"حكامات السودان".. شاعرات يطفئن نار الحرب بقصيدة    منى مجدي: السلام رسالة وأنا معه حتى آخر العمر    الهلال يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا    سفارة السودان القاهرة وصول جوازات السفر الجديدة    تبدد حلم المونديال وأصبح بعيد المنال…    ميسي يحقق إنجازا غير مسبوق في مسيرته    ترامب: الهجوم على قطر قرار نتنياهو ولن يتكرر مجددا    جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الغارات الإسرائيلية على الدوحة    في الجزيرة نزرع أسفنا    السودان..تصريحات قويّة ل"العطا"    اعتقال إعلامي في السودان    نوتنغهام يقيل المدرب الذي أعاده للواجهة    الصقور خلصت الحكاية… والهلال اليوم تبدأ الرواية    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالصور.. مودل وعارضة أزياء سودانية حسناء تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة من "العين السخنة"    شاهد بالصور والفيديو.. شاب سوداني يشعل مواقع التواصل الاجتماعي ببلاده بزواجه من حسناء تونسية وساخرون: (لقد فعلها وخان بنات وطنه)    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالصور والفيديو.. شاب سوداني يشعل مواقع التواصل الاجتماعي ببلاده بزواجه من حسناء تونسية وساخرون: (لقد فعلها وخان بنات وطنه)    شاهد بالفيديو.. أطربت جمهور الزعيم.. السلطانة هدى عربي تغني للمريخ وتتغزل في موسيقار خط وسطه (يا يمة شوفوا حالي مريخابي سر بالي)    شاهد بالصورة.. محترف الهلال يعود لمعسكر فريقه ويعتذر لجماهير النادي: (لم يكن لدي أي نية لإيذاء المشجعين وأدرك أيضا أن بعض سلوكي لم يكن الأنسب)    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    بث مباشر لمباراة السودان وتوغو في تصفيات كأس العالم    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    والي الخرطوم يدين الاستهداف المتكرر للمليشيا على المرافق الخدمية مما يفاقم من معآناة المواطن    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    إيران: هجوم إسرائيل على قيادات حماس في قطر "خطير" وانتهاك للقانون الدولي    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    "فيلم ثقافي".. هل تعمد صلاح استفزاز بوركينا فاسو؟    «لا يُجيدون الفصحى».. ممثل سوري شهير يسخر من الفنانين المصريين: «عندهم مشكلة حقيقية» (فيديو)    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية    وزارة المعادن تنفي توقيع أي اتفاقية استثمارية مع شركة ديب ميتالز    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    من صدمات يوم القيامة    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ بالماشة
نشر في الراكوبة يوم 14 - 05 - 2011


...
شوقى بدرى
[email protected]
مشكلتنا في السودان اننا لا نريد ان نسمع الحقيقة . بابكر بدري كتب تاريخ حياته في اخر عمره . و قام بتسليم ما كتب الى تلميذه في رفاعة محمد شبيكة ناظر مدرسة النهضة في امدرمان . و تلميذه في رفاعة كذلك و زوج ابنته و عميد مدراس بيت الامانة الاولية و الوسطى و الثانوية عبيد عبد النور . و لكن لم تنشر كل الاشياء . و لكن الدكتور بابكر علي بدري أورد بعض الاشياء في الجزء الأول عند اعادة طبعة , لم تورد في طبعة الخمسينات .
في سنة 1910 م قام ارتين باشا , الذي كان مسئولاً عن التعليم في السودان (أرمني ) بمقابلة بابكر بدري و أعجب بألمامه بكل التفاصيل بأحداث السودان . فطلب من بابكر بدري ان يكتب تاريخ السودان . فقام بابكر بدري بكتابة عدة كراسات ضخمة , كل كراس اربعة و ستين صفحة . فسمع بالموضوع الشيخ ود البدوي صاحب القبة في حي السردارية بامدرمان , على مرمى حجر من قبة المهدي . فطلب الكراسات , و طلب من بابكر بدري ان يرجع بعد فترة . و عندما رجع بابكر بدري وجد ان الشيخ ود البدوي قد أشعل ناراً و بدأ في تمزيق الكراسات و حرقها . و بالرغم من غضب بابكر بدري الشديد , لم يكن في استطاعته ان يرد على الشيخ ود البدري , الذي كان محترماً جداً و حتى خليفة المهدي كان يحترمه . و بالرغم من أن خليفة المهدي قد أعدم ثلاثة من رؤساء القضاء , في فترة قصيرة . الا انه أبقى على ود البدوي . و الذي عاش لعمر مديد . و قام بتعليم السيد عبد الرحمن الذي كان يسكن جاره في المنزل الذي أعطاه له سلاطين باشا و ونجت باشا السردار . و كان له مرتب خمسة جنيهات يستلمها السيد عبد الرحمن من السردارية كل شهر . الشيخ ود البدوي كان يقول لي بابكر بدري ( انت ما عارف اخلاق السودانيين , السودانيين ما عاوزين يسمعوا النصيحة , لو الكلام دا طلع حا يقتلوك ) .
بعد عشرات السنين و عندما كتب مكي شبيكة أول بروفسيور سوداني , كتابه عن تاريخ السودان ( السودان عبر القرون ) . و هذا كتاب علمي بالوثائق , انتظره الانصار بالرغم من انه انصاري ابن انصار و اعتدوا عليه بالضرب المبرح . الى ان حسبوه ميتاً . و أتى والده الذي كان تاجراً في الكاملين غاضباً . و ذهب الى السيد عبد الرحمن في السرايا . و احتج على خيابة الاولاد الذين لم يقضوا على ابنه . و رجع غاضباً الى الكاملين بدون أن يزور ابنه في المستشفى .
الاخت الاستاذة تراجي مصطفى في سودانيات تطرقت لدار حزب الامة الحالية , في شارع الموردة امدرمان . و ذكرت أن حزب الامة قد اشترى الدار بدعم من القذافي و ايران . كما كانت هنالك مداخلة و اشارة الى تحقيق قام به الدكتور فرانسيس دينق مع أبن الناظر بابو نمر و ذكر فيها أن هذا المنزل كان منزل جده على الجلة . وأن سلاطين كان يسكن بالقرب منهم في جزء صغير من المنزل . و هذا الكلام غير صحيح . فهنالك لوحة من الرخام في الركن الشمالي الشرقي على الشارع العام , وضعت بواسطة مصلحة الآثار , و تشير الى ان هذا المنزل هو منزل سلاطين باشا . و في الركن المواجه منزل القاضي الشرعي ابراهيم مالك , ابن عم بابكر بدري و زوج ابنته .
كنا نجوب هذه المنطقة دائماً . و هي منطقة طفولتنا و صبانا . و لكن بعد أن اشتراها حزب الأمة كان من يقترب من الدار يواجه بنظرات نارية . و كنا نحس بأننا لا ننتمي الى امدرمان . بابكر ابراهيم مالك أول حفيد لبابكر بدري و من أوائل الاطباء السودانيين , و كان متزوجاً من بريطانية في الاربعينات . لم يتحرك و هو شيخ كبير بسرعة , عندما مر موكب السيد و صرع بلكمة و اغمي عليه . و لم يتوقف أي انسان لأسعافه . فهذه الدار حبلى بالمشاكل .
لقد اشترى حزب الامه هذا المنزل بسبعة مليون جنيه سوداني , هذا كلام الدلالين في السودان . و هذا في الثمانينات , و لكن ما يهمني هو ما حدث قديماً . عندما سقطت امدرمان سمحت السلطة للناس بالاحتفاظ بمنازلها . و لكن منشآت الحكومة مثل بيت المال و سوق الرقيق و الموردة والمشانق و السجن و مجلس القضاة و السوق و الزرايب و بيت الخليفة و حاشيته و أهله صارت ملك للدولة . و يجب ان نلاحظ انه كان للخليفة اكثر من مئة زوجة . و كان لأبنه شيخ الدين مجموعة من النساء . و الخدم و الحشم . و لهذا امتدت مساكنهم من جنوب قبة المهدي الى بوابة عبد القيوم جنوباً . و كان لكل عشرة نساء قهرمانة . و هي مسئولة عن اكلهم و شربهم و راحتهم و تجهيزهم للخليفة . و لكل قهرمانة احد الخصيان على اقل تقدير . و كان رئيس الخصيان هو عبد القيوم الذي يعرف بالاستاذ . و كان مسئولاً من الداخل و الخارج و يحرس البوابة . و لهذا يضحك اهل امدرمان عندما يوصف الشخص بالاستاذ . و عملية الخصي عرفت منذ ايام الفراعنة . و لقد تخصص فيها رجال الدين الاقباط و كان واحد من كل أربعة من الصبيان يموت في العملية . بعد أن يعالج الجرح بالنطرون و يدفن الصبي لعدة ايام حتى يمنع من الحركة .
كان لكل قواد وامراء المهديه مجموعه من النساء. وكان للنور عنقره ( انقاراه ) ، وعرف بانقاراه لاحمرار عينينه تشبيهاً للكركدى 120 امرأه ويسكن فى ابروف . الخليفه ضم اثنين من اسلاب المتمه الى نسائه وهما زينب ونخيل الجنه . كما كان متزوجاً من ام سلمه ابنه المهدى . وعندما كبرت اختها وصارت جميله ، طلق ام سلمه فى الصباح وتزوج شقيقتها فى نفس اليوم . وهذا لا يصح شرعاً لان ام سلمه لم تكمل عدتها . كما كان الشيخ الهميم فى السلطنه الزرقاء متزوجاً من شقيقتين ، وهذا مذكور فى طبقات ود ضيف الله ، وهو جد ود مدنى السنى الذى سميت عليه مدينه ود مدنى . وعندما طالبه الشيخ الخشيم بأن يفسخ زواج احداهن رفض قائلاً له يفسخ جلدك . واصيب الخشيم بمرض جلدى عرف بالخشيم .
سلاطين باشا كان ظابطاً نمساوياً من الهوسار . و هؤلاء كانوا احسن جنود في العالم . و لقد استعان بهم الانجليز في حربهم ضد جورج واشنطن . و لكن بعد هزيمة سلاطين في ام ورقة بواسطة مادبو , صار جنوده ينسبون الهزيمة لعدم اسلامه , فأعلن اسلامه . و لكن بعد سقوط الابيض سلم للمهدية على يد نائبه خالد زغل بن عم المهدي . و صار جزءاً من جيش المهدي , و لكن المهدي سلمه للخليفة عبد الله التعايشي لأنه من دارفور . وقد كان رئيس الاركان في جيش الخليفة فيما بعد وفاة المهدي . و كان يشرف على العرضة و تدريبات الجيش . كما كان ملازماً للخليفة . و لقد اعطاه الخليفة خدماً و حشماً و حريماً . احداهن فاطمة البيضاء زوجة الزاكي طمل بعد تعذيبه و قتله في سجن الساير . و الساير كان في الركن الشمالي الشرقي من بيت الخليفة . و هو سجن امدرمان الحالي . و الساير هو اسم المدير .
الرحاله الاوربيون مثل إسبيك ، إستانلى او ليفينق إستون او ديشولو ، لم يتطرقوا ابداً للنساء الافريقيات ومن المؤكد ان سنينهم فى افريقيا قد جمعتهم بنساء افريقيات وكأن الزواج او التعامل مع الانثى الافريقيه شئ مخجل . من القلائل اللذين صرحوا باعجابهم للمرأه الافريقيه كان الرحال البريطانى بيرتون الذى كان معجباً بجمال الاثيوبيات والصوماليات .
في جنوب مجمع الخليفة كانت دار الامانة , و هي دار الرياضة بأمدرمان الحالية , التى يحتفظ فيها بكل الاسلحة و المعدات الحربية , لتكون في متناول يد الخليفة و الجهادية . و كانت فيها غرفة عالية على ارتفاع سبعة أو ثمانية أمتار في الجزء الشمالي . و هذه لحفظ المعدات الطويلة . منها الرايات التى كان يتحدث بها . و كان يستعملها الظابط فرج الله , في طابية فرج الله التى كانت بالقرب من جامع النيلين الحالي . و عندما كاد جنوده ان يموتوا بالجوع بعد حصار المهدي , طلب فرج الله من غردون أن يسلم عن طريق الرايات . فسمح له غردون .
المنزل الحالي لحزب الامة كان بكامله مسكناً لعبد القادر أو سلاطين باشا أو شواطين , كما كان الخليفة يناديه عندما يكون غاضباً منه . و عندما يكون راضياُ عنه يناديه بولدي عبد القادر . و كان له خيل و حمير و اغنام و خدم و عبيد . و كان يسكن في منزل آخر قام بأصلاحه و تجميله , و كانت له حديقة في منزله الاول كعادة الاوربيين . إلا ان الوشايات , و التحذيرات جعلت الخليفة عبد الله يطلب منه الانتقال من منزله , حتى يكون تحت مراقبة الخليفة . فلقد سكن المقدم يوسف ميخائيل و شقيقيه جرجس و مليكه بعيدا في المسالمة . لأن الخليفة كان يثق به و يحبه . و لقد كتب يوسف ميخائيل مذكراته في الثلاثينات , عندما قبض على زوجته فكتوريا بتهمة صناعة الخمر , و أخذ هو العقوبة في سجن الأبيض , و هنالك كتب المذكرات .
من الممكن جداً ان علي الجلة قد اخذ المنزل بعد هروب سلاطين . و لكن المنزل قد بناه سلاطين تحت اشرافه و بدعم من ود عدلان الذي كان امين بيت المال . و كانت تربطه صداقة مع سلاطين . كما ربطت سلاطين علاقة صداقة متينة مع علي الجلة و عبد الرحيم ابو ضقل زعيم المسيرية . و كانت تربطه صداقة و احترام مع مادبو . و لقد ارجع لمادبو نحاسه الذي غنمه منه في بعض معاركهم الاولى . و أهداه مادبو خير خيله ( صقر الدجى ) .
حكومة الحكم الثنائي احتفظت بالاماكن التي كانت مركز الدولة المهدية و وزعتها كمدارس مثل مدرسة بين الامانة الاولية , و مدرسة النهضة الوسطى جنوب دار حزب الامة مباشرة و الاذاعة السودانية الأولى , و كلية المعلمات , و مدرسة الدايات , و مستشفى امدرمان , و اشلاق البوليس , و اسطبلات الخيل , و مدرسة الارسالية الامريكية , و ميز الاطباء , و مدرسة المساعدين الطبيين , و أول كنيسة في امدرمان و هي على مرمى حجر من قبة المهدي , و مساكن الكنيسة , و ملجأ القرش , و الزائرات الصحيات , و مدرسة امدرمان الثانوية للبنات التي كانت مؤسسة ضخمة شمال بوابة عبد القيوم تشمل سكن المدرسات و الاساتذة و الداخلية , و منزل المفتش الذي كان يجاور كلية المعلمات , الخ .. و كان هنالك مكتب التنظيم المحصور بين الكنيسة و ملجأ القرش , حيث يحتفظ بي المجارف و ابو راسين و المعاول و الحصى و الحجر و مواسير الصرف و كل ما تحتاجه المدينة من ادوات .
و صار منزل سلاطين مدرسة الرشاد . و بعد (شكلة) بابكر بدري و المفتش برمبل و بسبب طول لسان بابكر بدري و اغتيابه للمفتش كما اعترف في مذكراته ,رفض أن يعطى برمبل الاحفاد قطعة الارض المواجهة لدار حزب الامة اليوم . و هي مدرسة الاحفاد الاولى . بابكر بدري اشتكى المفتش برمبل لمكتب التعليم , و تراجع برمبل و أعطى هذه الارض للأحفاد . و هي ارض الحملة . و الحملة كان يؤخذ اليها الحمير الضالة و الغنم و البهائم . حتى لا تأكل الشجر الذي كان يزرعه برمبل . و يدفع الانسان قرشين للغنماية و خمسة قروش للحمار في اليوم . للأكل زائداً غرامة . و من هنا يأتي الكلام ( تاني تجي الحملة ) .
سمعنا و نحن صغار ان آل ابو العلا قد اشتروا المنزل بثلاثة الف جنية و هذا مبلغ كبير وقتها . و نحن في المدرسة الأولية كنا نشاهد العمال و هم يقومون بالتشطيبات الاخيرة . و كنا نعجب بالعمال الذي كان يتعلقون بالسقف عالياً و يركبون السقف الذي كان غريباً , و بعض العمال كان من المصريين .
المنزل كلف ستين ألف جنياً وقتها . و هذا مبلغ خرافي في ذلك الزمن . و لقد أكتمل المنزل في سنة 1953 . و هذا نفس الزمن الذي اكتمل فيه منزل الصادق المهدي و أحمد المهدي و آل البرير و كثير من الاسر التى اصابت حظاً . و سبب تلك الانتعاشة ان اسعار القطن تضاعفت عدة مرات عالمياً . و صار حي الملازمين ارقى حي في امدرمان . و قديماً كان يمكن ان يشاهد الانسان منزل الصادق المهدي من سوق حي الملازمين , لأن منزل العم خليفة محجوب و آل المغربي و آل ابوالقاسم , و منزل حكيم باشا مستشفى امدرمان الذي صار مكتب الجوازات لم يكونوا قد بنيوا بعد .
في ايام الحكومة الانتقالية و مع وفود الاستقلال الوفود العالمية التي كانت تأتي الى السودان , أتى وفد امريكي . و قبل تلك الايام حضر نائب الريئس نكسون عندما كان الريئس ايزنهاور رئيسا لأمريكا , و لم يكن هنالك ما يكفي من الهوتيلات للجميع و امدرمان في الخمسينيات لم تعرف الصرف الصحي . فتنازل آل ابو العلا و نزل في ذلك المنزل الوفد الأمريكي . وربما أحس آل ابو العلا بانهم واصلين وانهم قد اسدوا خدمه للحكومه . وتساهلوا فى معاملتهم للمزارعين .
في ذلك المنزل شاهدت سيدة افرنجية و عرفت فيما بعد أنها ذروة سركسيان . و هي طبيبة تخرجت في نفس السنة مع الدكتورة الاخت خالدة زاهر الساداتي أول طبيبة سودانية . و لقد تخرجا من جامعة الخرطوم . ذروة لم تمارس الطب بعد أن تزوجت سعد ابو العلا و ذروة شقيقة تكوة سركسيان أول صحفية و صاحبة مجلة .
آل ابو العلا عملوا في شرق السودان و خاصة في سنجة و لكن الفلوس الكثيرة اتت من زراعة القطن , خاصة مشروع جودة . كما بنى آل ابو العلا اكبر عمارة في الخرطوم . و هي عمارة ابو العلا في شارع القصر . و لسؤ الحظ بنى هذا المنزل بعرق ودماء المزارعين في جودة . جودة كانت اكبر مشروع خاص في النيل الابيض , 48 بوصة و يعني 18000 فدان . و هذا يعني الاف المزارعين . و كان عبارة عن اقطاعية كاملة , تحوي بلدة كبيرة بسوق عامر و كثير من القرى و الحلال , و شاحنات و جرارات و رافعات و مضخات عملاقة . و كل هذا كان بتمويل من البنوك المتعطشة الى الاستثمار , لتوفر رأس المال بعد الحرب .
لم يقدم آل ابو العلا الحسابات لعدة سنوات . بل كانوا يعطون المزارعين سلفيات . و كانت الغرامة لعدم تقديم الحسابات عبارة عن مئة جنية حسب قانون لائحة سحب مياه النيل . القانون كان مع آل ابو العلا . و عندما منع المزارعون الشاحنات من التحرك بدون دفع حساباتهم , استعان آل ابو العلا بالبوليس . و كان ظابط البوليس السماني من أهل المنطقة . و كان مصحوباً بخمسة من العساكر . احدهم عسكري صغير لم يُقدر أن ابو شاتين مساعد رئيس المزارعين المكادي كان يعرف الظابط الوسيلة , و لم يكن يريد به شراً , بالرغم من غضب ابو شاتين الواضح . فأطلق النار و أردى ابو شاتين , و قتل الظابط و العساكر . فأنتقم الجنود بمذبحة ضخمة . و طورد المزارعون و انتشرت جثثهم بين الاحراش و الشجيرات . و شحن ما يقارب من الثلثمائة شخص و ادخلوا في عنبر . مات أكثر من مائتين منهم بالاختناق بالعنبر . و عندما كانوا يطلبون المساعدة , كان العساكر يشتمونهم .و أحد الذين مد يده طالباً المساعدة طعن بالسنكي . و خلد صلاح احمد ابراهيم هذه الحادثة بقصيدتة الرائعة عشرون دستة من البشر . لا يزال المنزل يذكرنا بتلك المأساة .
القانون لم يكن في صالح المزارع . فعندما قبض على صاحب متجر البون مارشيه بتهمة الجاسوسية , اطلق سراحه , لأنه لم يكن قد صدر قانون في عقوبات السودان يتطرق للجاسوسية . البون مارشيه كان متجراً , و أسعار الأحذية و الملابس فيه في غير متناول السودانيين . بل كان السودانيون يصفون أي شئ باهظ الثمن ب ( اصله من البون مارشيه ) .
سلاطين هرب من ذلك المنزل بأن اخذ سيفه و قال لنسائه بأنه سيدخل ليتعبد , و أن من تتجرأ على ازعاجه سيقطع رأسها . و كان قد اخبر الاخرين بأنه ( كادي العود ) , و هذا يعني انه سيشرب شربة لكي يتخلص من الامساك أو الألم في بطنه . و لهذا لن يذهب الى الجامع . لأنه كان كما يقال قديماً ( لازم الفروة ) , و هذا يعني ان عليه ان يؤدي كل الأوقات في الجامع تحت نظر الخليفة . و هرب . و رجع لكي يحكم السودان لمدة ستة عشر سنة , و هذا الى سنة 1914 . عندما نشبت الحرب بين موطنه النمسا و انجلترا . و مما تذكر ابنته في النمسا ان والدها كان يحب السودان بشكل جنوني و لقد عاد الى السودان بعد الحرب .
سلاطين كان في اتصال بعلي الجلة و عبد الرحيم ابو ضقل عندما حضر لفتح السودان . و الحقيقة أن اغلب أهل السودان كانوا قد كرهوا المهدية . و لقد أندفع حسن النجومي الذي كان قائد سلاح النار في جيش عبد الرحمن النجومي , و هو يرفع علماً ابيضاً . و سلم للجيش الغازي في شمال السودان و قال لقد كرهنا المهدية . عبد الرحيم ابو ضقل زعيم المسيرية هو الذي طارد الخليفة شريف ابن عم المهدي و اعتقله و اعتقل ابناء المهدي و سملهم الى الجيش الغازي . و عبد الرحيم ابو ضقل كان موظفاً في حكومة التركية . و كان مشهوراً بالشجاعة و الحكمة , و هو الذي انقذ الفارين من مذبحة ابو حراز . بعد أن اوقع الانصار مجزرة فظيعة في البلدة . و تعقبوا الفارين نحو الابيض الى أن ساعدهم عبد الرحيم ابو ضقل المعروف بكسار الخيل , لأنه كان يعرف أن الناس تحب خيلها . و كان يطلق النار على الخيل فيتوقف البقية .و هو الذي اوقف المذابح في قوندر عاصمة اثيوبيا القديمة, و أنقذ الرهبان و القسسة من القتل , عندما فتحها الانصار و احرقوا المدينة و اغتصبوا النساء .
الانجليز لم يقتلوا ابناء المهدي الفاضل و بشري و الخليفة شريف و البقية في الشكابة . و هذا بعد أكثر من سنة من سقوط امدرمان . بل لقد أعطاهم الانجليز مساكن و مزارع . و لكن السبب في المذبحة هو صالح جبريل والد الشاعر توفيق صالح جبريل . و لقد كان ملازماً للجيش البريطاني و كان من اهم رجال مخابراته و هو الذي زار الشكابة و حذر الجنود السودانيين من اصل غير شمالي , بأنه ما دام الخليفة شريف و أولاد المهدي عايشين , فستعود المهدية و سيعود الاسترقاق و اصطياد العبيد , و حدثت المذبحة بدون تدخل من الانجليز . و المذبحة حدثت بعد ان غادر صالح جبريل الشكابة بفترة بساعات .
توفيق صالح جبريل هو المؤسس الأول لجمعية الاتحاد و التي من عبائتها خرج اللواء الابيض . و في حوادث 1924 التي استشهد فيها عبد الفضيل الماظ و شنق سابت و فضل المولى و الآخرون , و حكم على علي البنا بالسجن . هرب سيد فرح المحسي الى مصر . و المجموعة تحركت عندما أكد لهم المصريون بأنهم هم الذين يديرون المدفعية الثقيلة . و أنهم عندما تحرك السودانيين سيدكون المعسكر البريطاني . و عندما لم يتحرك المصريون ذهب لهم سيد فرح سباحةً , و وصلهم و في جسمة رصاصتين . و لكن المصرين قالوا : ( ما جاتناش اوامر ) . و ساعد الظابط سر الختم صالح جبريل في هروب سيد فرح الى مصر , بل لقد تواصل و ذهب له في مصر .
و بعد هزيمة سليمان ابن الزبير باشا . هرب رابح فضل الله خيرة قوات الزبير باشا , الى شاد . و هو الذي اعطى انجمينا اسم انجمينا , لم يقتل جسي باشا سليمان الزبير . و لكن ادريس باشا الدنقلاوي و هو جدي لامي و الذي كان يعمل عند الزبير باشا , ثم انفصل منه , هو الذي دبر قتل سليمان ابن الزبير . و هو السبب في الايقاع بين سليمان و جسي باشا . بسبب تنافسهم في تجارة الرقيق .
رابح فضل الله فتح وداي و شاد , و هزم و قتل الجنرال لامي , و يطلق اسمه على المدينة فورتلامي . و التي هي انجمينا الحالية . و في سنة 1900 عندما تمكن الفرنسيون بجيش جرار من قتل رابح فضل الله , الذي كانوا يلقبونه بنابليون افريقيا , دفنوه دفناً اسلامياً , و بنوا على قبره مبنىً جميلاً , و وضعوا على رأسه اربعة مدافع في كل الاتجاهات . و لكن جريدة الأهرام قامت بسبه و وصفته بأحد مسببي المشاكل و زعزعة الاستقرار . و الأهرام كانت كل الوقت بوقاً للسلطة . و هذا الموضوع مذكور في كتاب دفع الافتراء للمؤرخ السوداني الاستاذ محمد عبد الرحيم .
في نفس الوقت الذي دارت فيه معركة شيكان , كانت معركة التيب في شرق السودان و التي جرح فيها كتشنر جرحاً بليغاً في وجهه و أرسل الى بلده للعلاج . و كسر البجة المعسكر الأنجليزي , و خلد الشاعر اللورد كيبلين بقصيدة يصف فيها البجة بأعظم المحاربين في العالم . بعد معركة التيب وضع القائد الأنجليزي جائزة مالية ضخمة للقبض أو لقتل عثمان دقنة . الا أن لندن طلبت منه بالتلغراف أن يسحب المكآفئة و وصفوها بأنها عمل غير حضاري و غير شريف .
الآن بالرغم من اختلافنا مع بن لادن , ندين عملية قتله , و ندين بشدة معاملة جثمانه بطريقة غير كريمة . و لهذا يبقى الامريكان مجموعة من رعاة البقر الحمقى . بغض النظر اذا كان هذا ريغان أو ابن خالتنا اوباما. سيظل الامريكان متخلفين . و سيبقى هنالك فرق بين الحضارة و المدنية . فالمدنية تقاس بالخدمات الاجتماعية الموجودة في المجتمع , و لكن ليس كل مجتمع متمدن مجتمع ذي حضارة . فالمدنية يمكن ان تحدث في عقود قليلة , و لكن الحضارة عملية طويلة جداً .
لقد اكرم سلاطين صاحب المنزل الذي هو الآن مركز حزب الامة , اصدقائه الذين وقفوا معه في المهدية . منهم علي الجلة و عبد الرحيم ابو ضقل و آخرون . وصاروا نظاراً في قبائلهم . و لم يكرم صديقه ود عدلان الذي كان امين بيت المال لأن يعقوب جراب الرأي أوعز للخليفة بشنقه , لأنه لم يوافق على نهب غلال أهل الجزيرة . و ود عدلان هو الذي رفض ان يشرب الماء و طلع الى المشنقة و وضع الحبل حول عنقه .
الشخص الوحيد الذي سمعنا ان سلاطين قد عاقبه , هو الشخص الذي كان يسخر من سلاطين و أصر على ان يختن سلاطين بعد أن انضم الى المهدي . و قام سلاطين بعد رجوعه الى السودان بسجنه و نكاية فيه حلق ذقنه , فقال هازئاً لسلاطين ( الحسنتو انت بقوم تاني , لكن الحسنتو انا ما بقوم تاني ) .
المنزل لم يكن ملكاً لأنسان , و لا أدري كيف انتقلت ملكيته لآل ابو العلا . فمدارس الاحفاد مثلاً و جامعة الاحفاد مسجلة بأسم الشعب السوداني . بالرغم من أن تكلفة بنائها قد دفعها المتبرعون , و أكبر المتبرعين كان ابراهيم عامر ازرق , ابن عامر ازرق الذي يضرب به المثل ( قميص عامر , الفصلوه في الريف و طلع قدر سيده ) . و لعبد المنعم محمد القدح المعلى في بناء الاحفاد . لأنه هو الذي قدم الضمان للمفتش برمبل بأن المبنى سيكون خير من المستوي الذي يطلبه برمبل . و لقد قام بالرسومات و البناء المهندس ابراهيم احمد . و هو والد المناضلة متعها الله بالصحة سعاد ابراهيم احمد . و أن كان للسيد عبد الرحمن نصيب كبير في انشاء الاحفاد بدعمه المادي و الادبي . و كما شارك اخرون منهم رئيس الجالية اليونانية كونت ميخالوس الذي كان يحب السودان و يخلص له . و كما ذكر لي الاخ السفير علي حمد ابراهيم أنه قابل ابن كونت ميخالوس و كان يبكي لأن النميري قد ضايقهم و طردهم من السودان و كان يقول كيف انا ما سوداني , انا مولود في السروراب . و السروراب لا يعرفها كل السودانين , و هي قرية صغيرة خارج امدرمان بالقرب من الشيخ الطيب .
المحسن عبد المنعم محمد كانت له افخم دار في امدرمان و هي الدار المواجهة لكلية امدرمان . و هو من اسرة ابو العلا , و هو مولود في امدرمان . و كانت تلك الدار الفاخرة تمتلئ يوم الجمعة بالمساكين و الشحاذين و المجزمين و المبرصين . و كان عبد المنعم محمد يتناول الاكل معهم , و يوزع عليهم المال و الكساء . و كان يريد أن يتبرع بكل ماله للأوقاف , ألى ان اوقفوه بالشرع . و أعطى ثلثي ماله للأوقاف و ترك الثلث للورثة . و الميدان في الخرطوم سمي بأسمه نسبة لفضله وأحسانه .
الخالة زينب عبد القادر , المعروفة بحنينة الصحة , كان من الممكن ان تكون وارثة منزل سلاطين . ولكن الواضح ان سلاطين حتى بعد ان صار حاكماً لم يكن يمتلك ذلك المنزل . الخالة زينب كانت ثاني سودانية تركب الدراجة . لأنها كانت مفتشة صحة و لها شلوخ عريضة . و شلوفتها مدقوقة ( وشم ) . و كانت تطوف كل امدرمان , و لأنها امرأة يسهل عليها دخول المنازل . و أول مرأة سودانية تركب الدراجة هي ست بتول عيسى , من أول تلاميذ رفاعة , و زميلة زينب بنت الاسطى , و التي هي أول من استعمل اللون الزرعي ( تركواز) في عمل الطواقي لدعم مدرسة البنات في رفاعة , و لهذا صار يعرف هذا اللون بلون زينب .
ست بتول هي والدة الصناعي ادريس الهادي صاحب المسلة في شارع الاربعين , و هي أول قابلة سودانية عملت 67 سنة متواصلة اغلبها تطوعاً كمدرسة في مدرسة الدايات , كرمتها الامم المتحدة و لم يكرمها السودان . الخالة حنينة عاشت عمراً مجيداً و في نهاية التسعينات كنت اطالب شقيقاتي و آخرين ان يسجلوا منها , و أن يستمعوا اليها . و لكن من يهتم . ست بتول كانت تسكن في شمال منزل سلاطين , دار حزب الامة الحالية . و من احفادها احمد و محمد و وعلي و مجموعة من البنات .
كل ما كتبته هنا كتبته من الذاكرة بدون الرجوع لكتاب . فأرجو المعذرة اذا كان هنالك بعض الغلطات .
التحية و الرحمة للجميع
ع. س. شوقي بدري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.