انتشر لبس العباءة الخليجية في الشارع السوداني بشكل لافت للنظر، في الآونة الأخيرة، بحيث أصبحت منافسا قويا جدا ل«الثوب السوداني» المعروف باسم «الساري» لدى العرب. هذا الاختلاط الثقافي الاجتماعي ولد منذ بداية ما يعرف ب«الهجرة العكسية»، أي عودة الأسر السودانية إلى الوطن الأم من منطقة الخليج، حاملة معها ثقافة البلدان الخليجية التي كانت تستضيفها. وهكذا أضحى لبس العباءة الخليجية مألوفا جدا من قبل المرأة السودانية بكل فئاتها العمرية، إلى جانب بعض الأسباب المساعدة.. ومنها غلاء سعر الثوب السوداني. تهاني موسى (20 سنة) قالت ل«الشرق الأوسط» عندما التقتها «إن غلاء أسعار الثوب السوداني قادني مباشرة إلى شراء عباءة معقولة الثمن، ثم إن العباءة زي عملي ومريح، وأنا أملك اليوم عددا لا بأس به من العباءات بجانب (الساري) السوداني الذي أرتديه في المناسبات فقط.. وحاليا، أطلب من كل أصدقائي وأهلي في الخليج أن تكون هديتي عباءة جميلة جدا. من جهتها، تفضّل أميرة إسحاق، وهي ربة منزل، ارتداء العباءة عند ذهابها إلى السوق أو المستشفى، «لأنها عملية جدا وفي الوقت نفسه محتشمة جدا.. ولا يتطلب لبسها وقتا طويلا، بالإضافة إلى إمكانية ارتداء البنطلون معها». أما هند عبد الرؤوف، وهي موظفة، فتقول «إن إيقاع الحياة غدا سريعا جدا، وفرض على المرأة السودانية وغيرها ارتداء ملابس عملية، فكان اختيار السودانيات للعباءة، لأنها تعكس قدرا كبيرا من الذوق بجانب التنوع في الموديلات رغم أن اللون الأسود هو الغالب.. ولكن، لمن لا تريد هذا اللون فقد ظهرت في السوق عدة ألوان غامقة من مختلف درجات البني والرمادي». وتضيف: «إن العباءة مناسبة لكل الفئات العمرية ولا توجد سيدة أو فتاة الآن في السودان لا تملك عباءة. لقد أصبحت العباءة ضرورة». في المقابل، يوافق فضل الشفيع، البائع في محل «معرض دبي»، على هذا الكلام، موضحا «أن الطالبات بنسبة 100% يقبلن اليوم على شراء العباءة الخليجية.. كما تبلغ النسبة بين النساء المتزوجات قرابة ال 50%.. وهن عموما يفضلن العباءة الخليجية المطرزة بنقوش خفيفة». ويشير فضل الشفيع إلى أن أغلب العباءات المبيعة في السودان اليوم تستورد من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن في بعض الأحيان يلجأ كبار المستوردين إلى منتجات الصين. ويتابع أن «صناعة العباءة الخليجية تتبع احتياجات السوق وتساير الموديلات التي لاقت رواجا.. مثل عباءة أطلق عليها مسمى (البرادو)، تيمنا بمركبة الدفع الرباعي الشهيرة، وهي عبارة عن عباءة برباط داخلي يخصّر الوسط، لكنها في الشكل الخارجي فضفاضة». ويؤكد مدّثر القرشي، الذي يمتلك محل «عالم الثياب» أن السبب في انتشار لبس العباءة الخليجية بين الشابات والطالبات «يعود إلى وجود ثلاث جامعات سودانية تفرض العباءة زيا موحدا داخل الحرم الجامعي، هي: جامعة أفريقيا العالمية، وجامعة أم درمان الإسلامية، وكلية القرآن الكريم، والثلاث جامعات إسلامية فرضت العباءة باعتبارها زيا محتشما لا يترك مجالا للبس البنطلون وما شابه، بالإضافة إلى أن أسعار العباءات معقولة، إذ تتراوح بين 40 و80 جنيها سودانيا في الأسواق الشعبية، وهو عامل أسهم كثيرا في انتشارها، لكنها على أية حال ليست بديلا للزي الرسمي السوداني الذي يمكن أن ترتديه المرأة السودانية في كل المناسبات الاجتماعية». وحول الاعتبارات نفسها، تقول إيناس أحمد، مديرة «أتيليه فوف»، إن العباءة الخليجية «فرضت نفسها بقوة في الشارع السوداني، بسبب غلاء أسعار الثوب السوداني أو بسبب إيقاع الحياة العملي أو (ثقافة الفضائيات) والاغتراب.. كلها أسباب جعلت الموردين والمصممين يهتمون بهذا الوافد الجديد على المستوى الشعبي أو على مستوى الطبقات العليا. ولقد دفعنا الطلب المتزايد على العباءات إلى تصميم موديلات خاصة للزبونات حسب الطلب، حتى أصبح لدينا في الأتيليه - أو المشغل - قسم خاص بالعباءة الخليجية بشكلها التقليدي أو بالعباءات الملونة، مع العلم أن أكثر السيدات يطلبن عباءة مشغولة بالكريستال أو مطرزة بالخرز، بالإضافة إلى الجلد الذي يوضع حسب التصميم على أطراف العباءة. ونحن راهنا نقوم بتصميم العباءة وإنجازها كاملة.. من الخياطة وحتى التطريز، ونصنع موديلا واحدا فقط لا غير، لأن معظم الشغل صنع يدويا هنا على أيدي حرفيين هنود مهرة. ثم إننا نجلب خامات الأقمشة من تايلاند والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. وأما عن أسعار العباءات، فإنها تعتمد على طلب الزبونة، وبالتالي، فهي تتراوح بين 180 و500 جنيه سوداني». وتضيف إيناس: «وكما هو ما معروف، فإن الفتيات يقلدن الأمهات، ولذا اتجهنا أخيرا لصنع عباءات للبنات الصغيرات بأشكال شخصيات والت ديزني المحببة عند الأطفال. وفي مطلق الأحوال، يمكننا القول اليوم إن العباءة الخليجية بات لديها اليوم جمهور من متتبعات كل موضة جديدة أو موديل حديث ينزل السوق. ومستقبلا قد لا يقتصر ارتداء العباءة في السودان على الذهاب للأسواق أو المستشفيات.. بل إلى الأفراح والمناسبات الاجتماعية أيضا، خاصة مع ظهور موديلات تتميز بمستوى عالٍ من الأناقة».