قبل ايام كتب الروائى السودانى عبدالعزيز بركة ساكن فى صفحته على موقع التواصل الاجتماعى الفيسبوك متسائلا " سؤال عادى: هل سيستضيف برنامج اغانى واغانى الطاهر سراجية؟ او سبت؟ او فرقة الكرمك؟ ليستمتع الناس بايقاع الكلش؟". بركة ساكن روائى مشهور بروايته المثيرة للجدل "الجنقو مسامير الارض" التى يعكس فيها واقع وحياة المهمشين من ابناء غرب السودان الذين يعملون فى المزارع الموسمية فى شرق السودان حيث يطلق عليهم "الجنقو" مفرده " جنقاوى". تسائل الروائى ساكن وحلم بان يرى ويستمع ويستمتع باغانى ابناء جلدته من المبدعين فى البرنامج التلفزيونى " أغانى واغانى" الذى يبث على قناة النيل الازرق خلال شهر رمضان والذى يستضيف فيه مقدمه الفنان والشاعر السر قدور، مجموعة من الفاننين الشباب الذين يتغنون باغانى "الحقيبة" او العصر الذهبى للاغنية السودانى كما يوصفونها. حيث درج مقدم البرنامج على مناقشة تلك الاغانى "اغانى الوسط" التى تمثل وتعكس واقع وثقافة عدد محدود من سكان بلد متعدد الثقافات والاعراق، بلغة عربية فصحى وخلفية ثقافية اسلامية. الكثيرون من امثال ساكن لايفهمون تلك الاغانى ولا تطربهم واحيان كثيرة يحتاج المتعلم منهم الى الاستعانة بمعاجم اللغة العربية لفهم كلمات تلك الاغانى. وتشكلت تلك الثقافة الغنائية مع نهاية حقبة الاستعمار اواسط المتعلمين من سكان العاصمة والتى من اهم ميزاتها فصاحة اللغة والسلم الخماسى ونسبة لهيمنة اهل الوسط على وسائل الاعلام تم فرض تلك الثقافة الغنائية على سكان اهل السودان واطلق عليها الاغنية السودانية مع عدم افراد اى مساحة للاغانى السودانية التى لاتستوفى شرط اللغة العربية الفصحى والسلم الخماسى. حيث تم سجن تلك الثقافات والاغانى والايقاعات الافريقية فى اقاليم السودان المختلفة حتى لاتشوه نقاء الاغنية السودانية العربية. وساهمت هذه السياسة والعقلية فى اندثار وتلاشى تراث واغانى الكثير من المجموعات الافريقية فى غرب السودان وجبال النوبة والنوبيين فى شمال السودان، فتماهى كثير من فنانين تلك المناطق مع اغنية الوسط بينما اجبر السياق البعض الاخر منهم على ترك ثقافاتهم وايقاعاتهم والتغنى باغنية الوسط بينما تمردت فئة ثالثة على تلك العقلية واصبحوا يطلقون عليها "الاغانى الهابطة" وهذه الفئة المتمردة تذكرنى بتمرد بركة ساكن على العربية الفصحى فى كتاباته خاصة رواية "الجنقو مسامير الارض" حيث جاءت الرواية فى لغة عامية. وهناك فئة اخرى فئة (الطاهر سراجية وفنانين الكرن فى جبال النوبة، موسيقى الانقسنا التى تعد من اجمل الموسيقى الافريقية وايقاعات الزغاوة وقبائل الصحراء، وفنجان جبنة ادروب، وموسيقى النوبة فى اقاصى شمال السودان ... الخ) كل هذا الارث الفنى الضخم المتنوع مازال حبيس المناطق والجهات التى يتنمى اليها لا يجد سبيلا الى قلوب وافئدة واذان الكثير من ابناء الوطن الذى يتشوقون ويحلمون كحلم بركة ساكن الى مشاهدة وسماع تلك الاغانى فى وسائل الاعلام العامة التى هى ملك لهم وهم غالبية اهل السودان لا ان تكون محصورة فقط فى قراهم وجلسات سمرهم وحصادهم واعيادهم وتجد حظها كموسيقى واغانى سودانية تكون عنوان للاغنية السودانية التى لم يتم تعريفها حتى الان. الى ان ياتى اليوم الذى نشاهد فيه سراجية على تلفزيون النيل الازرق ستموت مواهب وتندثر اغانى وتراث بسبب تلك العقلية الاقصائية. [email protected]