في فلم الجزيرة بطولة أحمد السقا يكتشف الضابط الصغير أن والده الجنرال وصهره كانا وراء صناعة أكبر تاجر مخدرات وسلاح في البلاد بحجة مكافحة الإرهاب وعندما يواجه والده قائلا (إذا لم تهتم للمساكين دولا بكرة تجيك منظمات حقوق الإنسان وتدخل البلاد في س وج )فيرد عليه والده الجنرال الخبرة :( سيبك من دولا يتحدثون الساعات الطويلة عن حقوق الانسان والواحد فيهم إذا الشغالة سرقت منه شيئأ بسيطا يقول للمحققين إفعلوا زي ما دايرين بس حاجتي ترجعلي) وهذا ما حدث فعلا في مسلسل إقالة الرئيس محمد مرسي حيث إرتضت المعارضة الإنقلاب علي الشرعية وتدخل الجيش ليضع خارطة طريق. هذا الأمر لا ينطبق علي كل المعارضة فالمعارضة التقليدية أضعف من ان تسقط مرسي اوأن تحرك الشارع ولكن هذا صوت جديد لم تشهده البلدان العربية من قبل هذا صوت الشباب الحر صاحب فكرة الدولة الوطنيه والتي تفتقر لها كثير من بلدان العرب حيث ان أغلب الأنظمة الحاكمة فيها تختزل الوطن في النظام الحاكم وفي شخصية الرئيس إلي درجة التأليه وهؤلاء يسقطون شرعية مرسي لأن الوطن عندهم أولاً ولا يريدون أخونة الدولة أو ان تفرض جماعة ما فكرها وتصورها علي الناس لمجرد انها فازت بالاغلبية. الفوز بالاغلبية لا يعطيك الحق في أن تغيير وتبدل ما تشاء من أفكار او ان تقصي من تشاء وتاتي بمن تشاء من الاشخاص والقيادات أنت عند الثوار مجرد رئيس منتخب ليدير شئون الناس والدولة حسب إرادتهم ورغباتهم وتطلعاتهم وقناعاتهم . والدولة الوطنية التي أتحدث عنها أغفلها الفكر الإسلامي الحديث الذي ساد عقب نيل الدول إستقلالها لأن أشواق العودة لنظام الخلافة الراشدة سيطر علي تفكيرهم فمعظم الجماعات الإسلامية أممية النظر والفكر والهم وهذا هو الذي أبعدهم عن ساحات العمل الوطني فلم يكترثوا لمفهوم الدولة الوطنية التي تغني لها الشعراء والكتاب وألفوا فيها قصصا وروايات وأناشيد واهازيج. فبعد صراع طويل بين الاسلاميين والعلمانيين بين المدنين والعسكرين إنطلقت ثورات الربيع العربي كنتاج طبيعي للفساد والمحسوبية وسوء الإدارة وطغيان الحكام والاوضاع الانسانية المزرية والاوضاع المعيشية الضاغطة وإنعدام الامن والسلم والخواء الفكري والروحي لمعظم الاحزاب والقيادات والنخب التي إستأثرت بالحكم وإستولت علي الثروات. قامت ثورات الربيع العربي إنتصارا للوطنية الحقة وعزما علي إقامة الدولة المدنية. وهذا هو الصوت الجديد الذي جهله مرسي فتحرك لإسقاطه هذا الصوت الجديد يقول لا للدولة الدينية كما يقول لا للدولة العلمانية وهذه هي الفكرة المسيطرة علي شباب الربيع العربي الدولة الوطنية المدنية. والوطنية الحقة هي الحفاظ علي أمن وسلامة الوطن أرضا وشعبا وإقامة نظام حكم بوضع دستور يتساوى فيه الناس علي أساس المواطنة والتي يتساوي فيها الناس جميعا في الحقوق والواجبات لا ميزة لأحد علي أحد بسبب الدين اوالعرق أواللون أوالمذهب اوالقبيلة ولا ميزة لحزب حاكم علي معارض فالناس شركاء في وسائل الإعلام والتواصل الجماهيري ومتساون في الفرص المتاحة والممنوحة وفق موجهات الدستور. كما أن الدولة الوطنية والتمسك بها هو سقوط للفكر الاممي إسلاميا كان او علمانيا حيث أن الثوار في حركة تمرد وكل الشباب الذين تجمهروا معهم مطالبين برحيل الرئيس مرسي لم يكونوا راغبين في عودة العسكر وإنما إستجاروا به حتي لا تتوقف الحياة وحتي لا تسيل الدماء . وقد كانوا في فعلهم هذا يقدمون درسا بليغا للإخوان ولفكر الإخوان ولكل الامميين ويقول لهم لا تخلطوا الاوراق إنما إنتخبناكم ورشحناكم وفوزناكم من أجل الوطن الذي لا يسمح لك أن تحتقر الأخر أو تقلل من شانه أوتقصيه أوتصادمه دون حاجة ماسة ومثلما هي رسالة للإسلامين هي رسالة للعسكر ان الثوار في الميدان ولن يسمحوا بأن تسرق ثورتهم لا بد للثورة أن تبلغ مبتغاها وتحقق أهدافها في بناء دولة القانون دولة الحرية والعدالة دولة المحبة والتسامح دولة قبول الاخر والإستئناس برأيه ومشورته . وكما ذكرت أن الفكر الإسلامي في عصرنا هذا تجاهل الدولة القطرية وقال إنها من تقسيمات الإستعمار ولا نؤمن بها لكن الواقع يقول غير ذلك لان إرتباط الإنسان بوطنه وتحنانه له في حله وترحاله لا يجهله عاقل . ويوم هجرته الشريفة صلي الله عليه وسلم قال مناجيا ربه اللهم أخرجتني من احب البلاد إلي نفسي فأسكني في أحب البلاد إليك فكانت هجرته صلي الله عليه وسلم إلي (يثرب )المدينةالمنورة دلالة علي حب الله لتلك البقاع والأماكن المقدسة . والرئيس محمد مرسي في زيارته للسودان بسبب فكره الأممي الذي يشاركه في سادة الحكم في بلادنا تجاهل أمر حلايب لان في الفكر الأممي يعتقد أن هذه الحدود من صنع المستعمر وأنهم كمسلمين لا يتقاتلون من أجل قطعة أرض ونسيوا أن هابيل وقابيل إقتتلا بسبب إمرأة وأن تجاهل هذا الأمر للذين تتشبع أفكارهم بحب الأوطان ويؤمنون بضرورة صيانتها وحفظها وتنميتها ويشتاقون إذا ما تغربوا لسهولها ووديانها ومضاربها ومشاربها أنهارا كانت أو حفائرا تلالها وهضابها وهؤلاء وأمثالهم يشعرون بالكراهية ضد الدولة التي لم تطالب بأرضها وضد الرئيس الزائر الذي لم يهتم بالامر بسبب افكاره الأممية. إن الجيل الجديد الذي سيأتي ثائرا علي كل أنظمة الجور والفساد لا يهتم إلا بالوطن ولا شيئا غيره . لان الذين تنادوا بإسم الإسلام ووصلوا إلي سدة الحكم لم يقدموا نموزجا يحتزي به أو يتشرف من يؤمنون بذات الفكرة ناهيك عن إقناع الاخرين . وأختم قائلا إن الرئيس محمد مرسي لم يسقطه الفلول ولا العسكر إن الذي أسقطه فكره الأممي وكفاح جيل جديد يؤمن بالوطنية والدولة المدنية . والسلام. أحمد بطران عبد القادر [email protected]