أعلنت وزارة التعليم العالى عن تنظيم وترتيب هجرة أساتذة الجامعات بما يحقق الفوائد والمكاسب لكل الاطراف فى اعقاب الرغبة الكبيرة من الجامعات العربية للاستفادة من طاقات هيئة التدريس السودانية. قبل فكرة تنظيم الهجرة التى هبطت فجأة على التعليم العالى، هاجر معظم اساتذة الجامعات فى وطنى، وحطت رحالهم فى الدول العربية والغربية، وسار بهم ركب الحياة فى هجرة جعلت ميزان التعليم فى «بلدى» ينكسر تماماً، فالهجرة اليومية والشهرية لاساتذتى الاجلاء صارت وصمة فى جبين التعليم العالى والجامعات السودانية التى تقهقرت الى الوراء وصارت فى ذيل القائمة، وذلك للترحال الذى مارسه الأساتذة بحثاً عن لقمة عيش وحياة طيبة، فهنا لم يجد الاستاذ الذى يعمل فى اكثر من جامعة طريقة لتوفير ثمن البنزين لعربته التى عفا عليها الزمن وتجاوزها سنين و «يركب الطلاب اجمل واشيك واحلى منها» اما العلاج والوجبات ومصاريف المدارس فالحديث عنها له صفحات اخرى. تنظيم الهجرة مصطلح جديد حاولت به الوزارة الالتفاف حول عجزها عن ايقاف التدفق نحو الدول الخارجية، فأبحرت به على سطح الحياة التعليمية فى بلدى، وتناست أن من هاجر هاجر بتنظيم او غير تنظيم، فهو مهاجر ومغادر لوطنه، وسيتلقى غير بنى جلدته علمه وخبرته، رغم انهم احوج لها هنا، لكن لا حل له غير الهجرة، فالتعليم العالى يجيد فنون الحديث ويجهل فنون العمل وتوفير مطلوبات الاستاذ الجامعى الذى تقصيه الجامعة فى سن مبكرة، بينما تتلقفه جامعات اخرى خارجية وترحب بخبرته التراكمية بل وتكرمه، والاخيرة فى وطنى لا يجدها الاستاذ الجامعى الا بعد ان يوارى جسده التراب.. ومن سيغادر وفق مصطلح تنظيم هجرة التعليم العالى لمدة محددة بكورسات قصيرة وفق تصريح دكتور المقلي، فإن ذلك يأتى ضمن دائرة مباركة التعليم العالى الذى سيختار من يراه ب «منظوره» مناسباً ليغادر ويعود بعد انتهاء «الكورس»، وربما يبرز من بينهم من يغير رأيه هناك فيشرب التعليم العالى «المقلب» كأساً يزيد من سخانة الصيف!! اخفق التعليم العالى فى معالجة مشكلات الهجرة التى تتسع يومياً من قبل الاستاذ الجامعى، فيغادر فى صمت، ومن اكمل مدته خارج الوطن لا يعود أبداً نسبة للشلل الذى لازم تفكير التعليم العالى الذى لم يجد منه الاستاذ الجامعى غير المبنى الجديد فقط!! فالفشل واضح فى تدنى مؤهلات الخريج الذى «يتم المادة براهو» بعد ان هاجر استاذه الذى «عجز» تماماً عن اداء دوره بوصفه أستاذاً جامعياً فى وجود سلبيات كثيرة فى البيئة الجامعية والحياة المعيشية فى وطنه مقابل «فرح عرمرم» يتلبس التعليم العالى عند افتتاح احدى الجامعات التى تزيد عدد الكم الهائل من جامعات «الفكة» والتى تتخذ من السوق وبيت الجيران مقراً وقاعة تمتلئ بالطلاب، وتنتظر الاستاذ الجامعى فى ميعاد محاضرته فيسمع وهو فى «عز الشرح» اصوات الباعة الجائلين وأغنيات حرم النور تنطلق من محلات بيع الاشرطة والسيديهات!! لن تنجح محاولات تنظيم الهجرة لأن الاساتذة «هاجرو وانتهوا» ولم ينتظروا حتى يجود عليهم التعليم العالى بكورس هنا وآخر هناك، والذى ربما تمارس فيه الانتقائية، لذلك قرروا «بمعرفتهم» مغادرة الجامعات السودانية التى لم تحظ منذ سنوات عديدة بالتأهيل والتجميل والتعديل والتجليل والتقدير لبيئتها وللأستاذ الجامعي. هنيئا لكم أساتذتى الاجلاء فى غربتكم، والذى سيسقط اسمه عن كشف الاعارة والانتداب سيلحق بكم قريباً، ويكفينا فخراً أنكم ترفعون اسم الوطن الذى رفع علم استقلاله الزعيم الخالد الازهرى خارج الحدود.. الوطن الذى لم تحافظ الإنقاذ عليه فتركته منثوراً هنا وهناك. همسة لأجلها طوى البحر بساطاً.. وزرع النجوم على كف القمر.. تسلق كتف الشمس.. حتى نالها.. رغم المستحيل.. الصحافة