ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    أكوبام كسلا يعيد قيد لاعبه السابق عبدالسلام    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصلح خير
نشر في الراكوبة يوم 17 - 07 - 2013

حين وجدت ألمانيا نفسها على حافة إنهيار، أرسلت قائد جندها على رأس فيلق من المفاوضين للجنرال الفرنسي فرديناند فوش للمطالبة بهدنة عجز يلتقط فيها المتحاربون خوذهم من ساحة ميدان التحمت فيه عشرات الأعلام وسقطت فيه عشرات البيارق. عندها، مد فوش أطراف أصابعه ليلتقط ورقة من فوق طاولة المفاوضات ويمررها لغريمه الألماني ذي الأنف المكسور. لكن الرجل كاد أن يخر صَعِقا حين فض المطوية الفرنسية وقرأ شروطها المهينة، وصرخ في وجه فوش قائلا: "يبدو أن هناك خطأ ما، إذ لا يمكن أن يفرض شعب متحضر على شعب حر شروطا كهذه." عندها، تبسم فوش ضاحكا من قوله وبرم طرف شاربه بين أنامله الغليظة ليقول: "سيدي، هذه ليست شروطنا. إنما هي شروط قائد ألماني فذ فرضها على أهالي مدينة ليل الفرنسية يوم اقتحمها على حين عجز من أهلها."
قهر بقهر إذن، ومذلة بمذلة، وعلى طغاة الحروب تدور الدوائر. ولو علم الجنرال الألماني المغرور بعدته وعتاده أنه سيعرض بسفهه كبار جنرالات جيشه للذلة والصغار، ويفرض إتاوة حرب غير عادلة على خزينة بلاده الخاوية على رفوفها بعد توقيع مذل على شروط استسلام مخزية، لما استبد بمدينة قاومت قدر ما تستطيع عن حدودها غير المحصنة حتى خارت قواها. لم يكن سقوط ليل نهاية حرب ولا خاتمة صراع إذن، لكن ذوي الأكتاف المقددة لا يرون أبعد من النجوم المرصوصة على جانبي أقفيتهم المتخشبة.
ولو علم الجنرال فوش أن مذلة الجنرالات الألمان عند نهاية الطاولة لا يزيد أنواط نصره، بل يمهد لانتفاضة ألمانية قادمة وحرب عالمية ثانية، لما أسرف في انتقام مشروع من قادة جيش لم يعد لهم في عرف الحروب حول ولا قوة. لكن غرور القوة يُطغي ويُعشي الأبصار والبصائر ويلقي في قلوب المنتصرين زهوا مؤقتا ليس له ما بعده.
الجهلاء فقط يرون انتصاراتهم الصغيرة في حروب كبيرة فتوحا وغنائم، ويعتبرون الوقوف فوق الأشلاء والبقايا نهاية تاريخ أو خاتمة صراع. ولو أنهم فتشوا في ذاكرة التاريخ المؤقتة أو الدائمة، لاكتشفوا أن الوقوف عند حواف المدن فوق خيول مطهمة والتلويح بأعلام ملونة لا يعني إمكانية البقاء هناك طويلا. فالحرب كر وفر وخداع وحيل. والعاقل من لا يبالغ في إظهار البهجة بسقوط خصم قادر على النهوض وإن كان مصابا. فالإصابة عجز مؤقت عن الفعل وتسويف لمعركة كانت على وشك الاحتدام.
والقادة الشرفاء لا يفرضون شروطا مهينة على شعوب قاتلت بشرف ودافعت باستبسال قبل أن تسقط فوق أسلاكها الشائكة وقضاياها المصيرية. الشرف أن تقاتل حتى تنتصر، ثم تضع سلاحك جانبا لتحمل الجرحى إلى أقرب مشفى وتسهر على جراحهم حتى تبرأ وإن قاتلوا ذات يوم ضدك ورفعوا أسلحتهم عليك. والشهامة أن تضع شروط صلح قد تضطرك الظروف لوضع بصمة خزي عليها حين تسقط رايتك ويتقهقر جندك يوم هزيمة. والرجولة أن تحمي رجالك من عدوى الكراهية ووباء الفساد حتى لا تسقط سريعا من فوق صهوة نصرك وتطأك حوافر خيول مغيرة.
لم تكن معاهدة فرساي أول شروط المذلة التي يوقع عليها المهزومون إثر معارك التاريخ المؤقتة، ولن تكون شروطها المجحفة آخر حدود التبجح للملوحين ببيارقهم الملونة وسط الميادين الواسعة. لكن بنود فرساي لم تحم يوما جماجم من صاغوها من السقوط في أتون المعارك اللاحقة، ولم تُلزم الظهور الألمانية التي وقعت ذات هزيمة بالانحناء المهين إلى ما لا نهاية. مليئة كتب التاريخ بالانتصارات والهزائم، وأبدا لم يعرف التاريخ قائدا لم يُهزم، وقصور طاغية لم تهدم. الأغبياء فقط يظنون أنهم قادرون على وضع بوابات فاصلة على حدود التاريخ، وأنهم قادرون على لجم جموحه وإيقاف عجلته عند حدود انتصاراتهم الصغيرة.
فليذكر الذين يبالغون اليوم في صياغة فرساي المصرية الجديدة أنهم أُجبروا ذات سقوط على التوقيع بأطراف أصابعهم على بنود مهانة ظن مسطروها أنهم في الملك خالدون وأنهم على صدر البلاد جاثمون حتى أتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم الخزي من حيث لا يحتسبون. وليت الجالسين على طاولة المفاوضات من جانبي الصراع يتذكرون شعبا لا يجد طاولة طعام ولا طاولة في مدرسة ولا طاولة آمنة تحت شجيرة ظليلة في هجير بلاد تزداد تصحرا يوما بعد يوم.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.