الثقافة السودانية ثقافة زاخرة ضاربة جذورها في عمق التاريخ تشبعت سماتها بالثقافة الأفريقية وتلاقحت منذ القدم مع رصيفتها الحضارة العربية الاسلامية ... وظلت الثقافة السودانية متفردة في كل شيء من المطبخ السوداني الزاخر بالأكلات الشعبية التي يندر جدا ان تجدها عند شعوب أخرى وأذكرمنها على سبيل المثال لا الحصر (العصيدة والملاح الأحمر و الأبيض وغيره ، الكول ، المريس ، الويكة والفتة) إلى العادات والتقاليد في الأفراح والأتراح... (الجرتق و قطع الرحط و دق الريحة..) هكذا ظل شعب السودان متمسك باصل ثقافتة غير منكفأ على ذاته ولا متحررا نحو ثقافة الآخرين بل متفاعلا ايجابا مع ثقافات الاخرين بغرض التلاقح و التطوير وليس بغرض التخلي والإنفكاك من الثقافة الأم. لا شك أن الشعوب الراقية تعتز و تتمسك كثيرا بثقافتها بل تفاخر بها و تعمل على نشرها و عكسها للشعوب الأخرى بغرض المعرفة و تعريف الآخرين بها... فالزي السوداني جزء أصيل من ثقافتنا وظل سمة بارزة و معروفة للقاصي و الداني في كل بقاع العالم..... فالجلابية والعمامة للرجل تمييز السوداني في كل مكان و كذلك الثوب السوداني للمرأة علامة بارزة و ماركة مسجلة و رابحة للمرأة السودانية في كل زمان.... غير أنه في الفترة الأخيرة درجت بعض النساء السودانيات في بلاد الغربة (الخليج تحديدا) و في الداخل أيضا التخلي عن ارتداء الثوب السوداني واستبداله تماما بما يطلق عليه العباءة الخليجية متجردين تماما من القيمة الثقافية الراسخة في وجداننا... بعضهم متعلل بقيمة العباءة الجمالية باعتبارها جزء من الموضة العامة لا تهدد بأي حال من الأحوال القيمة الثقافية للثوب السوداني وسوف تنتهي هذه الحالة بزوال الانجذاب الجمالي للموضة... لكنه حديث مردود واعتقد انها حالة استلاب ثقافي لا غير لان الموضة قيمة جمالية عالمية الانتشار ومحدودة الفترة تتلاشى قيمتها الجمالية بعد استنفاذ اغراضها وبالتالي زمنها.... بينما العباءة الخليجية قيمة ثقافية وجزء من مكونات الشخصية النسائية في الخليج و بلاد فارس وسمة أساسية تميزها عن غيرها من الشخصيات النسائية من الثقافات الأخرى... وهنالك قسم آخر من النساء السودانيات حجته في أرتداء العباءة الخليجية نابع من منطلق ديني بحت باعتبارها زيا اسلاميا..... و طالما أن الاسلام قد نزل في الجزيرة العربية فمن باب أولى ان يقتدي نساء السودان في زيهن بلباس نساء (حريم) الجزيرة العربية والخليج فهكذا جاء حرصهن على لباس العباءة الخليجية بدلا عن الثوب السوداني الذي لا يمت للاسلام بصلة.... وهذا القول مردود ايضا لأنه يخرج من السياق التاريخي لاسلام أهل السودان الذين اعتنقوا الاسلام في عهد مبكر من الدعوة على يد علماء و شيوخ جاءوا أصلا من الجزيرة العربية ولم يجدو عيبا شرعيا في الثوب السوداني والدليل على ذلك ان النساء في السودان ظللن يرتدين الثوب السوداني بما فيهم نساء وبنات مشايخ الدعوه الإسلامية ولم يكن الثوب السوداني في يوم من الأيام موضع نقاش أو خلاف حول شرعيته كزي. نفهم مما سبق ان ارتداء نساء سودانيات للعباءة الخليجية ما هو إلا حالة إستلاب ثقافي اما بسبب ضعف في الشخصيه الثقافية السودانية عند بعض نسائنا أو بسب انتماء زائف لمجتمع ورث قيمه الجمالية في الذوق واللباس من مجتمع عربي جاهلي محدود الرقعة الجغرافية ومنعزل عن التواصل والتفاعل مع الشعوب الأخرى ولا توجد اي علاقة أو صلة بين زي ذلك المجتمع والاسلام..... غير أن الاسلام لم يبدي رأيا سلبيا فيما كان سائدا من زي بين نساء العرب في ذلك الزمان فالبتالي لا توجد حجة بأن العباءة زيا إسلاميا ينبغي على النساء المسلمات في كل بقاع العالم الإلتزام به. ان الزي السوداني النابع من ثقافتنا وتراثنا هو الأصل الذي يجب التمسك به و لا يمنع ذلك ان نأخذ باسباب التطور وأن نتعامل مع الذوق الجميل والقيم الجمالية عند الآخرين... فهنالك كثير من المبدعين قد أدخلوا العديد من الجماليات في الجلابية السودانية وفي العمامة وفي غيرها بغية التجديد ومواكبة الموضة والإبداع كما أن المرأة السودانية المتأصله والمبدعة قد لعبت دورا كبيرا في تجديد الثوب السوداني وأدخلت عليه تحسينات عديدة حتى صار لوحة جمالية أدهشت الكثيرين.. [email protected]