الخليفة ويعتبر هذا كفرا لانه يخالف وصية المهدي .
عندما تأخرت قبيلة البطاحين في الحضور لأمدرمان كطلب الخليفة ارسل الخليفة جيشا واوقع فيهم مجزرة بشعة واخذ سبعة وستين من رؤسائهم ونسائهم واطفالهم الى امدرمان وقام ثلاثة من اكبر جلادي الخليفة, احمد الدالي والطاهر ود الجعلي وحسن ود خبير بقطع ايديهم وارجلهم وشنقوا بعد ذلك بالرغم من ان عثمان ود احمد من اصدقاء الخليفة المقربين. وهو من اركان قبيلة العركيين واجبرعلى حضور قتل اهله. وعندما تاخر (ابو روف) في الحضور تعرضت القبيلة الى مجزرة هائلة وارسل اطفال ونساء القبيلة كسبايا لامدرمان وبيعت قطعانهم بريالين او ثلاثة للثور او الجمل بدل ستين ريالا.
بعد قتل الشلك اخذ الكثير منهم كعبيد في صنادل مقفولة ومات اغلبهم بالإختناق . بعد هزيمة الكبابيشش استباح الخليفة ممتلكاتهم واباح دمهم مما زعزع الاستقرار في المنطقة وقضى على التجارة مع مصر وخوفا من الغنيمة انتسب كثير من اقسام الكبابيش الى القبائل المجاورة.
التاجر الصادق عثمان الميرفابي كان من اغنى تجار امدرمان كانت له ثمانية مخازن مليئة بالبضاعة وشي به بالرغم من انه صديق شيخ الدين ابن الخليفة وبينما هو يتوضأ لصلاة العصر يدخل عليه محمد ابوبلل ويحجز عليه ويطلب مفاتيح المخازن فيلقيها الصادق على الارض ويستمر في الوضؤ وبعد صلاته يكتف بعمامته ويساق الى الموت.
ويواصل بابكر بدري كيف ان عبدالماجد الحاج محمد الغبشاوي يشي باحمد العجيل من كبار تجار امدرمان, لان احمد العجيل تزوج مطلقة الغبشاوي.ويقبض عليه بتهمة تدبير هروب سلاطين . ويصر ابشر عثمان, صديق وشريك احمد العجيل على مرافقته بالرغم من مناشدة الذين اعتقلوا احمد العجيل وبابكر بدري لكي ينجو ابشر بنفسه الا انه كان يقول (انا واحمد نموت معا او نحيا معا ) ويتبعه الى السجن وحتى بعد وضع جنزير الوابور على عنق احمد العجيل ثلاثة مكيات(أغلال) في قدميه. يناشد العم عوض عامل الخليفة ابشر بأن لا يؤتم اطفاله ويقتل نفسه. ويصر قائلا (انا مع احمد العجيل تمتعت معه والله علي الطلاق سأموت معه) ولقد كان هذا ولا شك يفوق وفاء السموئل.
لقد تصرف التعايشة واهل الغرب كانهم جيش احتلال في امدرمان ففي الحقيقة كانوا بعيدين عن وطنهم في بلد لا تربطهم باهله الكثير مما جعل اهل الجزيرة ووسط السودان يكرهون المهدية. بابكر بدري والمنصور ابوكوع بالرغم من جبه للانصار والعزبة, يمرون بجماعة من التعايشة بالقرب من بيت المال تحتك امراة عجوز بباكر بدري وتسقط كالميتة ويهجم التعايشة عليهم ويفتشون جيوبهم وياخذون خمسين ريالا من بابكر بدري وخمسة عشر ريالا من ابوكوع. وفجأة يركل احدهم المراة وتقوم بنشاط وهذه الحيلة وحيل اخرى تعودها اهل امدرمان من التعايشة .
كما انقض ستة من الجهادية على بابكر بدري وعمه مالك بالقرب من السور الشمالي ونهبوا نقودهم وعمائمهم وسيوفهم والكرابة. ولو سمح باب السور الصغير بادخال الحمير لاخذوها.
عبدالله عبدالامير السنوسي اخ الخليفة من امه يصرخ في بابكر بدري لكي ينزل من حماره لانهم يحتاجونه لاحد العبيد , الذي كان ماشيا بالرغم من انه ومنصور ابوكوع كانوا يلبسون ملابس الانصار ويعلقون التركاش الذي توضع فيه الحراب الصغيرة على سرج الحمار كما يطلب الخليفة من انصار المهدي. وعندما لا يجري بابكر بدري خلف الحمار ارسل من جره وربط في الشمس في يوم حار. بينما عبدالله ينظر في قضية, ولعدم معرفته بالشرع تدخل بابكر بدري الى ان رضى عبدالله وسمح له بالجلوس في الظل وبعد ذلك جرى بابكر بدري خلف الحمار وصادف ان مروا امام منزله , فعرض عليهم ان يشرفوا منزله بشرب الشاي وبعد الشاي ادخل عبدالله البراد في جرابه بدون ان يستاذن . وكانت هذه عادة التعايشة في اخذ مايريدون في اي وقت من الجميع .
ومن اسوأ الحوادث في اثناء حكم الخليفة (كتلة الجعليين) بالرغم من ان عبدالله ود سعد قد انضم الى جيش ود النجومي وابلى جيدا الا انه تعرض للقتل بواسطة الامير محمود ود احمد الذي اوقع مجزرة بشعة في الجعليين وقد قال ود سعد انه لا يريد ان يعمل شيئا يسب به بعد موته كما قال (وجعني شردة المك نمر) بعد الهزيمة القى نساء الجعليين بنفسهم في النيل كي ينجو من العار.
ذهب بابكر بدري مع موسى يعقوب لزيارة العامل مختار محمد الرباطابي لمرضه وجدوا معه ملازمية الامير يعقوب علي احمد فضيل وادم جليد الحريري ودودية بدوي وداؤود وكلهم من قبيلة الجوامعة وامامهم سموار الشاي.
وفجأة سمعوا صوت الوابور الاتي بنساء المتمة الذين اسروا بعد المجزرة. ويضرب داوؤد فخذيه قائلا ( كب امشي لخليفة المهدي اديني جعلية اسويها سرية) فما تم كلامه الا ونهض مختار المريض وضرب داؤود صفعة كادت تلقيه على الارض وضرب السموار برجله قائلا وكمان تشرب الشاي في بيتي تشرب السم وقال داوؤد (يا مختار تضربني) قال(واقتلك وهل خليفة المهدي يقدر يعمل الجعليات سراري؟ وهل يقدر يعملهم اذن ما امدرمان تقيد نار؟) وخرج داوؤد غاضبا وخرج موسى يعقوب فزعا ورجع مختار لسريره وصار يبكي فنهض علي احمد فضيل وقال (والله يا مختار خليفة المهدي ما يرضى يجعل الجعليات سراري) بعد ان خرجوا قال بابكر بدري لمختار (في مثل هذ الايام تعمل مثل هذا العمل وتتكلم مثل هذا الكلام ؟) فرد ( انا عارفك جبان ماذا يريدون ان يعملوا لنا اكثر من هذا وما قيمة الحياة بهذه الحالة؟.)
وذهب داؤود متهيجا شاكيا للامير يعقوب الأخ الاكبرللخليفة من ابيه. ولكن هذا كان سببا في ان كل الجعليات اطلق سراحهم لذويهم في نفس اليوم ولم تبقى واحدة في بيت المال بعد مغيب شمس ذلك اليوم. وامثال مختار تريدهم بلادنا في كل لحظة.
في آخر ايام الخليفة ساءت الأحوال في السودان وصار حتى الأغنياء معدمين. فيقصد الرجل الكريم البلال الاسيد وعبدالرحمن مسعود اغنى تاجر في السودان والنور عبد الحفيظ الذي كان بيته ممتلئ بمهاجري المتمة. بابكر بدري ويطلبونهم ثلاثين ريالا نسبة للعناء الذي صار يعاني منه الجميع فيعطيهم بابكر بدري 22 ريالا وحجولا واساور فضية لابنته الصغيرة اللتي ماتت وكان هذا كل ما يملك , بعد تجارة مزدهرة وغنى. وفي نفس هذه الايام كان محمد علي الاحيمر صديق بابكر بدري وهو الامين على نقود الامير يعقوب يصرف خمسين ريالا على االعشاء في الليلة ويوزع ثلاثمائة ريالا على المداحين امثال ابوشريعة والشيخ ابراهيم كراع النعامة والشيخ علي طلبة .
وكانت الجارية الجميلة تباع بستين ريال.
عندما اختلفت الامور بعد الاحتلال الانجليزي صار الاحيمر يطلب مساعدة الاصدقاء لانه حورب بواسطة سلاطين الذي رد خائبا عندما قصد الاحيمر طالبا المساعدة أيام فقره واسره .
بما ان الانجليز قد استباحوا المدينة لثلاثة ايام فقد انقلب ميزان الامور وصار بعض جنود الأرطة السودانية والسودانيين الذين رافقوا الجيش الغازي اغنياء وظهرت طبقة جديدة لا ينتمون للقبائل المعروفة وعرفوا فيما بعد بالمواليد وصاروا اهل جاه ومال وسمح كتشنر بنهب الغلال من مخازن الخليفة. الذين كانوا يسكنون بالقرب من المخازن صاروا يدخلون الغلال الى منازلهم بالواسوق (مجرفة كبيرة).
واضطر وجهاء امدرمان لهجرها وهاجر بابكر بدري واهله الى رفاعة وكذلك البنا الكبير. ومورست بعض الفظاعات في ايام الإحتلال الاولى وامتلات الطرقات بجثث مجهول اصحابها و مجهول قاتليهم وقتل جندي من الأرطه السودانيه التاجر ابراهيم تميم الأصولي لانه كان سيده الذي رباه. كما قتل جندي اخر ابراهيم بك اليعقوبابي وكان الجندي قد ولد وتربي في منزله.كما استقل البعض تلك الظروف لينتقم من عدو. فعلى سبيل المثال قتل احمد حمزه بواسطه الجعليين وقتل عوض الكريم كنون بواسطه الميرغنيه.
وحتي بعد استقرار الحكم الانجليزي عانت البلد عده مرات من المجاعه واتى الانجليز بالغلال من الهند وعرفت تلك السنة بسنة (عيش الهند) واتت بواخر محملة بالغلال الى الشيخ حسب الرسول ابن الشيخ العبيد ود بدر لايدري احد كيف , ووزعت على المساكين كما ذكر الاستاذ عبد الله رجب في مذكراته.
وعندما حلت المجاعه في السودان في اخر ايام النميري طلب السفاح من الوافدين الي العاصمه ان يستغفرو ربهم ويرجعو لديارهم. الا ان اهل امدرمان خرجوا للحاج ابوزيد والمويلح بكل ما استطاعوا ان يقدموه. في مجاعه سنه سته تكاتف الناس بالرغم من الشدة وكان البعض يعطي ابناءه لمن يستطيع ان يطعمهم ويستردهم بعد المجاعه.
لقد قال المكتشف والصحفي استانلي الذي اشترك في الحروب مع الهنود الحمر في امريكا بعد ان رجع من رحلته الي اوجيجي في مجاهل افريقيا بحثا عن المبشر دكتور ليفنقستون (اذا كان عندي خمسمائه جندي لذهبت الي اي مكان في افريقيا ولعملت ما اريد ولما قبلت ان ادفع لاي زعيم افريقي عندما امر بمنطقته).
انه ولا شك يتحدث عن افريقيا مختلفه فان ابن جلدته هكس باشا قد واجه حتفه في شيكان بالرغم من جيشه الجرار وفي اربعين دقيقة ولاول مرة في التاريخ ينقرض جيش كامل. عشرين الف جندي
لقد قال اللورد كيبلنج كما اورد الاستاذ محمد خير البدوي في كتابه مواقف وبطولات سودانية. ان السودانين هم اشجع واعظم المقاتلين الذين واجهوهم فلم تستطع اي قوه في الارض ان تخترق المربع الانجليزي الا في السودان.
لقد خضنا الحرب ضد رجال عديدين وراء البحار كان بعضهم مقداما واخرون ليسو بالشجعان. البتان والزولو و في بورما. غير ان البجا كانو اروعهم اجمعين.
ان هزيمه السودانين في كرري تعزي لعده اسباب وقد يكون احدها تهيب الخليفه للهجوم في الليل ولكن انا اظن ان السبب الاول هو ان اهل البحر قد كرهو الخليفه وظلمه وكانوا سعداء بالخلاص منه. اهل الغرب لم يكونو يحاربون دفاعا عن وطنهم فكثير منهم احضر الي امدرمان ضد رغبتهم.
فبعد معركه امدرمان مباشره تواجد جيش احمد فضيل في رفاعه وعند حضور الوابورات الانجليزيه خرج الناس لملاقاتها بالفرح والزغاريد ولكن البواخر تواصل سيرها الي مدني ويفتك احمد فضيل باهل رفاعه والقرى المحيطه بها ويعذب الناس وينهب كل شي حتى الملابس التي علي ظهورهم ويسوق الخلق امامه عراه لمقابله الخليفه ويفلح الشيخ عبد الله ابوسن في تخليص البشر بالحيله والخديعه ويهرب عبر النيل في الليل قبل ملاقاة الخليفه.
لا اظنه ان من الواجب ان نتحمل الأوضاع الراهنه ولكن اورد كل هذا لأقول اننا شعب عظيم جدا ولن تؤثر علينا المصائب. وستذهب الجبهة وستعود عظمة السوداني.
شوقي بدري....
الإمتحان اليوم وغدا يعود السودان
فى بدايه التسعينات . وعندما تفننت الانقاذ تحت ارشادات الرجل المريض الترابى . كتبت عده مواضيع عندما احسست ان البعض قد بدأ يصاب باليأس . وقلت ان الانقاذ تحمل فى داخلها بذور فنائها . وانه ليس هنالك ما يكفى من الغنائم لارضاء كل مجرمى الانقاذ ومن لم ينهب سيطالب بحقه . ومن نهب سيطالب بغنائم اكثر . وسيختلف اللصوص آجلاً او عاجلا . وسيأتى وقت يصير فيه الارهاب والتخويف غير مجدي . فالمغول اخافوا البشر فى الاول وانهارت الجيوش والحضارات امامهم بسبب الخوف والرعب . ولكن البشر تعودوا على الرعب والخوف . واتت نهايه امبراطوريه المغول . والآن لم تعد تجدى سياسه الارهاب والترويع والتخويف والتجويع . ولهذا اعيد هذا الموضوع الذى نشر فى الصحف قديماً .
شوقى
الإمتحان
****
في هذه الأيام العصيبة, اكثر انا الكلام عن الوطن. واسمع من يقول ( السودان إنتهى) حتى إذا رجعت الديمقراطية لا يمكن اصلاح الأخلاق والعلاقات الإنسانية..
لقد مر الوطن بظروف اسوأ من هذه آلاف المرات لم تزد نساءنا ورجالنا إلا قوة وصلابة. وتكونت الشخصية السودانية المميزة بالحب والترابط والعشائرية, بطريقة يحسدنا عليها الآخرون. ما هو الشعب الذي هو اكثر ترابطا منا؟.
اكبر صدمة واجهها السودان في التاريخ الحديث, كانت الإحتلال التركي. ففجأة وجد السودانيين انفسهم في مواجهة جيش نظامي مزود بأحدث الأسلحة . ومكون من الجنود الأتراك والأرناؤوط القساة والخيالة المغاربة وبدو الصحراء المتعطشين للدماء والسلب والنهب, والأوربيين المغامرين احدهم ضابط انجليزي كان مسؤولا عن المدفعية اللتي فنكت بفرسان الشايقية. لقد كانت الحرب قبلها حرب رجولة وشرف.
يصطف فرسان الشايقية وبعد إشارة من عذراء على ظهر هودج يبدأ الشايقية الحرب بقولهم السلام عليكم. آلان مورهد في كتابه النيل الازرق قال السلاح بالنسبة للشايقية كان اداة لعب والحرب نوع من الرياضة أو التسلية والموت هجوع فقط.
وعندما هاجم ملك سنار مملكة تقلي كان الطعام وكل لزوم الضيافة يصله من ملك تقلي . الذي كان يعتبر ملك سنار بالرغم من الحرب ضيفا بعيدا عن داره وضيافته بغض النظر عن الحرب مسؤولية ملك تقلي لأنه صاحب الدار.
بعد حروب البطانة وإنتصار الشكرية بقيادة ابو علي ابوسن صارت البطانة تعرف ببطانة ابوسن إلا انه كان هنالك مجال للقبائل الأخرى ان تعيش معهم.
الكبابيش فرضوا نفوذهم على منطقة شمال كردفان وطرق التجارة في صحراء بيوضة إلا ان القبائل الأخرى شاركتهم المنطقة امثال الهواوير, الكواهلة وبني جرار وآخرين. ولقد انتقل اللحويين من هذه المنطقة الى شرق النيل. وفي كتاب عبدالله علي ابراهيم (الصراع بين المهدي والعلماء) يخبرنا بالقوانين اللتي وضعها الكبابيش وزعمائهم المعروفين بالنوراب منهم الشيخ التوم ود فضل الله الذي قتلته المهدية. للقبيلة ( التبع) حق الرعي والسقي في دار القبيلة المضيفة على ان يدفع كل فرد من التبع شاه الحوض مقابل السقي وللتبع الحق في الزراعة مقابل دفع (الشراية) لشيخ القبيلة صاحبة الدار والشراية عبارة عن ثلاثة امداد من كل ريكة او ما يساوي ثلاثين مدا أو 2/4.1 كيله.
لا يجوز للتبع ان يحفروا بير (سانية) واصلة الحجر. او ان تضع وسمها على الشجر وحجارة الجبال أو أن تضرب نحاسها في مدى الدار بعبارة اخرى كان هنالك كثير من المعقولية.
لقد قام الأتراك بقطع آذان الموتى وكانت تملح وترسل للقاهرة وتساوي جنيها للزوج. ولكن الجشع دفع بالأتراك بقطع آذان الأحياء. وتعرض الخلق للنهب والقسوة . مما دفع حتى بمحمد علي ان يكتب لإبنه لائما بسبب الفظاعات اللتي ارتكبها. ولكن ابن الباشا المغرور واصل جرائمه متأثرا بمستشاريه السيئين مما ادى إلى قتله بواسطة المك نمر الذي لم يتحمل احتقار إبن الباشا فعند تسليم المك نمر عامله اسماعيل بإحتقار ولم يقدم له القهوة.
واذل الأتراك البشر في سنار ومورس كل ما هو غير اخلاقي. لدرجة ان الجند كانوا يطالبون كل من اراد ان يرتاد الماء بالدفع. وخلق المثل السوداني ( سنار من عما باعولا ما). محمد الدفتردار كان قاسيا في كردفان لدرجة انه انتزع لسان شيخ اتاه بالبشرى لأن حقول الدخن اللتي وضع الدفتردار يده عليها قد نضجت لأنه ولا بد قد ذاق الدخن.
ويخبرنا الأستاذ محمد سعيد القدال في كتابه تاريخ السودان الحديث عن انتقام الدفتردار لقتل اسماعيل باشا. الدفتردار توجه نحو النيل وهاجم الحسانية واوقع فيهم مجزرة هائلة. واستمر في طريقه إلى المتمة يعيث تقتيلا وتخريبا للقرى. فقتل الأطفال والشيوخ. وفي المتمة قتل الفين واسر ثلاثة آلاف وعندما حاول احد رقيق الجعليين قتله بحربته امر بقتل جميع الاسرى ثم انتقل لشندي واوقع بها نفس الخراب واحرق مجموعة من الجعليين واسترق بقيتهم مع انهم مسلمون. ثم اتجه الدفتردار شمالا إلى بربر وهزم الجعليين وسار إلى الدامر وخربها وحرق مسجد المجاذيب. واستمر في اسلوبه الوحشي حتى جزيرة توتي وقتل اهلها. وفي العيلفون قتل بعض اهلها ووسم الآخرين بالنار كالعبيد. وبعدها ذهب إلى مدني وكر راجعا إلى ابودليق وهزم المك نمر واسر اربعة الف من الجعليين وارسلهم كعبيد إلى مصر. وتابع المك مساعد إلى نهر الرهد وقتل كثيرا من الجعليين واسر منهم سبعة آلاف وارسلهم كعبيد إلى مصر. واصطدم بالهدندوة بسبدرات وعاث فيهم نهبا وتقتيلا واتجه بعد ذلك إلى الشكرية.
وبعد عام من الدمار وصف كاتب الشونة الحالة ( الدفتردار وضع يده بالخراب فما ترك بالبلاد انسيا ولا تسمع لها حسيسا من حد شندي إلى كترانج) ويبدو ان المثل السوداني (الريف ان شاء الله ما يجينو منوغير القماش) لابد وليد تلك الظروف.
كما ارسل الأتراك حملات لصيد الرقيق فأرسلوا سرية لجبل تابا جنوب سنار وقتلوا الخلق وأسروا آلاف البشر كعبيد. وارسلوا حملات لبلاد الشلك واستبسل الشلك امام السلاح الناري وكبدوا الأتراك خسائر كبيرة. واستمرت الحملات وسط الدينكا وبلاد التاكا وجبال النوبة. ومشكلة القبائل الجنوبية ان الشماليين شاركوا فيها بعد ان استتب الأمر في الشمال ونشطت بضراوة في ايام المهدية وصار هنالك سوق عامر للرقيق في امدرمان وكثير من المدن الشمالية وقاست قبائل جنوب دارفور وبحر الغزال بصفة خاصة من تجارة الرقيق حتى كادت بعض القبائل كالفرتيت أن تفنى.
حصلت الحكومة التركية على احتياجاتها من الحيوانات بكل الطرق , فنهب 6 الف جمل وخمسمائة بقرة من الشكرية وفقدت قبيلة بني عامر ثلاث الف وخمسمائة بقرة وثلاثمائة جمل وبضعة آلاف من الأغنام وفقدت قبائل الترعة الخضراء سبع الف بقرة. كما كانوا يشترون الجلود بأسعار يقدرونها هم , فالجلد الذي كان يساوي ثلاثين قرشا كان يشترى بثلاث قروش كما كانوا ينزعون ماشية الأهالي لتسديد الضرائب.
عامل الضرائب التركي ياخذ لنفسه حصة بدون وجه حق تسمى سفالك والمثل السوداني يقول (راحت سفالك). ومن هذه الكلمة حرفت الكلمة الدارجية سلفكة او احتيال.
الأستاذ مكي شبيكة في كتابه السودان عبر القرون يخبرنا كيف كان صاحب الحمار او الشاه يدفع خمس ريال ضريبة, والساقية بين ثلاث إلى خمسة جنيه. المتره 175 إلى 350 قرش. الشادوف 2/2.1 إلى 2/3.1 جنيه. فدان الجزائر 52 إلى 60 قرش. الجروف 42 إلى 45 قرش كما فرضت لأول مرة ضرائب على المراكب والمساكن ومورس الجلد والضرب والتعذيب بكل انواعه وهرب الناس وتركوا اراضيهم. ففي سنة 1856 كان هنالك خمس الف وتسعمائة ساقية, خربت 551 ساقية تماما وهجرت 2011 ساقية وهاجر اهل دنقلا إلى سنار وكردفان وهذا هو السبب في انتشار الدناقلة في كل اقاليم السودان.
كما نهبوا الصمغ وريش النعام وسيطروا على تجارة سن الفيل والتعدين خاصة الذهب والنحاس واعتبر الاتراك كل الأراضي اللتي لا تزرع بطريقة الساقية او الجرف ارضا حكومية.
حتى الشايقية الذين تعاونوا مع النظام ووجدوا وضعا مميزا اصطدموا بالنظام . فلقد الغى الحاكم ابو ودان اتفاقهم مع خورشيد الذي يعفيهم من الضرائب بوصفهم خيالة الحكومة ويحتاجنوها لعلف خيولهم وقوتهم . فهم يعملون بلا مرتبات. فخرب الشايقية سواقيهم اللتي استصلحوها وخربوا زرعهم وطلعوا من طاعة الحكومة.
هذه الاوضاع ونهب الشعب هي ديدن الإنقاذ الآن. بل لقد تفوقوا على الأتراك فنهبوا المال العام ومال الحكومة نفسها.
ولم يزعن السودانيين بالرغم من كل الفظائع فثار الحمدة بقيادة رجب ود بشير ومشى رجب برجولة إلى الخاذوق بعد هزيمته وقتل اهله.
وانتفض عرب رفاعة المعروفين بناس (ابو روف) ولم يستسلم البشاريين وحتى بعد قتل اربعين من زعماء الهدندوة واصلوا تمردهم. وكان الكبابيش والبقارة في حالة تمرد دائما. ولم تستطيع الحكومة ان تخضع الملك ناصر ملك تقلي. واهل تقلي هم الذين أجاروا المهدي في جبل بطن امك.
في كتاب الأمثال السودانية لبابكر بدري (الباشا البحكوله شن عرضه وشن طوله) يضرب استخفافا بالتهديد وتكملة المثل (..... كان حجر حلوله حتى شرق اللله البارد هوله؟). والمثل اطلقه الماحي ودفتر الذي بالرغم من بطش الأتراك لم يستسلم مع اخيه عبدالله ود فتر وعندما واجهوا الشنق اخيرا قال الماحي ( عبدالله قوم اتعلق خلي العسكر تتفرق).
لأننا شعب حر من نسيج خاص جدا فلن تحطمنا الأنظمة الظالمة وستذهب الجبهة ويبقى الشعب السوداني كمثال خاص.
عندما تمرد الجهادية في ستينات القرن الماضي في كسلا وشرق السودان وحاربوا النظام التركي تأثرت الزراعة واصابت المجاعة البشر. ويذكر بابكر بدري كيف كان اخوه الأكبر سعيد يجمع الصمغ لكي تخلطه امه بالدقيق وكان بابكر بدري الطفل الصغير يلعق ما يتعلق بثوب اخيه وذكر ان محمد بدري والد بابكر بدري عندما كان صغيرا في الرباطاب أن مروا بظروف قاسية من جراء الضرائب وسيطرة التجار الشوام والمصريين على اسعار المحاصيل والتجارة مدعومين بالحكومة. واثناء عمله في الساقية وهو صبي تحضر له والدته العشاء فينام بسبب التعب والإرهاق ويده في القصعة وعندما يستيقظ يستمر في الأكل. وعندما سئل الا تخشى ان يكون كلبا قد اكل من الطعام اثناء نومك فرد (وفي كلب بجي الرباطاب؟) وهذا سبب هجرة كثير من الرباطاب لديارهم. ولهم الآن حي بإسمهم في امدرمان.
المهدية اللتي خلفت الاتراك اتت بفظائع من نوع مماثل. ففي عهدالخليفة عانى اولاد البحر الذين بدأوا ثورة المهدية وتعرضوا للإضطهاد والتسلط. ويواصل بابكر بدري الذي كان انصاريا متطرفا موضحا كيف قال الخليفة للأمير عبدالرحمن النجومي خيرة قواد المهدية ( انت يا ود النجومي هوين اخوانك لمتين بتدس من الموت ).
وعندما رجع ود النجومي إلى دنقلا ارسل له مساعد قيدوم مراقبا. وكان يسئ إلى الأمير ود النجومى. ثم ارسل له يونس الدكيم رئيسا وعزل يونس حسن النجومي من سلاح النار وولى عليه احد عبيده وابدل محصلي الضرائب بعبيده او من دفع له اكثر فأنتشرت السرقة والرشوة في اراضي الدناقلة والسكوت والمحس. ومن اعترض عزل او سجن او ضرب. ولقد اجتمعت الثلاثة لبعض الناس من الأنصار الأوفياء احدهم محمد نور الكتيابي الذي وقف امام هذا الظلم فأمر بضربه خمسمائة سوط فضرب على صلبه حتى تقرح ثم ضرب على ظهره حتى صار يؤتى به منبطحا على حمار فلم يهتدوا إلى مكان يضرب عليه فقال لهم (انتو نسيتو لساني ) واخرجه لهم فتم الضرب على رأسه. كما ضرب عبد الكريم ود علي الذي صار مدرسا في المعهد العلمي وكان يؤم المصلين في شارع الأربعين.
محمد الفحل كبير الفحلاب يقول لإبن عمه محمد عبدالماجد الذي كان انصاريا متشددا (اسكت المهدي غشانا وخليفة المهدي كذب علينا).
فيبلغ عنه محمد عبدالماجد فيأمر الخليفة بضرب عنقه ونفذ الحكم. وهذ ا ولا شك يشابه شريعة النميري وشريعة الجبهة.
السؤال الذي لا يزال يطرح نفسه لماذا ارسل ودالنجومي لفتح مصر مصحوبا بثلاثة الف من الأطفال والنساء بدون مؤن. وشاهد بابكر بدري ود النجومي يصاب بالدوار بعد ان كبر للصلاة ويجلس على الأرض بسبب الجوع وهو القائد. كما يرفض ان يسلم ويرد على خطاب وود هاوس قائلا اذا قتلناكم فسنجد كل ما وعدتنا به اما اذا قتلتونا فلن تجدوا إلا جبة متروزه وحربة مركوزه.
بعد هزيمة ود النجومي, وجد اربعة الف من الأسرى السودانيين انفسهم في ظروف صعبة. ففي سجن الشلال تعرض بابكر بدري وبقية السجناء للسخره والجلد بدون سبب والصفع لدرجة ان الدم كان يخرج من اذني بابكر بدري . واستعبدوا بالعمل في المزارع بعد ان وزعوا على الأسر المصرية. بالرغم من كل الصعوبات صمد السودانيين ولم ينسوا الشرف والقيم السودانية. وهب اربع من اغنياء السودان الذين عاشوا في مصر لمساعدة الأسرى بكل امكانياتهم وعلى رأسهم الزبير باشا رحمة وعبدالله بك حمزة ومحمد صالح ثروة وصالح منقاش . لا لأي شيء سوى رباط الوطن. والآن عندما يتقابل السودانيين في اي مكان في العالم بدون سابق معرفة يصيرون كالإخوة مما تستغرب له الشعوب الأخرى حتى اشقاؤنا الجنوبيين يلاقونا بأزرع مفتوحة ونتبادل الود صافيا, بالرغم من فظاعة الحرب.
يجب ان نشكر الجنوبيين لأنهم بالرغم من الحرب اللتي فرضت عليهم قبل ثمانية واربعين عاما فلا نرى القنابل في الخرطوم تقتل الأبرياء ولا تخطف الطائرات ولا يقتل الدبلوماسيين كما يعمل الآخرون. وخيرة الرجال الذين قابلت من الجنوبيين.
لقد تعرض الخلق للسلب والنهب في زمن الخليفة وكانت العشور تؤخذ عدة مرات عن البضائع ويقال ان ثلث اهل السودان قد ماتوا بسبب حروب الخليفة والمجاعات. احد اسباب المجاعة هي احضار اعداد هائلة من اهل الغرب إلى امدرمان وكثيرا منهم ضد رغبتهم فقط لأن الخليفة كان لا يثق باولاد البحر. وبنيت صوامع الغلال في طول الطريق لإطعام التعايشة واهل الغرب. وصودرت الغلال من اهل الجزيرة بالرغم من معارضة ودعدلان امين بيت المال والعقل الإقتصادي. لأن المزارعين لن يزرعوا في السنين المقبلة خوفا من المصادرة. ونهب التعايشة كل ما وقع تحت عينهم وتصرفوا كجيش إحتلال. واحتاج عبورهم للنيل ثلاثة ايام متتالية سخرت فيها المراكب والنوتية.
احمد السني كان يفتح المطامير في الجزيرة ياخذ الثلث (للباب) والثلث لنفسه والبقية قد ينهبها اهل الغرب والجهادية والشفاتة مما جعل اهل الجزيرة يعانون من الجوع. واكل الناس حتى جلود العناقريب (عناقريب القد).
وخير الخليفة ود عدلان بأن يصادر ماله والسجن او الموت. ففضل الموت بكل شجاعة وواجه الخليفة وظلمه وعندما اخذ للمشنقة رفض ان يشرب الماء الذي قدم له واخذ حبل المشنقة ووضعه حول عنقه.
من الرجال الذين واجهوا الخليفة وحبه لإهانة الآخرين , محمود الشكري, فعندما طلب منهم الخليفة ان يجروا (يركضوا ) رفض وقال (يا خليفة المهدي الكرعين البتتعلم الجري ما بتقيف). واطلقها مثلا. هذا بالرغم من ان الخليفة قد نكل بالشكرية ووضع الشيخ عوض الكريم ابوسن في الأغلال حتى مات.
كان كثيرا من امراء المهدية وقوادها متصلبين لإنعدام الديمقراطية او الشورى واغلبهم كانوا اناسا عاديين ووجدوا انفسهم فجأة في مركز قوة وهذا ما يحدث للعسكر اليوم.
يخبرنا بابكر بدري كيف قام العامل الشيخ الحاج علي بجلد العالم الأزهري الشيخ محمد صالح في جزيرة كلب بدون اي سبب سوى ان العامل قد اكثر من شرب الدكاي بالرغم من انه انصاري.
وعندما اقترح احمد ابوسن امير اللحويين على الأمير عثمان ازرق في واقعة الجميزة ان يحتمي الأنصار بالجبل حتى يفوتوا على العدو ضربهم بسلاح النار كان رد عبدالحفيظ شمت الذي وافق عليه الأمير عثمان ازرق (الخيل خيل المهدي تموت في سنة المهدي) وفجأة يلقيهم العدو بطلق متحد. ويهرب بابكر بدري والجميع على رأسهم عبدالحفيظ شمت والأمير عثمان ازرق بينما بقي احمد ابوسن خالفا رجله على قربوس حصانه مع المدني مصطفى والطاهر الزغاوي ورجع بابكر بدري طالبا من احمد ابوسن ان يهرب فقال (الخيل خيل المهدي تموت في سنة المهدي).
تحت اي ظروف عندما يترك القرار لفرد نكون معرضين للغلط ولا نزال نعاني من قرارات نميري الخرقاء.
القاضي احمد علي صار قاضي القضاة, وشي به للخليفة وبدون اي دليل سجن ومنع عنه الأكل والماء إلى ان مات جوعا وعطشا وهو ثالث قضاة يفتك به الخليفة مما اضعف هيبة القضاء. وسلم القضاء إلى المرتشين الذين لا يعرفون حتى ابسط قواعد الشريعة.
من اهم القضاة الذين انضموا إلى المهدي في اول ايامه الأزهري اسماعيل عبدالقادر وكان قد تعلم جيدا في القاهرة ونال حظوه كبرى عند المهدي كتب تاريخا قيما يشمل جميع انتصاراته وتاريخ حياته. وطلب الخليفة من الشيخ اسماعيل عبدالقادر ان يكتب عنه وكان الخليفة يتوقع الفاظ الملق والمداهنة والمدح , وفي جملة, مثل الشيخ اسماعيل عبدالقادر, الخليفة بالخديوي اسماعيل باشا. وكان هذا كافيا لأن تحرق كل نسخ الكتاب ويرسل القاضي إلى الرجاف سجينا. كما منع الخليفة استيراد الكتب وعلى هذا كان يعاقب بالجلد والمصادرة والسجن واوقف الخليفة خدمات البريد اللتي كانت منظمة وعطل خدمة التلغراف الذي غطى اغلب السودان منذ 1860 وانهى التعليم الفني بحيث انهارت الصناعة اللتي كانت موجودة واقفلت كل المدارس.
وعندما علم الخليفة أن التجار يدخلون سواكن ويختلطون بالأتراك والمصريين , حرم التجارة الخارجية مما افلس التجار وحرم البلد من العملات الاجنبية لأنه لم يكن هنالك من يشتري الصمغ وريش النعام والعاج, الشمع, السنمكة والتمر هندي......الخ, واختفت الاوعية المعدنية كالنحاس لعدم الإستيراد والحاجة لها للاعمال الحربية. ورجع الناس الى استعمال الفخار.
ارهاب الدولة والتخلص من الآخرين مارسه الخليفة عندما قبض على كل الأشراف من اقرباء المهدي في امدرمان, رفاعة, مدني ,الكاملين, جزيرة الفيل واماكن اخرى, في يوم واحد وساعة واحدة . بابكر بدري يقابل صالح حسن واخاه عبدالقادر حسن وكريب نور الدين وما يربو على المائة شخص في الكاملين وجميعهم مشعبون بشعب العبيد على اعناقهم وهؤلاء كانوا اصحاب المنازل الكبيرة والحشم وخيل (منقودة) بمعنى مختارة واعطاهم بابكر بدري ما عنده من طعام وابكاه حالهم.
أرسل الأشراف إلى فشودة إلى الزاكي طمل وجلدوا بأغصان الشوك حتى الموت وسلم ابناء المهدي لجدهم احمد شرفي ومنع اتصالاتهم بأي شخص.
الزاكي طمل واجه مصيرا اسوأ فلقد خاف الخليفة من ارتفاع اسهم الزاكي الذي كان عادلا بمقاييس ذلك الزمان وكان يمنع جنوده من نهب الناس ولهذا اطلق المثل السوداني (الزاكي عدل والجداد قدل). ووضع الزاكي في غرفة مطوبة وكانت العقارب تلقى عليه ومنع منه الماء والأكل ولم يسمع منه اي صوت أو انة, فقط حشرجة الموت بعد عشرين يوما.
بنات واخوات سلطان دارفور واهل بيته قبض عليهم وارسلوا إلى امدرمان امثال البرنسيسة مريم , آسيا وبخيتة واعطاهم الخليفة إلى امرائه ورجال قبيلته كحسين وكنونه وعندما طلب منهم ان يتبعوا ازواجهم إلى الرجاف القت بخيتة بنفسها في النيل. وماتت والدتها العمياء حزنا والاخريات وزعوا على رجال الخليفة.
حتى الخليفة شريف اعتقل ولم يعطي فرصة لكي يلبس حذائه وجر حافيا ودفع حتى سقط مرتين في طريقه إلى السجن.
زوجات الزاكي وجواريه وزعن على رجال الخليفة وكانت زوجته البيضاء من نصيب عبد القادر او سلاطين وعندما يكون الخليفة غاضبا عليه يناديه (بشواطين).
الأمير ابوقرجة قائد سلاح المدفعية وكما قال العبيد ود بدرمهددا المك صالح (باكر يجي ابوقرجة وتقيف الهرجة) وله القدح المعلى في الحصار وفتح الخرطوم. ارسل في مهمة وهمية للرجاف حيث اعتقل ووضع في القيود ولم ينقذه سوى احتلال البلجيك للرجاف وسلموه للانجليز ومات بعد الفتح الانجليزي.
مادبو الفارس المغوار الذي هزم سلاطين في معركة ام ورقة وفتح دارفور لصالح المهدية يقتله ابوعنجة في ايام الخليفة لان ابوعنجة لم ينسى ان مادبو قد جلده عندما كان عبدا قبل ان يلتحق بخدمة الزبير باشا مع رابح والنور عنقرة وآخرين. ويرسل رأس البطل مادبو الى الخليفة ويهان الرزيقات. مادبو كان يضحك في وجه جلاديه.
الخليفة كان لا يحب الر جال الاقوياء ويجمع حوله من لا يعارضه ويتملقه وكان في مجلسه لا يسمح لاي انسان الا بالجلوس على الارض ولا يسمح للامراء حتى بالتحدث بدون اذن ولا يرفع اي شخص بصره للخليفة .
احد الشوام الذين اسلموا بالقوة كان احولا كاد ان يفقد رأسه لان الخليفة ظن انه ينظر اليه بالخطأ في الجامع.
وعندما يرسل الخليفة رسوله الى اي شخص يقف الرسول امامه ويصفق وينقلب جاريا ويتبعه الشخص المطلوب مهرولا بغض النظر عن مشغوليته او عدم ملائمة الوقت وهذا كان ينطبق على كبار موظفي دولة الخليفة كأولاد هاشم والشيخ بانقا والسيد المكي و مدثر الحجاز وبعض هؤلاء اقفل الباب في وجه رسول الخليفة عندما طلب الخليفة مرافقته الى الغرب بعد معركة امدرمان.
عندما سمع الخليفة بموت اخيه يعقوب اصابه حزنا شديدا وصار منهارا وجلس على فروته منتظرا الموت. فقال له السيد المكي (يا خليفة المهدي ما دام انت حي فالدين منصور) وعندما لم يرد الخليفة امسكه محمد عمر البنا من عضده ورفعه ولم يكن ممكنا قبلها لأي بشر ان يلمس الخليفة.
النميري كذلك كان يستمتع بإهانة الآخرين ولا يجمع حوله الا من يتملقه ويمدحه. وقد يكون ذلك بسبب فقره ونشأته المتواضعة. ولذلك انتقم من بعض العائلات الكبيرة ونكل بأهلها.
الخليفة لم ينسى انه قد اسر بواسطة الزبير باشا اثناء حربه مع الرزيقات فلم ينقذه من الموت الا تدخل رجال الدين لأن والد الخليفة كان متدينا وبعد مده رجع الخليفة للزبير مبشرا اياه بأنه المهدي المنتظر. فسخر منه الزبير باشا. كما لم ينسى الخليفة الإهانات اللتي لحقته من اهل البحر وعندما حضر مهاجرا الى المهدي فقيرا معدما ماشيا لأن حماره كان (مدبرا) ويستعمله فقط لحمل الزاد والماء واراد بعضهم نهب الحمار لولا تدخل شيخ عاقل وسب الخليفة لأصله وغرابة لغته ومظهره.
على من يا ترى كان النميري يحقد؟.عندما اهان نساء ورجال السودان واحاط نفسه بأسوأ البشر.
امثال رجب الملك وعوض الله من ملازمية الخليفة المتطرفين يقول امام بابكر بدري والامير دقرشاوي ابوحجل وسليمان ابوحجل انه سمع منهم من فم خليفة المهدي ان اصحاب الخليفة المخلصين لو ترك الواحد منهم فرضا ما سأله الله اكراما للخليفة.
لابد ان بعض رجال الجبهة يحملون افكارا مماثلة عن الشيخ حسن الترابي .
حامد جارالنبي من قبيلة الحسنات الذي كان عاملا رئيسيا في مذبحة البطاحين وانصاريا متشددا يواجه نفس مصير محمد الفحل كبير الفحلاب ويشنقه لانه تجرأ وذكر ان الخليفة شريف لن يخلف الخليفة عبدالله التعايشي وان الحكم سيكون من نصيب شيخ الدين ابن الخليفة ويعتبر هذا كفرا لانه يخالف وصية المهدي .
عندما تأخرت قبيلة البطاحين في الحضور لأمدرمان كطلب الخليفة ارسل الخليفة جيشا واوقع فيهم مجزرة بشعة واخذ سبعة وستين من رؤسائهم ونسائهم واطفالهم الى امدرمان وقام ثلاثة من اكبر جلادي الخليفة, احمد الدالي والطاهر ود الجعلي وحسن ود خبير بقطع ايديهم وارجلهم وشنقوا بعد ذلك بالرغم من ان عثمان ود احمد من اصدقاء الخليفة المقربين. وهو من اركان قبيلة العركيين واجبرعلى حضور قتل اهله. وعندما تاخر (ابو روف) في الحضور تعرضت القبيلة الى مجزرة هائلة وارسل اطفال ونساء القبيلة كسبايا لامدرمان وبيعت قطعانهم بريالين او ثلاثة للثور او الجمل بدل ستين ريالا.
بعد قتل الشلك اخذ الكثير منهم كعبيد في صنادل مقفولة ومات اغلبهم بالإختناق . بعد هزيمة الكبابيشش استباح الخليفة ممتلكاتهم واباح دمهم مما زعزع الاستقرار في المنطقة وقضى على التجارة مع مصر وخوفا من الغنيمة انتسب كثير من اقسام الكبابيش الى القبائل المجاورة.
التاجر الصادق عثمان الميرفابي كان من اغنى تجار امدرمان كانت له ثمانية مخازن مليئة بالبضاعة وشي به بالرغم من انه صديق شيخ الدين ابن الخليفة وبينما هو يتوضأ لصلاة العصر يدخل عليه محمد ابوبلل ويحجز عليه ويطلب مفاتيح المخازن فيلقيها الصادق على الارض ويستمر في الوضؤ وبعد صلاته يكتف بعمامته ويساق الى الموت.
ويواصل بابكر بدري كيف ان عبدالماجد الحاج محمد الغبشاوي يشي باحمد العجيل من كبار تجار امدرمان, لان احمد العجيل تزوج مطلقة الغبشاوي.ويقبض عليه بتهمة تدبير هروب سلاطين . ويصر ابشر عثمان, صديق وشريك احمد العجيل على مرافقته بالرغم من مناشدة الذين اعتقلوا احمد العجيل وبابكر بدري لكي ينجو ابشر بنفسه الا انه كان يقول (انا واحمد نموت معا او نحيا معا ) ويتبعه الى السجن وحتى بعد وضع جنزير الوابور على عنق احمد العجيل ثلاثة مكيات(أغلال) في قدميه. يناشد العم عوض عامل الخليفة ابشر بأن لا يؤتم اطفاله ويقتل نفسه. ويصر قائلا (انا مع احمد العجيل تمتعت معه والله علي الطلاق سأموت معه) ولقد كان هذا ولا شك يفوق وفاء السموئل.
لقد تصرف التعايشة واهل الغرب كانهم جيش احتلال في امدرمان ففي الحقيقة كانوا بعيدين عن وطنهم في بلد لا تربطهم باهله الكثير مما جعل اهل الجزيرة ووسط السودان يكرهون المهدية. بابكر بدري والمنصور ابوكوع بالرغم من جبه للانصار والعزبة, يمرون بجماعة من التعايشة بالقرب من بيت المال تحتك امراة عجوز بباكر بدري وتسقط كالميتة ويهجم التعايشة عليهم ويفتشون جيوبهم وياخذون خمسين ريالا من بابكر بدري وخمسة عشر ريالا من ابوكوع. وفجأة يركل احدهم المراة وتقوم بنشاط وهذه الحيلة وحيل اخرى تعودها اهل امدرمان من التعايشة .
كما انقض ستة من الجهادية على بابكر بدري وعمه مالك بالقرب من السور الشمالي ونهبوا نقودهم وعمائمهم وسيوفهم والكرابة. ولو سمح باب السور الصغير بادخال الحمير لاخذوها.
عبدالله عبدالامير السنوسي اخ الخليفة من امه يصرخ في بابكر بدري لكي ينزل من حماره لانهم يحتاجونه لاحد العبيد , الذي كان ماشيا بالرغم من انه ومنصور ابوكوع كانوا يلبسون ملابس الانصار ويعلقون التركاش الذي توضع فيه الحراب الصغيرة على سرج الحمار كما يطلب الخليفة من انصار المهدي. وعندما لا يجري بابكر بدري خلف الحمار ارسل من جره وربط في الشمس في يوم حار. بينما عبدالله ينظر في قضية, ولعدم معرفته بالشرع تدخل بابكر بدري الى ان رضى عبدالله وسمح له بالجلوس في الظل وبعد ذلك جرى بابكر بدري خلف الحمار وصادف ان مروا امام منزله , فعرض عليهم ان يشرفوا منزله بشرب الشاي وبعد الشاي ادخل عبدالله البراد في جرابه بدون ان يستاذن . وكانت هذه عادة التعايشة في اخذ مايريدون في اي وقت من الجميع .
ومن اسوأ الحوادث في اثناء حكم الخليفة (كتلة الجعليين) بالرغم من ان عبدالله ود سعد قد انضم الى جيش ود النجومي وابلى جيدا الا انه تعرض للقتل بواسطة الامير محمود ود احمد الذي اوقع مجزرة بشعة في الجعليين وقد قال ود سعد انه لا يريد ان يعمل شيئا يسب به بعد موته كما قال (وجعني شردة المك نمر) بعد الهزيمة القى نساء الجعليين بنفسهم في النيل كي ينجو من العار.
ذهب بابكر بدري مع موسى يعقوب لزيارة العامل مختار محمد الرباطابي لمرضه وجدوا معه ملازمية الامير يعقوب علي احمد فضيل وادم جليد الحريري ودودية بدوي وداؤود وكلهم من قبيلة الجوامعة وامامهم سموار الشاي.
وفجأة سمعوا صوت الوابور الاتي بنساء المتمة الذين اسروا بعد المجزرة. ويضرب داوؤد فخذيه قائلا ( كب امشي لخليفة المهدي اديني جعلية اسويها سرية) فما تم كلامه الا ونهض مختار المريض وضرب داؤود صفعة كادت تلقيه على الارض وضرب السموار برجله قائلا وكمان تشرب الشاي في بيتي تشرب السم وقال داوؤد (يا مختار تضربني) قال(واقتلك وهل خليفة المهدي يقدر يعمل الجعليات سراري؟ وهل يقدر يعملهم اذن ما امدرمان تقيد نار؟) وخرج داوؤد غاضبا وخرج موسى يعقوب فزعا ورجع مختار لسريره وصار يبكي فنهض علي احمد فضيل وقال (والله يا مختار خليفة المهدي ما يرضى يجعل الجعليات سراري) بعد ان خرجوا قال بابكر بدري لمختار (في مثل هذ الايام تعمل مثل هذا العمل وتتكلم مثل هذا الكلام ؟) فرد ( انا عارفك جبان ماذا يريدون ان يعملوا لنا اكثر من هذا وما قيمة الحياة بهذه الحالة؟.)
وذهب داؤود متهيجا شاكيا للامير يعقوب الأخ الاكبرللخليفة من ابيه. ولكن هذا كان سببا في ان كل الجعليات اطلق سراحهم لذويهم في نفس اليوم ولم تبقى واحدة في بيت المال بعد مغيب شمس ذلك اليوم. وامثال مختار تريدهم بلادنا في كل لحظة.
في آخر ايام الخليفة ساءت الأحوال في السودان وصار حتى الأغنياء معدمين. فيقصد الرجل الكريم البلال الاسيد وعبدالرحمن مسعود اغنى تاجر في السودان والنور عبد الحفيظ الذي كان بيته ممتلئ بمهاجري المتمة. بابكر بدري ويطلبونهم ثلاثين ريالا نسبة للعناء الذي صار يعاني منه الجميع فيعطيهم بابكر بدري 22 ريالا وحجولا واساور فضية لابنته الصغيرة اللتي ماتت وكان هذا كل ما يملك , بعد تجارة مزدهرة وغنى. وفي نفس هذه الايام كان محمد علي الاحيمر صديق بابكر بدري وهو الامين على نقود الامير يعقوب يصرف خمسين ريالا على االعشاء في الليلة ويوزع ثلاثمائة ريالا على المداحين امثال ابوشريعة والشيخ ابراهيم كراع النعامة والشيخ علي طلبة .
وكانت الجارية الجميلة تباع بستين ريال.
عندما اختلفت الامور بعد الاحتلال الانجليزي صار الاحيمر يطلب مساعدة الاصدقاء لانه حورب بواسطة سلاطين الذي رد خائبا عندما قصد الاحيمر طالبا المساعدة أيام فقره واسره .
بما ان الانجليز قد استباحوا المدينة لثلاثة ايام فقد انقلب ميزان الامور وصار بعض جنود الأرطة السودانية والسودانيين الذين رافقوا الجيش الغازي اغنياء وظهرت طبقة جديدة لا ينتمون للقبائل المعروفة وعرفوا فيما بعد بالمواليد وصاروا اهل جاه ومال وسمح كتشنر بنهب الغلال من مخازن الخليفة. الذين كانوا يسكنون بالقرب من المخازن صاروا يدخلون الغلال الى منازلهم بالواسوق (مجرفة كبيرة).
واضطر وجهاء امدرمان لهجرها وهاجر بابكر بدري واهله الى رفاعة وكذلك البنا الكبير. ومورست بعض الفظاعات في ايام الإحتلال الاولى وامتلات الطرقات بجثث مجهول اصحابها و مجهول قاتليهم وقتل جندي من الأرطه السودانيه التاجر ابراهيم تميم الأصولي لانه كان سيده الذي رباه. كما قتل جندي اخر ابراهيم بك اليعقوبابي وكان الجندي قد ولد وتربي في منزله.كما استقل البعض تلك الظروف لينتقم من عدو. فعلى سبيل المثال قتل احمد حمزه بواسطه الجعليين وقتل عوض الكريم كنون بواسطه الميرغنيه.
وحتي بعد استقرار الحكم الانجليزي عانت البلد عده مرات من المجاعه واتى الانجليز بالغلال من الهند وعرفت تلك السنة بسنة (عيش الهند) واتت بواخر محملة بالغلال الى الشيخ حسب الرسول ابن الشيخ العبيد ود بدر لايدري احد كيف , ووزعت على المساكين كما ذكر الاستاذ عبد الله رجب في مذكراته.
وعندما حلت المجاعه في السودان في اخر ايام النميري طلب السفاح من الوافدين الي العاصمه ان يستغفرو ربهم ويرجعو لديارهم. الا ان اهل امدرمان خرجوا للحاج ابوزيد والمويلح بكل ما استطاعوا ان يقدموه. في مجاعه سنه سته تكاتف الناس بالرغم من الشدة وكان البعض يعطي ابناءه لمن يستطيع ان يطعمهم ويستردهم بعد المجاعه.
لقد قال المكتشف والصحفي استانلي الذي اشترك في الحروب مع الهنود الحمر في امريكا بعد ان رجع من رحلته الي اوجيجي في مجاهل افريقيا بحثا عن المبشر دكتور ليفنقستون (اذا كان عندي خمسمائه جندي لذهبت الي اي مكان في افريقيا ولعملت ما اريد ولما قبلت ان ادفع لاي زعيم افريقي عندما امر بمنطقته).
انه ولا شك يتحدث عن افريقيا مختلفه فان ابن جلدته هكس باشا قد واجه حتفه في شيكان بالرغم من جيشه الجرار وفي اربعين دقيقة ولاول مرة في التاريخ ينقرض جيش كامل. عشرين الف جندي
لقد قال اللورد كيبلنج كما اورد الاستاذ محمد خير البدوي في كتابه مواقف وبطولات سودانية. ان السودانين هم اشجع واعظم المقاتلين الذين واجهوهم فلم تستطع اي قوه في الارض ان تخترق المربع الانجليزي الا في السودان.
لقد خضنا الحرب ضد رجال عديدين وراء البحار كان بعضهم مقداما واخرون ليسو بالشجعان. البتان والزولو و في بورما. غير ان البجا كانو اروعهم اجمعين.
ان هزيمه السودانين في كرري تعزي لعده اسباب وقد يكون احدها تهيب الخليفه للهجوم في الليل ولكن انا اظن ان السبب الاول هو ان اهل البحر قد كرهو الخليفه وظلمه وكانوا سعداء بالخلاص منه. اهل الغرب لم يكونو يحاربون دفاعا عن وطنهم فكثير منهم احضر الي امدرمان ضد رغبتهم.
فبعد معركه امدرمان مباشره تواجد جيش احمد فضيل في رفاعه وعند حضور الوابورات الانجليزيه خرج الناس لملاقاتها بالفرح والزغاريد ولكن البواخر تواصل سيرها الي مدني ويفتك احمد فضيل باهل رفاعه والقرى المحيطه بها ويعذب الناس وينهب كل شي حتى الملابس التي علي ظهورهم ويسوق الخلق امامه عراه لمقابله الخليفه ويفلح الشيخ عبد الله ابوسن في تخليص البشر بالحيله والخديعه ويهرب عبر النيل في الليل قبل ملاقاة الخليفه.
لا اظنه ان من الواجب ان نتحمل الأوضاع الراهنه ولكن اورد كل هذا لأقول اننا شعب عظيم جدا ولن تؤثر علينا المصائب. وستذهب الجبهة وستعود عظمة السوداني.
شوقي بدري....
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.