في مقال سابق تحت عنوان ( أحزاب الإسلام السياسي تقطف ثمار الربيع العربي إلى حين إشعار آخر ) نشرته بطيبة الذكر صحيفة الأحداث ( رد الله احتجابها ) في نوفمبر من العام 2011 وقبل إجراء الانتخابات المصرية، أشرت إلى العوامل التي قد تساعد الإسلاميين في منطقة الربيع العربي على الاستئثار بنتائج الانتخابات التي جاءت كاستحقاق أولي لثورة الجماهير في دول الربيع ولكن إلى حين ، ولا بأس من الإشارة إلى بعض ما جاء في بعض فقرات المقال ليس من باب التكرار ولكن للدلالة و الاستشهاد بما يلي: المؤشرات على الساحات العربية المنتفضة تدل على أن أحزاب الإسلام السياسي في طريقها لجني ثمار الربيع العربي وتحويل مساره إلى ( ربيع إسلامي ) عبر صناديق الاقتراع كما حصل في الحالة التونسية ، حيث حصدت حركة ( النهضة ) أكثر من 40 في المئة من نتائج الانتخابات التي جاءت نزيهة ومبرأة إلا من بعض الشوائب الصغيرة وذلك بشهادة المراقبين و المجتمع الدولي ، ويتوقع أن يحدث هذا في مصر الشهر القادم عندما تنشر صناديق الاقتراع في جميع محافظات ( المحروسة ) ليقول الشعب المصري كلمته الأخيرة في فصل نضاله من أجل الحرية و الديمقراطية عبر انتخابات ستكون مختلفة بكل المقاييس عن سابقاتها ، كما يتوقع للحالة الليبية نفس المصير ، هذه المؤشرات أقلقت الكثيرين الذين اعتقدوا أن الثورة قد سرقت وأن ثمارها قطفت من قبل الجماعات السلفية التي لم يكن لها القدح المعلى في إشعال تلك الثورات وإن كان ذلك عبر انتخابات حرة ونزيهة . في الواقع هذا أمر طبيعي لأن هذه الجماعات تمتلك أكثر من غيرها آليات حصد هذه النتائج على الأقل في الوقت الراهن لعدة أسباب أهمها : أولا : تاريخ الجماعة الطويل في العمل الحزبي و التنظيمي واستعدادها الدائم للوصول إلى السلطة عبر مختلف الوسائل و الآليات ، ثانيا : امتلاكها للمال الذي لا يزال يتحكم في مفاصل العملية السياسية في منطقة يرزح السواد الأعظم من سكانها تحت وطأة الفقر و المعاناة ، و المال بطبيعة الحال هو عصب النشاط و الحركة و التوسع و الانتشار وسط الجماهير ، ثالثا : انحسار حركة اليسار و الأحزاب الليبرالية و العقائدية و التقليدية الأخرى في الشارع العربي ، رابعا : ضعف بنية التكوينات الشبابية صاحبة اليد العليا في إشعال فتيل الثورة العربية وعدم استعدادها لخوض غمار التجربة الانتخابية في الوقت الراهن ، خامسا : غياب الديمقراطية والعمل الحزبي المنظم عن هذه الساحات لفترات طويلة غيب شريحة كبيرة من الجماهير العربية عن الشأن السياسي ، سادسا : الهجمة الغربية على الإسلام بحجة مكافحة الإرهاب جعلت الكثيرين من الشباب العربي يلجئون لهذه التيارات لاعتقادهم بأنها المدافع الوحيد عن العقيدة ، سابعا : الدعم الخفي و المعلن الذي قدمته أنظمة الإسلام السياسي في المنطقة للحركات الإسلامية لتعزيز قدرتها في الوصول إلى سدة الحكم في بلادها ، فضلا عن الدعم الذي يقدمه التنظيم العالمي للإخوان المسلمين لهذه الجماعات . ولكن في المقابل ستكون سيطرة جماعات الإسلام السياسي على أنظمة الحكم في الدول التي أكملت استحقاقات الثورة و التي في الطريق إليها آنية ومؤقتة ، وذلك إلى حين إشعار آخر تتبين معالمه بعد أن تنضج تجربة الثوار الحقيقيين الذين ألهبوا مشاعر الجماهير العريضة و حرضوها على الخروج على الأنظمة البالية ، وقادوا عملية التغيير سلما و مقاومة بجرأة كبيرة استعصت على فهم عتاة السياسيين الذين وجدوا أنفسهم صغارا أمام الشباب الذي لن يتنازل عن مكاسب ثورته حتى ولو بعد حين ، لذلك فإن بقاء الأحزاب التي تحكم باسم الدين في السلطة مهدد نتيجة للعوامل التالية : أولا : فشل التجارب السابقة لأنظمة الإسلام السياسي التي قدر لها أن تمتطي صهوة الحكم و لم تضف جديدا لإثراء قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بل تراجعت في عهدها هذه القيم إلى أقصى درجة مما جعل التجربة خصما من الرصيد المستقبلي لهذه الجماعات ، ثانيا : النمو المتصاعد للتكوينات الشبابية و الحزبية الوليدة من رحم الربيع العربي و الابن الشرعي لحركة الجماهير التي ستغير معالم الخريطة السياسية في المنطقة بعد أن ينمو عودها وتقوى شوكتها من خلال التجربة و الممارسة التي قد تستغرق بعض الوقت ، ثالثا : الأحزاب الإسلاموية لا تنمو وتزدهر إلا في ظل الأنظمة الشمولية ، حيث تكشف الممارسة الديمقراطية الحقة عوراتها خاصة في مجال استغلال الدين للوصول إلى السلطة وجلب المصالح الشخصية و تمكين الجماعة ، رابعا : هذه الأحزاب دائمة التشظي و الانشقاقات بسبب تضارب المصالح مما يضعف قدرتها على التنافس مستقبلا ، خامسا : افتعالها للأزمات مع المجتمع الدولي مما يعيق جهود التنمية البشرية في منطقة يعاني معظم سكانها من وطأة الفقر . لاشك أن هناك بعض الفوارق و التباين بين جماعات الإسلام السياسي في كل ساحة عربية على حدة ما يجعل التجربة التونسية متفردة ومتميزة نسبة لخصوصية حركة الاتجاه الإسلامي التونسي التي تعتبر قريبة من النموذج الإسلامي التركي ، لذلك نجد أن الذين صوتوا لحركة ( النهضة ) في الانتخابات في الغالب لا ينتمون لها أيدلوجيا ما جعلها تحصل على هذه النسبة العالية في الانتخابات . عموما لا أحد يختلف مع ما أفرزته العملية الديمقراطية في تونس ، وما ستفرزه في دول المنطقة الأخرى التي تستعد لخوض غمار هذه التجربة التي تعكس بصدق مدى التحول الذي حدث في الشارع العربي نتيجة الثورات التي كسرت حاجز الصمت و الخوف و القهر ، فقد أكد الشعب التونسي العظيم أنه رائد الشعوب العربية في إحداث التغيير ، ومعلمها أيسر الطرق للوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع ، فقد شاهد العالم أجمع الوجه الحضاري للثورة العربية من خلال الشعب التونسي الذي وقف لساعات طويلة في صفوف امتدت لعشرات الكيلومترات ليدلي بصوته ويختار حكامه الجدد دون إملاء أو تحريض من أحد ، كان المشهد رائعا يغمره إحساس بالفخر و الاعتزاز بالانجاز التونسي الأصيل ، الجميع جاءوا فرادى وجماعات برغبة أكيدة في تحقيق النصر لتونس وليس غيرها ، أتوا لمراكز الاقتراع بدافع ذاتي ولم يساقوا كالقطيع لورود ماء مدين ، كست الوجوه فرحة عارمة و كانت كلمات المتحدثين عن هذا الحدث عبر وسائل الإعلام تخرج عفوية ولم يملها عليهم احد ، وكانت سماتهم وبشاشتهم تعبر عن مدى توقهم و عشقهم لنسائم الحرية التي هبت بعد أن عصف الشعب بالجبابرة ورموز القهر و الطغيان . نواصل ،،، [email protected]