سألني زميلي الليبي كنا نعمل معا بجامعة سرت في ليبيا في رسالة كريمة البارحة: ماذا دها شعب السودان؟ أليس بينكم رجا رشيد يتعظ بما جرى في ليبيا ويجري في سوريا وأردف سؤآله بإجابة ملئية بالحزن والندم على ما جرى في بلده ليبيا حين قال " إن لم يتدارك العاقلون من السودانيين وهم كثر ويعملوا لفرملة نزيف الدم الذي بدا بإشتعال الثورة فإن الدمار والخراب الذي سيلحق بالسودان وشعبه سيكون مفجعا وعظيما." أجبته وكلي أمل أن تكون إجابتي مقنعة وتحمل رؤيا أرى ضوروة إتباعها لتفادي ما نتج من مآسي وما حصل لدول ما سماه المخطط الإستراتيجي الغربي بالربيع العربي وقذف به إلى الإعلام للترويج له في بلداننا وعبر إعلامنا. قلت له نعم إن عقلاء السودان كثر ولكن المؤسف أن من يدير دفة الحكم منذ إنقلاب ما نعرفه الآن بنظام الإنقاذ ليس من بينهم كما ثبت جليا بعد 25 عاما، عاقل بالمعنى المراد في هذا الوقت العصيب من عمر السودان. لقد جاء هذا النظام العسكوجبهوي كما سميناه في عام 1989م بعد ثلاثة أشهر من إنقلابه على الديموقراطية، وهو يحمل شعارات إدعى بأنها ستنقذ شعب السودان من الفقر والجوع فكان شعاره نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع وبعد 25 عاما لم نأكل مما نزرع لأن النظام نفسه قام بتدمير مشاريع الزراعية كما لم نلبس مما نصنع لأنه ببساطة قد دمر مصانع النسيج. أما شعار الكرامة والعزة الذي أريد به إستقلال بلادنا من جبروت المستعمر من جهة وتعزيز قوة السودان ووحدته بعد تحويل حرب الجنوب الأهلية إلى حرب جهادية فقد أدى هذا الشعار إلى إنفصال الجنوب وإقتطاع أجزاء أخرى حدودية شمالا وشرقا وإلى أن تكون أواسط السودلن سكنات لجيوش المستعمر ليس المستعمر الغربي الذي نعرفه فقط وإنما مستعمرون جدد من جيران و"أشقاء". إنتشرت هذه القوات الأجنبية ليس في أقليم السودان الطرفية وإنما في مدنه وقراه. وبدلا عن شعار أمريكا دنا عذابها أصبح نظام الإنقاذ يطلب ودها ومباركتها وتقديم كل عون أمني لها يتطلبه ما عرف بالحرب على الإرهاب العالمي والمقصود به الحرب على المسلمين والإسلام. فانكشفت بذلك عورة نظام الإنقاذ وإدعائه المتمثل في شعار "هي لله هي لله لا للثروة ولا للجاه" هذه الشعارات التي حققت نقيضها لم تكن لترفع في الأساس إن كان من بين من قام بإنقلاب الإنقاذ عاقل وقتئذ. فالشعب السوداني مشهود له بالخلق القويم وزاده التدين عفة وتسامحا فعاش تاريخا ملئ بالحب والتسامح المجتمعي عبر الآلاف من السنين لم يتمزق نسيجه الإجتماعي إلا بسبب سياسات نظام الإنقاذ خلال هذه ال25 عاما الجافة في كل شئ. لقد عمل عقلاء السودان وهم كثر حقا لنصح نظام الإنقاذ ورده إلى الصواب ولكن عناد هذا النظام وتمسكه بالسلطة رغم علم القائمين عليه بفسادهم الأخلاقي والمالي، أهدر مجهوداتهم العديد ولم يعد ممكنا السكوت بعد الإستفزاز المستمر لسنوات من قبل عصابة الإنقاذ حتى جاءت سياسات النظام الأخيرة المتمثلة في رفع الدعم من السلع الضرورية وما صاحبها من إستفزاز وشتيمة قال بها ليس مطبلاتية نظام الإنقاذ بل رئيسه ووزراؤه وطالت كل الشعب. لم يكتف هذا الرئيس ولا وزرائه ولا المطبلين من صحفيين ومذيعين بل زادا على ذلك تعمد الكذب وإتهامه بكل قبيح في الفعل. فأصبح بذلك الكذب أن الشعب الأعزل هو الذي يقتل متظاهريه بالسلاح الحي في مناطق الصدر ومقدمة الرأس وليس أفراد أمن نظام الإنقاذ. وهي أماكن لا يستطيع تسديد الضربات حولها إلا من كان أكثر تدريبا على القتل ومهمته الأساسية وحرفته القتل وليس غير القتل. نعم علينا الحفاظ على هيكل دولة وبلاد السودان من مخاطر الإنزلاق في الحرب الأهلية المسلحة وعلينا إبعاد أي أجندة قد تقود إلى التشظي والتشرذم بين إثنيات السودان المختلفة خاصة تلك التي تتمتع بوفرة السلاح حتى نجنب بلادنا ليس الصوملة والأفغنة فقط وإنما ما يحدث في ليبيا وسوريا ومصر. ولن نصل إلى ذلك إلا إذا نهض العاقلون مرة أخرى وقاموا بتشكيل حكومة قومية انتقالية كما يقول الصحفي البارع مصطفى عبد العزيز البطل "تضع حاضر السودان ومستقبله في أيدي تحالف وطني يضم قوى سودانية ذات مشروعية مختبرة تاريخياً وديمقراطياً، تكون مهمتها الأساسية "عقد المؤتمر الدستوري الجامع، الذي يتوحد ويتراضى تحت سقفه كل أبناء السودان بمختلف مللهم السياسية والثقافية ونحلهم الجهوية والاثنية" . [email protected]