قبل أيام قلائل أكملت دولة جنوب السودان عامها الثاني وسط جملة من الأحداث الساخنة والأسئلة التي ظلت تبحث عن مستقبل أحدث دولة في القارة السمراء وظلت العلاقة مع الدولة ( الأم) السودان تتراجع وتتدهور دون أن تلوح في الأفق أي بوادر حقيقية لطي الأزمة المستفحلة بين الدولتين بعد عامين من الأستقلال لازالت قطاعات واسعة من السودانيين الجنوبيين في انتظار ممل لوعود ظلت معلقة في الهواء وتعاني الدولة الوليدة من مشاكل كثيرة ومعقدة بحاجة إلي عزيمة وإرادة سياسية تقفز فوق واقع المصالح القبلية والشخصية. ويري عدد من المراقبين أن العلاقة بين السودان وجنوب السودان ستظل في حالة من التردي والتدهور إذا ظلت ذات المفاهيم والآليات القديمة مستخدمة وأن المطلوب رؤية أكبر لمستقبل العلاقة تتجاوز ثامبو أمبيكي وإعادة تفسير الماء بعد جهد بالماء وذلك بنفض الغبار في كل مرة عن ( مصفوفة) فشلت في مخاطبة جذور الأزمة التي هي أعمق من مجرد نصوص ووعود وزيارات متبادلة. وفي رأي الصحفي السوداني المخضرم محجوب محمد صالح ( الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل لأن الحرب الآن لم تعد حرب عصابات داخلية في وطن واحد ولكنها باتت حرباً نظامية بين دولتين متجاورتين). وتقف الكثير من العقبات أمام بناءعلاقة حسن جوار بين السودان وجنوب السودان ، من جانب الحكومة السودانية فهي تنظر إلي أي تقدم في مسار العلاقة مع جوبا بقيام الأخيرة بنزع سلاح الحركة الشعبية – قطاع الشمال والعمل علي إلغاء وجودها وفي نفس الوقت ترفض أي وساطة من حكومة جنوب السودان في حل مشكلة الصراع في النيل الأزرق وجبال النوبة وهذا الطلب (الحكومي السوداني) في نظر الكثير من المراقبين غير منطقي وغير عملي وأن الحكومة السودانية تطلب من جوبا ( المستحيل) وإلا كيف تطلب من حكومة دولة أجنبية نزع سلاح من مواطنيين سودانيين وفي أراضي سودانية . والطريق الذي يبدو أقرب لخلق علاقة سلسة مع دولة جنوب السودان هو حل الأزمة في جبال النوبة والنيل الأزرق قبل أن تطلب من جوبا حل ( أزمة سودانية) والحديث المكرور عن فك الإرتباط والفرقتين التاسعة والعاشرة يصبح من لهو الحديث وهو غير مفيد والتمسك الحرفي بهذا الكلام بالتجربة العملية غير ذات جدوي. وبالنسبة لجوبا تشكل العلاقة مع الخرطوم ومع الدولة (الأم) وحدود بطول أكثر من 2000 كلم وقبائل متداخلة ومتصارعة ومناطق متنازع عليها الملف الأبرز في تحديات الدولة الجديدة ،في الأونة الأخيرة قام رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت بخطوات مثيرة للجدل مثل إقالة كوستي مانيبي وزير المالية، ودينق ألور وزير شؤون الحكومة، للاشتباه في ضلوعهما في قضية فساد ثم كانت خطوة إقالة حاكم ولاية الوحدة تعبان دينق ويمكن قراءة هذه الخطوة علي عدة أوجه منها توجيه ضربات لتيار السودان أو أولاد قرنق - وهذه الخطوة تسعد الخرطوم – وإضافة إلي ذلك توجيه رسائل وإشارات لقطاع الشمال والجبهة الثورية بأن القادم ربما كان أسوأ والوجه الثاني أن قرارت سلفاكير الأخيرة تأتي في إطار صراعات مراكز القوي ومحاولة الأخير تركيز كل السلطات والصلاحيات في يده تحسباً ليوم قادم في قبضة المجهول وتأتي تصريحات الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم في ذات السياق ويعزز من وجهة النظر التي تقول أن سلفا بدأ الحرب علي (أولاد قرنق) – كان باقان قد وجه إنتقادات علنية لسلفاكير وقال: " أن دوافع الرئيس في اتهام مانيبى وألور كانت سياسة ". ويواجه الرئيس سلفاكير تحديات كثيرة منها تحديات تتعلق بناء الدولة الجديدة وتحديات تتشح بثوب ( المطامح الشخصية) والصراع داخل الحزب والحكومة ،من جهة هناك صراع مع نائبه رياك مشار هناك صراع مع تيارات داخل الحركة الشعبية وهناك من يجمل قراءة المشهد في جنوب السودان وذلك بإضافة زيارة مشار الأخيرة للخرطوم وخطوات إقالة ألور تعبان وتصريحات باقان وتحسين العلاقة مع الخرطوم في مقابل إضعاف التيار الداعم أو المتعاطف مع قطاع الشمال غير أن هذه القراءة بها بعض الثغرات وخاصة أن العلاقة بين سلفا ومشار ليست بهذا العمق لدرجة أن يصطف مشار مع سلفاكير ضد باقان وألور وتعبان وللأخير مآرب خاصة ومطامح ( خاصة جداً) وبالإضافة إلي ذلك هناك روابط كثيرة بين تعبان ومشار وعزز مشار هذه الوجهة عبر رسالة إلي سلفاكير جاء فيها .. (من أجل الحفاظ على سلامة شعبنا وتجنب الأزمة فإنني أرجو منك إلغاء هذا القرار). وأمام هذه التطورات تبقي هناك قراءات أخري وتحليلات مختلفة بعض الشيئ وهي تطابق مواقف باقان ومشار في مواجهة خطوة إقالة تعبان دينق حيث قال باقان " هذه الطريقة ستسبب في كوارث للدولة الجديدة وأضاف باقان إلى أن من قدمهم الرئيس للمحكمة يعارضون ترشحه للرئاسة مرة أخرى ". والسؤال هل يتحالف مشار مع باقان ومجموعته رغم الخلافات المعروفة وتقاطع المواقف خاصة في العلاقة مع الخرطوم وقطاع الشمال وأسئلة كثيرة تظلل سماء العلاقة بين مشار وباقان وتيار السودان الجديد ،وتشير تعقيدات الوضع أن الرئيس سلفاكير يسير فوق حقل من الألغام وصحيح أن سلفا كير رجل إستخبارات وله ( حاسة أمنية) ويحسب خطواته بطريقة دقيقة ولكن الصحيح أيضاً أن المضي في هذه الوجهة إلي نهاية الشوط له كلفة عالية جداً. الخرطوم ... حسن بركية [email protected]