بسم الله الرحمن الرحيم المعارضة هي تلك الهيئات السياسية التي تراقب أعمال الحكومة وتكشف أخطاءها وتصرفاتها التي تتنافر مع المصلحة العامة ، ولها تصورها الخاص في كيفية إدارة الدولة والمجتمع في حال وصولها إلى السلطة ، بمعنى لابد أن يكون لديها برنامج الحكم البديل في حال سقوط الحكومة . والمعارضة إذن إذ تقوم بدورها لحلول مكان الحكومة ، لا بد أن تعتمد على إمكانياتها الذاتية وعدم الإعتماد على مساعدات إدارة الدولة وأجهزتها الرسمية التي تكاد تحتكرها الحكومة . لذلك تحرص المعارضة الشريفة على أن تجد لها موردا ماليا يمكنها من القيام بنشاطاتها المختلفة . غير أن شيئا غريبا حدث ويحدث عند بعض الأحزاب السودانية المعارصة ، تتلقى أموالاً في شكل رواتب شهرية من حزب المؤتمر الوطني الحاكم . ومن بين تلك الأحزاب ، حزب الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي . وفي سؤال من صحيفة التغيير الإلكترونية عن تلقيه أموالاً من الحكومة ، دافع المهدى عن تلقى حزبه أموال من الحكومة موضحا أنهم لا زالوا "طالبين النظام" الذى ما زال يصادر ممتلكات الحزب من دور وعربات وغيرها . وأضاف أن مسؤولين فى النظام قالوا لهم لن نردها إليكم الاّ بعقد اتفاق سياسى بين حزب الامة والمؤتمر الوطنى. بالله عليكم ! أنظروا لهذا الكلام الغريب الصادر عن شخص يطرح نفسه كبديل للنظام القائم في تبريره عن تلقيه أموالاً من ذات الحكومة يعارضها والتي حولت البلد إلى مزرعة تتحكم فيها كما تشاء ، تصرفا واستغلالاً !! . كيف لشخص يتهم نظاما بالفساد المالي أن يأتي ويقول والله يا جماعة أنا بتلقى الأموال دي لأن الحكومة قامت بمصادرة ممتلكات حزب الأمة من دور وعربات وغيرها ؟ وهل يعتقد المهدي أن في رؤوس من يخاطبهم قنابير وريش !؟ وهل من المعقول أن تصادر الحكومة ممتلكات حزب سياسي ما بغية منعه من ممارسة نشاطا معارضا ومن ثم يصدر شيكا بملايين الجنيهات لذات الحزب ؟ . لنفترض أن الحكومات فعلا صادرت ممتلكات حزب الأمة من دور وعربات وغيرها ، إذ السؤال هو : كيف إذن يدير المهدي حزبه ؟ هل يديره في منزله الكائن بأم درمان ، أم في الخيران والميادين العامة ؟ وإذا كان هذا هو الأمر ، إذن أين تذهب الأموال التي يستلمها بإسم الحزب من الحكومة ؟ المعارضة الجادة والحقيقية لا تأخذ أموالاً من حكومة تدعي هي معارضتها وتسعى لإسقاطها ، وإنما تبرير المهدي عن تلقيه أموالاً من حزب المؤتمر الوطني الحاكم يعني فشله المتتالي ، واستنفاذه لكل الأوراق النزيهة وغير النزيهة في مواجهة حكومة قضت على الأخضر واليابس في السودان لأربع وعشرين عاما والساقية لسع مدورة ، ولم يعد لديه إلآ المراهنة على الحكومة ذاتها لتسقط نفسها . إن التخاذل الكبير الذي يعانيه الصادق المهدي وحزبه اليوم يعكس الحالة العامة لعدد من الأحزاب السياسية السودانية المعارضة والتكتلات الكرتونية الملحقة ، والتي تعاني جميعها ، وبمقدمتها حزب الإتحادي الديمقراطي وأحزاب الإجماع الوطني من تصدع وتهاوي وضعف غير مسبوق ، هو ما دفع الجبهة الثورية السودانية المتحدة لإنتهاج الحل العسكري لإسقاط النظام . الجديد في كلام الصادق المهدي هذه المرة ، هو اعترافه صراحةً وعلنا بالرشوة التي يتلقاها من الحزب الحاكم ، تلك الرشوة السياسية يبدو أنها أفقدته عقله ليقول إنه لم يسمح بإسقاط النظام إذا كان هذا السقوظ سيؤدي إلى استيلاء الجبهة الثورية على السلطة .. كيف لا ، والرجل يكره الجبهة الثورية كرها عظيما ويصفها بالتنظيم الجهوي العنصري الأفريكاني . إن رفض المهدي الجهود التي تبذلها بعض الأحزاب السياسية المعارضة الجادة لإسقاط نظام البشير ، دليل على تواطئوه مع حكومة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في السودان .. كيف لا وهو من يصرَّح دائماً أنه لا يخجل من الوقوف بجانب النظام الحاكم في حال مجيء الجبهة الثورية إلى الخرطوم ، وأنه يقبل بالمشاركة في حكومة حزب المؤتمر الوطني لصد أي هجمة من قبل الحركات المسلحة على الخرطوم ، متناسياً أن النظام الذي يعتزم الدفاع عنه بشراسة ، هو ذات النظام الذي أطاح بحكومته في عام 1989 بقوة السلاح . يعتقد الصادق المهدي أن قضية تغيير نظام البشير ، سلعة رخيصة تباع وتشترى بأرخص الأثمان في سوق النخاسة والانبطاح الرخيص والخساسة ، وأن بإمكانه تسويق أراءه المترددة والمتذبذبة من اسقاط النظام للسودانيين .. غير أنه مخطيء تماما ، فمسيرة التغيير قد بدأت فعلا ، ولن تعد عقارب الساعة إلى الوراء ، فنظام البشير حتما ذاهب وقف الصادق المهدي معه أم لا . إن تناسى السيد الصادق المهدي وخانته ذاكرته ، فإنه قدم عشرات المبادرات السياسية لحل القضايا السودانية منذ عودته من منفاه الإختياري ، لكن الحزب الحاكم رفضها كلها وضرب بها عرض الحائط دون أن يقرأ حرف أو سطر ورد فيها .. وكان عليه أن يحسن خياراته ويسمع صوت أنصاره ومؤييده الذين يطالبون برحيل عمر البشير ونظامه العنصري .. كما كان عليه أن ينتبه أن الشعوب السودانية التي ثارت في عام 1964 وانتفضت في عام 1984 ضد الديكتاتورية العسكرية ، تستحق أفضل من نظام الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الحاكم ، وأن الرشوة التي يتلقاها من حزب المؤتمر الوطني لن تكون أبدا هي ثمن أنصاره ومؤييده المتشوقين لرؤية سودان خالي من عمر البشير ! . والسلام عليكم.. [email protected]