قد نصيب ونخطئ، لكننا نجتهد لنؤدي عملاً نحن مسئولون عنه، أمام الله ثم أنفسنا.. تلقيت اتصالاً من وزارة العدل لتغطية أعمال الدورة 23 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف..كانت مدة الزيارة أسبوعاً، ولأسباب تأخر الإجراءات وأشياء أخرى، لم أغادر مع الوفد إنما سافرت في ذات اليوم الذي عادوا فيه إلى الخرطوم.. بعد أن وصلت إلى مقر السفارة عصر الثلاثاء، أبلغتهم أني سأغادر صباح الجمعة، وأرغب بإجراء حوارات مع مسئولين في مجلس حقوق الإنسان، وعدوني بالمحاولة لكنهم نبهوني لضيق الوقت، فسألتهم إن كانوا يعرفون صحفياً سودانياً، فكانت الإجابة نعم، ومدوني برقم الصحفي طه يوسف. اتصلت عليه واستقبلني بطريقة لطيفة، قلت له إني سأكون في جنيف لمدة يومين وطلبت منه المساعدة في مهمتي.. استجاب للأمر وطلب مني الاتصال عليه بعد أن أصل لمقر الأممالمتحدة. حينما اتصلت عليه، قلت له إني في مقر حقوق الإنسان (المكان الذي تعقد فيه الجلسات).. وبعد أن جاءني قلت له "القدوم إلى جنيف فرصة بأن ألتقى الأجانب والطرف الآخر.. أريد أن أسمع منهم أين هي إخفاقات الحكومة .. المهم بالنسبة لي الالتقاء بهم أكثر من الجانب السوداني".. اقترحت على طه عدداً من الأشخاص ووعدني مشكوراً بالمحاولة، وفعلا اتصل على نائب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وهو شخص موريتاني، لكنه لم يوفق. بعدها افترقنا وكنا نتواصل عبر الهاتف والرسائل، كنت أقول له "أنا في المقر".. وكان يسأل "المكان اللاقيتك فيه قبيل؟" فأجيب "نعم". حاولت الاجتهاد لوحدي حتى لا أكون عبئاً ثقيلاً عليه، فطلبت من مندوبة الولاياتالمتحدة أن أجري معها حواراً، وافقت وطلبت مني الانتظار لنهاية اليوم، لكن بعد ساعات طويلة من الترقب، اعتذرت بحجة أنها تعمل في لجنتين معنيتين بسوريا وجنوب السودان ولا يمكنها التحدث عن السودان الآن، وكذلك وزير العدل بدولة الجنوب، الذي حدد موعداً في التاسعة من صباح الجمعة، وهو موعدي مع الطائرة.! بدأ القلق والتوتر يتملكاني.. إحساس ثقيل يؤكد فشلي في عملي.. كلما التقيت أحداً أعطاني موعداً بعيداً، أو طلب التنسيق مع مكتبه.. كتابة التقارير والأعمدة في هذه الحالة لا يعد كافياً.. أجريت استطلاعاً مع من التقيت، ولجأت إلى طه مجدداً، فساعدني بالالتقاء بممثل الحقوقيين العرب. لم أر في جنيف شيئاً، رغم دعوات الأصدقاء وبعض الأهل، الذين كان عدم الرد عليهم هو الخيار الأنسب.. وبعد عودتي بأكثر من أسبوع تفاجأت بطه يوسف وهو يكتب مقالاً عني.!! يقول طه "ظاهرة استخدام الصحفيين كمرافقين من أجل نقل نشاطات المسؤولين السودانيين الذين يشاركون في أعمال مجلس حقوق الإنسان بجنيف تؤكد أن الصحفي لا يملك فكره كل ما يملك هذه الأيام هو شيء من الحبر وشيء من الورق، في عصر لم يعد يهتم للحبر أو يأبه للورق" ويضيف قائلاً " إحدى الصحافيات التي أتت الى جنيف بدعوة من إحدى الوزارات الحكومية للمشاركة في أعمال الدورة 23 لمجلس حقوق الإنسان (رغم أن تلك الدورة لم تتطرق سلباً أو إيجاباً لملف حقوق الإنسان في السودان ) اتصلت بي مستفسرة إذا كنت موجوداً بمقر المفوضية ؟!!! أجبتها :" أنا موجود في المقر الأوربي للأمم المتحدة" وبعد نصف ساعة اتصلت مرة أخرى لتقول لي إنها وصلت إلى مبنى المفوضية قلت لها : أتقصدين المقر الأوربي للأمم المتحدة أجابت بنعم ! لم أجد مبرراً لإصرار تلك الصحفية على اسم المفوضية و أي مفوضية تقصد؟!!!! المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ؟! أم المفوضية السامية لحقوق الإنسان؟! مبنى أي من تلك المفوضيتين ليس له علاقة بمبنى المقر الدائم للأمم المتحدةبجنيف فكيف لصحفي لا يميز بين مسميات آليات الأممالمتحدة ومنظماتها يستطيع أن يكتب عن ملفات معقدة مثل ملف حقوق الإنسان و كيف له أن يكون مصدر إشعاع و تنوير لعامة الشعب إن لم يمتلك المعلومة كاملة ( فاقد الشيء لا يعطيه". رغم أني لم أخطئ وأقول المفوضية كما ادعى، لكن ليس في الأمر مشكلة، فطه يقيم في جنيف لأكثر من 15عاماً، بينما تلك الصحفية أقامت في جنيف لدى اتصالها به ل15 ساعة. ليس عيباً أن تدعو الوزارات الحكومية الصحفيين لتغطية الأنشطة، إن كانت تتركهم بحريتهم ولا تقيد عملهم، هو أمر متبع في جميع أنحاء العالم، وكنا نحن نتعرف على صحفيين يأتون مع المبعوث الروسي والصيني وعدد من الوزراء الغربيين. نحن نقوم بتلبية دعوات العمل سواء كانت من السفارات أو المنظمات فما المانع أن نلبي دعوة الحكومة. يعلم طه من الحديث الذي جمعنا أثناء دعوة طيبة قدمت منه، أني لا أنتمي لحزب سياسي أو جهة، ويعلم أني مستقلة، أحب عملي وأقلق عليه ولا أجامل فيه، بلا غرور أو ادعاء. استغربت جداً أن يقوم طه باستلاف الفكرة التي قلتها له ويحولها ضدي، والمتمثلة بأهمية الالتقاء بالآخرين وليس المسئولين السودانيين.!! رغم أن طه ليس من أعلام الصحافة أو شخصية معروفة لدى الصحفيين السودانيين على الأقل في الداخل، إلا أنه نصب نفسه حاكما ومقيما لأدائهم خلال ما كتبه من فقرات في المقال. لا بأس أن أبدى ملاحظة أن بعض صحفيي الخارج الذين لم يعملوا في السودان في هذه المهنة، يُنظرون ويقيمون الآخرين كأنهم في برج من ذهب والآخرين لا يفقهون شيئاً إنما يمارسون عملهم وهم مغمضوا العينين.! لن أتحدث أكثر ولا أريد أن أخلق أعداءً أو توتراً مع أحد قدم إليّ خدمة، تمثلت بمنحه لي ساعات من وقته.. ولكني استفدت من التجربة وأرجو من زملائي الصحفيين في السودان أن يستفيدوا منها.. لا تلجأوا لأحد وأنتم في الخارج إن كنتم لا تعرفونه، فقد تكونون عرضة لسخريته واستعراضه بمجرد أن تجلسوا بمقاعد الطائرة وأنتم في طريقكم للعودة! [email protected]