شخصيا ظللت امتثل في تعاملي مع الآخر بتسامح ، لإدراكي ان المختلف اما ان يكون معه الحق فيقنعني به واما ان اكون صاحب رأي صائب فأوثر ايجابا في تفكيره ، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها ، خاصة وأن المختلف حوله امر عام في الغالب مما يصبح تباين الآراء فيه وارد ، وهكذا علي المحاور والمهتم بالشأن العام أن يسمح بهامش من حق المختلف أن يبدي رأيه لكن مثلما أن لكل أمر شروطه فللحوار والنقاش وابداء الرأي ايضا شروطه ، ولكي يكون الجميع في حدود الموضوعية يتوجب عليهم أن يلموا بأبجديات تلك الشروط. وبقدر ما أؤمن بحق الاختلاف أؤمن بأن لكل إنسان من دهره ما تعودا ، فبعض الناس لا يتغير ولا ينفع معه علاج وآخر ينتقي كلماته للرد علي المختلف حتى لو لم يكن موضوعيا وبعضهم يعتقد أن المزايدة في معارك القبائل دون إلمام كاف بخلفية المشاكل ربما تكسب صاحبها قيمة ، وبعضهم يكتب من اجل الكتابة فيزيدون الطينه بله ... قادني لهذه المقدمة مقال الدكتور عبدالله على ابراهيم في صحيفة الخرطوم العدد رقم 8343 الصادر يوم الأحد 18/8/2013 م ، قلت ، وانا في طريقي للعمل ، من خلال العنوان وقبل ان اطلع على المقال ، انه لأمر جيد ان يتدخل اهل القلم في مثل هذه المشاكل والإنسدادات بتقديم الرأى لشيوخ القبائل عسى ان يحقنوا الدماء عوضا عن غسيل الدم بالفرث ، ويطفئوا النيران المشتعله في الصدور، وتمنيت ان لا يغيظ الدكتور احد الطرفين وينكد عليه كعادته ، (وهذا رأيه عندما سأل في برنامج مراجعات عن مقالاته الصحفية)، فالأمر جلل ولا يحتمل اى خفة أو رأى خارج السياق في هذا الوقت والحرب مشتعلة ، ومن اراد ان يدلى برأيه ( فليقل خيرا او ليصمت ). ولكن خاب ظني ، فالدكتور لم يتخل عن طريقته الحامضه في الكتابة ، والتي قال عنها الدكتور حيدر ابراهيم " ان مقالات الدكتور تفتقر الي وحدة الموضوع والترابط " ، اختار كاتبنا ان يقف مشكورا "مأجورا " مع الرزيقات ، وفي يده صك يعطيهم حق طرد قبيلة المعاليا من ارضها ، (ناسيا انه رئيس اتحاد الكتاب السودانيين وكثيرا ما ينظر اليه الناس بهذه الصفة ويظن بعضهم ان مقاله هو رأى الإتحاد )، جاء في مقدمة مقاله ( في سياق قتال الرزيقات والمعاليا المؤسف اقول لأمانى العجب بلحيل من حق الرزيقات طرد المعاليا ) . وليثبت للقارئ صدقية انه "عالم محقق " تفرض عليه مكانته العلمية كشف الحقيقة للتاريخ ، رفع في وجه القارئ مُؤلف ابو سليم (هذا المؤلف وبشهادة الشهود الذين استطلعهم ابوسليم ، وهم احياء بيننا ، اكدوا لنا بأنه كتبه عندما كان ضيفا على الناظر مادبو في الضعين سنة 1966م ، وهذا يطعن في مصداقية ابوسليم ويجعل شهادته مجروحه ) ، ومن حق القارئ ان يندهش ويسأل من نصب ابوسليم ليكون مرجعا في نزاعات القبائل في دارفور ؟ ومتى كان ابوسليم من منظومة الصلح في مشاكل اهل دارفور، هذا بالنسبة لى خبر جديد ؟ لقد استغربت !!! لأننى لم اجد تفسيرا لموقف كاتب من اهل المعرفة والتحليل والوعى يتبرع بشهاده تزيد الحرب اشتعالا ، لا سيما وان الأزمة مزمنة ومنذ زمن طويل؟!، هل اعادت اليه الحرب وصوت المدافع ضميره كعادة الكائنات الصوتية ؟! وهل كل هذه الغضبة العرمرمية المضرية ضد قبيلة المعاليا هى نتيجة لعودة الوعى اليه ؟! ولماذا الآن يا دكتور ؟؟. كما لم نفهم لماذا لم يستفزه منظر القتلى والجرحى في ساحة الحرب بين القبيلتين ؟؟ ولماذا لا تستنهض كل هذه الدماء الرد الفكرى والثقافي الذي يرقي الى مستوى معالجتها عوضا عن غضب بهذا الشكل الدرامى الصارخ والذي تسبب في قتل العشرات بعد نشره لمقاله هذا بيومين ، استشهد اعزاء وابناء عمومة هو لا يعرفهم ولكن نحن نعرفهم؟ ونحن لا ندري ان كان الوصول للحقيقة يعني ان نبحث عن الشبهات التي تغرر بالجاهلين والتشفي وتحريك كل البؤر القابلة للتقيح والفتنة واشعال الحرائق بين قبائل السودان ؟؟ أليس من الأقوم ان يسأل الكتاب و المؤرخون الذين اكدوا احقية المعاليا بالأرض عن مصادرهم ؟ لماذا لم يسأل المعاليا انفسهم عن الحقيقة عوضاً عن مغالطتهم وبشكل يثير الشك في صفحات الجرايد ؟ولماذا كل هذا التأكيد ؟ ولماذا التنقيب لدرجة انتزاع جلد التاريخ ولوي عنق الحقيقة؟ وهل يساعد هذا المقال في تطييب النفوس ام يزيد النار اشتعالا ؟ ولماذا جاء مقاله في هذا الظرف والوطن يشهد ظواهر التمزق والفرقة وتفاقم النعرات العنصرية والعصبية والإحتراب وانتكاسة الفكر العقلاني. كنت اتمني الا انبس بحرف في مثل هذه المغالطات ، الا انني رأيت ان الواجب يحتم علىَ الرد وبغير غمغمة و لا تقية على تجار الفتنة وكل من يسعى لتعميق الخلافات بيننا ليجعلنا متناحرين ومتخاصمين ، لأن الفتنة هي الطارئ الوحيد الذي لا مبرر له ولا يمكن معالجته الا بكشف التزييف والدس والتآمر علي تاريخ السودان وعلي تاريخ القبائل االتي اسست السودان ( و كبرت شدرو، وكتلت دبيبوا ، وبايعت مهديهو ) ، وينبغى علينا جميعا سد منافذ الفتنة من خلال تمحيص المقالات وفضح الزائف منها وتبني الحقيقي. في تقديري ان هذا النهج الذى اتبعه الدكتور عبدالله على ابراهيم ، هو نتاج ثقافة عنصرية وايديولوجيه منكفئه تعبر عن ذهنية انتهازية مريضه لا تستحي ان ترفع شعار ( هذه مبادئي فإن لم تعجبك فعندي غيرها ) ، وفي هذا السياق استشهد بمقال للدكتور القراي في صحيفة حريات ( ان عبدالله علي ابراهيم عندما ترشح لرئاسة الجمهورية بدلا من ان يقدم برنامجه للشعب السودانى قدم قرعته للمؤتمر الوطني) وهذا يكشف الخبى في مقاله "الفتنه" ، ان اخطر ما يواجه كتابة تاريخنا هو التحيز في البحث عن وثائق تؤكد حكما مسبقا علي الأحداث وفي الغالب هذا النهج لا يهدف الوصول الي الحقيقة التاريخية بقدرما يعمل علي تزييف التاريخ واشعال الحرائق وصياغته بما يخدم اهداف الجهات التى تتبضع في دمائنا ، لذا فأننا نتفق مع الأصوات التي تطالب بإعادة كتابة التاريخ، وإعادة قراءة الوثائق السودانية ، للبحث عن المسكوت عنه ، وحينها نكتشف ان المسكوت عنه هو التاريخ الحقيقي للسودان!! ختاما .... حمانا الله وحمى اهلنا وارضنا شر "ذهنية فقهاء بيزنطة " ، اما ( المعاليا والرزيقات ) وبرغم الجراح والشهداء فهم وحدهم ادرى واقدر على معالجة مشاكلهم وكم فعلوا في مرات كثيرة وسيفعلون هذه المرة ايضاً. جماع مردس [email protected]